أن الاقتصاد أظهر بعض الصلابة، فإن التجارة تعطلت وتأثرت السياحة سلباً بالصراع… وقد يؤدي استمرار التأثير على عائدات السفر إلى عكس تحسينات الأخيرة في القطاع الخارجي. كما أن أي اضطرابات أوسع تأتي عبر الحدود ستشكل مخاطر إضافية على التجارة وأسعار النفط وتغييرات في سلوك المستهلك».
أن تنامي الصراع في الشرق الأوسط يمكن أن يسبب هزات عبر العالم، لأن المنطقة مورد حيوي للطاقة وممر شحن رئيسي، مذكرا بحرب عام 1973 بين العرب وإسرائيل، والتي أدت إلى حظر النفط، وتسببت بسنوات من الركود التضخمي في الاقتصادات الصناعية.
ونتوقع استمرار ضبط أوضاع المالية العامة في المرحلة المقبلة، وإن كان بوتيرة أقل نسبياً، مدعوماً بزيادة الإيرادات المحلية نتيجة اتخاذ تدابير لتعزيز الإيرادات وتخفيف محتمل للسياسة النقدية. كما يتوقع أن يتقلص عجز المالية العامة الأولي في عام 2024 وأن يتحول إلى فائض صغير بحلول عام 2025.
ولا يزال مدى التأثير على المنطقة محاطا بقدر كبير من عدم اليقين وسيعتمد على مدة الصراع وشدته وانتشاره. فحدوث صراع واسع النطاق سيشكل تحديا اقتصاديا جسيما أمام المنطقة، ويتوقف احتواؤه على نجاح الجهود الدولية في منع امتداد التصعيد إلى المنطقة ككل. والأمر المؤكد هو أن التنبؤات الموضوعة للاقتصادات الأكثر عرضة للخطر المباشر سيتم تخفيضها، وأن سياسات حماية الاقتصادات من الصدمات والحفاظ على الاستقرار ستكون ضرورية.
وقد تكشف الأزمات أيضا مواطن الضعف الأساسية، ما يؤدي إلى تفاقم مخاطر التطورات السلبية المحيطة بالآفاق المتوقعة. وقد يؤدي ارتفاع علاوات المخاطر إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض، وهو ما قد يؤثر سريعا على الاقتصادات المثقلة بالديون. وعلاوة على ذلك، يمكن أن تشهد الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات في المنطقة، مثل الصومال والسودان واليمن، انخفاضا في تدفقات المساعدات الضرورية إذا ما تحول تركيز الجهات المانحة عنها ولم يتسع نطاق المساعدات الدولية لتلبية الاحتياجات العالمية المتزايدة.
وبشكل أعم، تتيح معالجة هذه التحديات الفرصة لإعادة ضبط الأوضاع. ويقوم الصندوق بتعديل التوقعات الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالتعاون الوثيق مع بلدانه الأعضاء، كما يقف على أهبة الاستعداد لتكثيف الدعم اللازم من خلال تقديم المشورة بشأن السياسات، والمساعدة الفنية، والتمويل لبلدان المنطقة.
ستكون الآثار الاقتصادية أكثر وضوحًا في حالة نشوب حرب شاملة تشمل هجمات موسعة على البنية التحتية للطاقة في منطقة الشرق الأوسط والخليج، بالإضافة إلى زيادة الاضطرابات في طرق التجارة عبر البحر الأحمر. أن التجارة الدولية والممرات الملاحية في المنطقة تُعد ممراً استراتيجياً للتجارة العالمية، خاصة من خلال الممرات البحرية مثل مضيق هرمز. أي تهديد لهذه الممرات يعرقل حركة السفن التجارية ويمس بالإمدادات العالمية من النفط والغاز والسلع الأخرى، ويؤثر علي إيرادات الممرات الملاحية وهذا ما حصل في قناة السويس في مصر الفترة الأخيرة. أن اقتصادات العالم ستتأثر بشكل كبير في حال توسع نطاق الحرب وامتدادها إلى الإقليم، لان آليات انتقال التوتر إلى الاقتصاد العالمي، تتمثل من خلال ارتفاع أسعار الطاقة ومخاوف انقطاع الإمدادات، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وكبح جهود المصارف المركزية في تخفيض معدلات التضخم والوقوع في فخ الركود. أن الصراعات الإقليمية بمجملها لا تزال تلقي بظلالها على الآفاق المستقبلية للنمو، وذلك بالتزامن مع تمديد تخفيضات إنتاج النفط، وفقًا لمقررات تحالف أوبك بلس.
ويعود التباطؤ الإقليمي بشكل رئيسي إلى تراجع الطفرة في الدول المُصدرة للنفط، إذ إنه من المُتوقع أن يتباطأ النمو فيها إلى 3,3% و2,3% في عامي 2023 و2024 على التوالي، انخفاضاً من 6,1% في عام 2022؛ مع مراعاة أثر الأساس المنخفض لهذا العام، إذ تتم مقارنته بعام 2021 الذي شهد انكماشاً كبيراً على خلفية إغلاقات جائحة “كورونا”. ويعكس التعديل النزولي لآفاق النمو في الدول ذات الفائض النفطي، التباطؤ المُتوقع في اقتصادات الشركاء التجاريين، والتخفيضات الجديدة في إنتاج النفط، والآثار المتأخرة لتشديد السياسة النقدية المحلية. ويرى صندوق النقد الدولي أن الدول المُصدرة للنفط يجب أن تركز على جهود التنويع الاقتصادي، مع تعزيز الاحتياطيات المالية لتعزيز مرونتها.
كذلك، من المُتوقع أن يتراجع النمو في العراق إلى 4% في 2023، و2,9% في عام 2024، وهو أقل من وتيرة ما قبل الجائحة. ومن المُرجح أن يؤدي نقص المياه والكهرباء، فضلاً عن عدم الاستقرار السياسي والأمني، إلى إعاقة المسار التنموي في هذا البلد. ومن المُتوقع أن تشهد سوريا مزيداً من الانكماش في عام 2023، ويواجه اقتصادها صدمات متعددة، بما في ذلك التأثيرات المناخية، والعنف المُستمر، وعدم اليقين بشأن السياسات، ونقص الوقود. ونتيجة للأوضاع غير المُستقرة في سوريا، انخفض الدخل إلى النصف بين عامي 2010 و2020، وتواجه الأسر مستويات غير مسبوقة من الفقر وانعدام الأمن الغذائي.
وفي سائر الدول المُستوردة الصافية للنفط في المنطقة، من المُتوقع أن يظل النمو ثابتاً خلال الفترة 2023-2024، عند معدل يزيد قليلاً عن 4% سنوياً، لكن يؤدي ارتفاع التضخم في معظم تلك الدول إلى تآكل الأجور الحقيقية، مما يؤثر في الاستهلاك المحلي، الذي يُعد الرافد الأهم للنمو في الدول كثيفة السكان. ومن المُرجح أيضاً أن يؤدي ضعف نمو الطلب الخارجي إلى الحد من النشاط في قطاعي التصنيع والسياحة، وأن يؤدي تشديد السياسة المالية والنقدية (بهدف كبح جماح التضخم المُرتفع والعجز في الحساب الجاري) إلى تقييد النمو.
ومن المُتوقع أن ينتعش النمو في المغرب إلى 3,5% في عام 2023 – أي أقل من التوقعات السابقة– وإلى 3,7% في عام 2024، مع تعافي قطاع الزراعة تدريجياً من الجفاف الذي شهده العام الماضي. ويُنتظر أن يعوض الإنفاق الحكومي جزئياً ضعف الاستهلاك الخاص الناجم عن ارتفاع التضخم.
ومن المُمكن أن يؤدي المزيد من التدهور في الظروف المالية أو الاقتصادية العالمية والمحلية خلال العام الجديد، إلى مزيد من المعاناة في الاقتصادات التي تعاني من اختلالات هيكلية كبيرة في الاقتصاد الكلي. وعلى الرغم من عدم مراجعة تلك التوقعات بشكل جوهري في ضوء تداعيات حرب غزة، فإن الاتجاهات العامة للنمو تظل مُعبّرة عن سائر العوامل الاقتصادية الأخرى.
إذ كان مصدرو النفط يستفيدون من ارتفاع أسعار الطاقة نسبياً، فإن الاقتصادات متوسطة الدخل تتأثر بالقيود الناجمة عن عدم الاستقرار المالي. وتعاني الدول منخفضة الدخل من ارتفاع أسعار السلع الأساسية والآثار المُستمرة لجائحة “كورونا”، فضلاً عن تداعيات الحرب في كل من أوكرانيا وغزة. واستمر التضخم في الارتفاع عام 2023، ومن المُتوقع أن تظل قيمه مكونة من خانتين حتى نهاية العام على الأقل، كما أن التعافي من الصدمات التضخمية قد يستهلك النصف الأول من عام 2024 على أقل تقدير، وذلك بافتراض بقاء سائر العوامل الأخرى على حالها.
ويشهد معدل التضخم تراجعاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، باستثناءات محدودة. ومن المُتوقع أن يرتفع متوسط التضخم في المنطقة إلى 17,5% عام 2023، و15% عام 2024. ويرى تقرير حديث لصندوق النقد الدولي، صدر في أكتوبر الماضي، أنه على الرغم من انخفاض التحديات العالمية غير المواتية مقارنةً بشهر إبريل 2023، فإن التهديدات المتعلقة بالمناخ تتزايد، في حين أن الانخفاض (الأسرع من المتوقع) في التضخم العالمي، من شأنه أن يقلل الضغوط على البنوك المركزية فيما يتعلق بالمزيد من رفع أسعار الفائدة. ومع ذلك، ما تزال هناك مخاطر عديدة، بما في ذلك احتمال انخفاض الطلب الخارجي في حالة حدوث تباطؤ أكثر حدة في الصين، على خلفية أزمتها العقارية، وارتفاع ضغوط الأسعار العالمية بسبب تصاعد الحرب في أوكرانيا، والكوارث المرتبطة بتغير المناخ أو الكوارث الطبيعية.
التعليقات