ونكمل الجزء السابع عشر مع التفوق العلمى وأثره فى تقدم الأمم، وكلما كانت الأخلاق سوية صحيحة، كلما ارتقت باقي الأسس إلى الأعالي، والعكس بالعكس، فمن المهم أن يكون الإنسان متعلما، إلا أن هذا العلم سيكون بلا قيمة إذا تجرد صاحبه من الأخلاق الحسنة والقيم النبيلة الفاضلة، وإن العلم بلا أخلاق مثل الشجرة بلا أوراق، لا أحد ينظر إليها ولا يؤبه بها ولو طاولت فروعها عنان السماء، وعندما يريد أحدهم أن يحدد أهم صفات طالب العلم فمن البديهي أن يضع الأخلاق في قمة هذه الصفات، وهذه الأخلاق هي التي تستطيع أن توجه العلم في مساره الصحيح، وتبعده من أن يكون سببا لأذية المجتمعات والإضرار بها، فكم من متعلم استطاع من خلال ما تعلمه إلحاق الضرر بالناس.
وما ذلك إلا لغياب الأخلاق والقيم النبيلة التي تضبط الإنسان وتبعده عن القيام بأفعال مسيئة للمجتمع من حوله، مثل توظيف العلم في تصنيع مواد تلحق الضرر بالبيئة أو الحيوانات، أو حتى تصنيع بعض المواد الكيميائية التي تبيد الآلاف من البشر في لحظة واحدة، ومن هنا تأتي الصلة الوثيقة بين العلم والأخلاق، والتي ينبغي الانتباه دائما إلى ترابطها ومتانتها، وكلما ازدادت الأواصر بين العلم والأخلاق في نفس الإنسان، كلما كان إنسانا متوازنا حكيما، ويمكن اعتباره قدوة لمن حوله، وبالمقابل كلما ازداد علم الإنسان دون التحلّي بالأخلاق الفاضلة سيكون وبالا على البشرية، وداء مستشريا في المجتمع يجب القضاء عليه، ولا يمكن أن يكون طالب العلم مغرورا بعلمه.
ويظن أنه الوحيد الذي يتعلم ويجتهد، فهذا فيه خروج عن منظومة الأخلاق، ولا يمكن أن يكون طالب العلم أنانيا يحتفظ بالعلم لنفسه، ولا يريد مشاركته مع الآخرين، لأن كتم العلم عن الآخرين أمر نهى عنه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والأمثلة على الصلة بين العلم والأخلاق كثيرة، ولذلك لا بد أن تكون الأخلاق حاضرة في كل خطوة من خطوات طالب العلم،إذا تمكّن من استحضار الأخلاق الفاضلة في كل تفاصيل حياته، عندها يحقق الرابطة المتينة بين العلم والأخلاق، والتي لا يمكن أن تفك عراها بسهولة، لا سيما إذا كان يعتنق هذه الأخلاق وهو مقتنع بأهميتها في صقل علمه وتهذيبه وتقويمه وتوظيفه في كل ما يخدم المجتمع المحيط به، ولما يتحقق ذلك سيشعر هو بلذة العطاء.
وسعادة الرضا عن النفس، كان يهدف إلى تبيان أهمية العلم في حياة الأمم، ودوره في بناء الحضارات وتطورها، ورقي المجتمعات وتطاول بنيانها وهو محقّ في ذلك، إلا أن هذا التطور وتلك الرفعة والمكانة التي ستحوزها المجتمعات بالعلم، لا بد لها من أمر آخر يضمن لها البقاء والاستمرارية، ألا وهو الأخلاق، بذلك تتضح الصلة الوثيقة بين العلم والأخلاق من جهة، وتتبين أهمية الأخلاق في بقاء الأمم والمجتمعات واستمرارها، فإن كان العلم يساعد في البناء والارتقاء، فإن الأخلاق تضمن الاستمرار والثبات، مما يجدر ذكره عن أهمية كل من العلم والأخلاق أنهما من الأمور التي حث عليها الدين الإسلامي، فقد أرسل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق ويحث على طلب العلم.
وبذل كل الجهد في سبيل الحصول عليه، فهذا إن دل على شيء فهو يدل على أهمية العلم والأخلاق في حياة الإنسان، فلا يمكن المقارنة بين المتعلم وغير المتعلم، إضافة إلى أنه لا يمكن المقارنة بين متعلم ذي خلق رفيع ونبيل، ومتعلم لا يتحلى بأبسط القيم الأخلاقية، فشتان بين الثرى والثريا، فالعلم كسبيكة الذهب اللامعة، والأخلاق هي ذلك الصائغ المحترف الذي يقوم بتزيين السبيكة وتلميعها، وتهذيبها لتظهر بشكل لافت للنظر يخلب الألباب لجماله وإتقان صنعته، فهما توأم لا يمكن الفصل بينهما، وفي ظل العصر الحاضر وما فيه من تطورات على صعيد التكنولوجيا، لا يمكن أبدا إنكار قيمة العلم وأهميته في حياة كل إنسان، وذلك حتى يتمكن من مواكبة التطورات التي تحصل في عصر السرعة.
التعليقات