السبت - الموافق 02 نوفمبر 2024م

إقتصاد الحرب بمصر بقلم الدكتور عادل عامر

اقتصاد الحرب يعني ذلك المصطلح يعني سيطرة الدولة على كافة أنواع الأنشطة الاقتصادية، حيث تبدأ بتوزيع المواد الغذائية من خلال كوبونات (قسائم)، وذلك طبقا لخطة تضعها الحكومة”. و الإشراف على كافة المصانع والمصارف والاستثمارات كما حركة الأموال الداخلية والخارجية لا تتم إلا بإذن رسمي”. أن حركة الاستيراد والتصدير تتم أيضا ضمن هذا الإذن الرسمي الصادر عن الدولة وبإشرافها. و رفع النفقات في قطاع الدفاع والتسليح، وبالتالي سوف يكون جزء كبير من تلك الأموال مخصص موجهة نحو النفقات العسكرية والواقع الأمني الدولي”.

أن “الكثير من دول المنطقة باتت بحاجة إلى (اقتصاد الحرب)، خاصة في ضوء التطورات الميدانية الأخيرة والمخاطر المتصاعدة”. أن الدولة يجب “أن تراعي في اقتصاد الحرب توفير الحاجات الغذائية والصحية الأساسية للشعب خلال فترة اعتماده”.

فإن المشكلة الأخرى مرتبطة بالوضع الاقتصادي بشكل أساسي، و«تناقُض تصريحات مدبولي مع المواقف السابقة التي تحدث فيها عن العمل لزيادة الاستثمارات، وحل المشكلات التي تواجه القطاع الخاص، بما يسمح بمنافسة عادلة بينه وبين الشركات المملوكة للدولة».

أن الحكومة في حاجة إلى تقديم «بدائل اقتصادية» للعمل مع الأزمة الحالية، دون اللجوء إلى استخدام شعار «اقتصاد الحرب»، الذي ليس له علاقة بالحالة الاقتصادية الحالية، ويسبب «الخوف» للمواطنين بتقديم التصورات الحكومية بعدّها «غير قابلة للنقاش».

أنه يجب أن نضع في الحسبان الحفاظ على استمرار واستقرار واستدامة توفير السلع والخدمات والبنية الأساسية للمواطن المصري، داعيا إلى المزيد من الحوكمة والترشيد في النفقات والاستهلاك، تحسبًا للسيناريو الأسوأ.

أن اقتصاد الحرب يستلزم ترشيد الإنفاق الاستهلاكي وتقليل الاستيراد والإنفاق العام الحكومي وتوجيه الإنفاق للمجالات الأكثر أهمية ووضع القيود على كثير من الأنشطة الغير ضرورية وبعض الأساسية، وتحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة، مع تقليل الهدر، لان تطبيق اقتصاد الحرب لا يعني بالضرورة أن تكون مصر طرفا في هذه الحرب لكن مع اتساع دائرة الصراع في الدول المحيطة بمصر يؤثر بشدة على الاقتصاد المصري،

خاصة وأن الاقتصاد المصري يعاني من آثار اقتصادية منذ جائحة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية ثم الحرب على غزة ولبنان واتساع دائرة الصراع بالشرق الأوسط وقد تسبب هذا كله في تراجع إيرادات قناة السويس وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه.

ويعني ذلك أن اقتصاد الحرب هو تنظيم القدرة الإنتاجية والتوزيعية للدولة في أثناء الحروب مع إعادة ترتيب أولوية تخصيص مواردها من أجل تحقيق النصر العسكري بالتوازي مع محاولة تلبية احتياجات المستهلكين المحليين؛ أي: أنه مجموعة التدابير التي تتخذها الدولة خلال الحروب أو عند اندلاع الأزمات والنزاعات الداخلية، والمتمثلة في اعتماد نظام إنتاجي يعمل على ترشيد استخدام الموارد الاقتصادية لضمان استدامتها مع إجراء تغيير بنيوي على هيكل الاقتصاد المحلي من خلال تخصيص جزء من الموارد لتلبية نفقات الحرب والتسلح ودعم القوات المسلحة مقابل خفض الإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية والاقتصار على توفير الاحتياجات الضرورية والأساسية للمواطنين.

ويُنظر إلى التعريف المذكور أعلاه على أنه المفهوم التقليدي لاقتصاد الحرب والقائم على تحقيق التوازن بين الحاجة إلى تحقيق الأهداف العسكرية والتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على ذلك، إلا أن هذا التعريف قد تطور مع التقدم التكنولوجي الذي شهده العالم؛ إذ لم يعد مقصورًا على إعادة تخصيص الموارد الطبيعية والبشرية المُتاحة لصالح الإنتاج الدفاعي فحسب، بل أصبح يشمل استخدام التكنولوجيا والصناعات الإلكترونية والذكاء الاصطناعي وزيادة البحث والتطوير في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والفضاء لتحقيق الأهداف العسكرية. ومما سبق يتضح أن أدوات الدولة لإدارة اقتصاد الحرب تتمثل فيما يلي:

1- إعلاء الإنفاق الدفاعي على نظيره الاجتماعي:

تلجأ الحكومات عادة في أوقات الصراع إلى إعطاء الأولوية للإنفاق الموجه لإنتاج الأسلحة والذخيرة بدلًا من توجيه مواردها إلى الصحة والتعليم والإسكان والبنية الأساسية نظرًا لتزايد احتمالية تأثير الحرب في حجم الموارد المالية المُتاحة بضغط من تدمير وقصف المنشآت والبنية التحتية، وتوقف العملية الإنتاجية لبعض الصناعات، علاوة على اضطراب الأنشطة التصديرية أو الأنشطة المدرة للدخل بشكل عام؛ مما يدفع الحكومات لترشيد استهلاك الموارد وإعادة توجيهها للأنشطة التي تضمن لها تحقيق النصر العسكري. ويُمكن الاستدلال على ذلك بالسلوك الروسي خلال الحرب الروسية-الأوكرانية التي دفعت البلاد لرفع الإنفاق الدفاعي إلى 13.2 تريليون روبل (142 مليار دولار) في موازنة عام 2025 مقابل المستوى المسجل 10.4 تريليونات روبل عام 2024، وهو ما يمثل نحو 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا، و40% من إجمالي نفقات الموازنة متجاوزًا بذلك المخصصات المالية الموجهة لقطاعي الصحة والتعليم.

2- السياسة المالية التشددية:

تذهب الدول وقت الحروب لتطبيق سياسة مالية انكماشية عبر رفع معدلات الضرائب المفروضة على الدخل أو أرباح الشركات لتمويل نفقاتها العسكرية وتلبية احتياجات الأمن القومي، وضمان ضخ مستوى مستدام من الأموال للمنظومة الدفاعية. من ناحية أخرى، قد تلجأ الحكومة إلى الاستدانة من شعبها من خلال إصدار المزيد من أوراق الدين (السندات – أذون الخزانة) بفائدة منخفضة نسبيًا يتم استردادها عقب انتهاء الحرب. وقد طبقت الولايات المتحدة هذه الأداة خلال عامي 1950 و1951 حينما رفع الكونجرس الضرائب بنحو 4% من الناتج المحلي الإجمالي لسداد تكاليف الحرب الكورية، على الرغم من استمرار سريان معدل الضرائب المرتفعة التي تم فرضت خلال الحرب العالمية الثانية، وهي الفترة التي شهدت تضاعف الإيرادات الفيدرالية ثلاث مرات تقريبًا كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بسبب زيادة عدد المواطنين الخاضعين لضريبة الدخل بنحو عشرة أضعاف، من 3% من إجمالي السكان عام 1939 إلى 30% عام 1943. وفي حربها على أوكرانيا، استخدمت روسيا الأداة نفسها لزيادة إيراداتها المالية حيث رفعت معدل الضرائب على الدخل بنسبة 14% وضريبة الأرباح على الشركات بنسبة 25% خلال عام 2023.

3- التدخل الحكومي في الأنشطة الاقتصادية:

تشمل خطة التعبئة الاقتصادية للحكومات وقت الحروب إحكام قبضة الدولة على النشاط الاقتصادي والسيطرة على الموارد المُتاحة وإلزام الشركات والمصانع بإدخال تغييرات رئيسية على الهياكل الإنتاجية بما يتناسب مع خطتها لإدارة الحرب، فمن الممكن إعادة توجيه أهداف القطاع الزراعي لتأمين إمداد المواطنين والقوات المسلحة بالاحتياجات الغذائية اللازمة مع الاستغناء عن السلع الغذائية الكمالية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، والحفاظ على هامش تصديري للمنتجات الزراعية، كما يُمكن اتخاذ قرار بتحويل الصناعات المدنية إلى الصناعات العسكرية اللازمة لدعم القوات المسلحة. وخلال الحرب العالمية الأولى، وسعت الولايات المتحدة من صلاحياتها الحكومية من خلال توجيه المزارعين بزيادة إنتاج الحبوب والمحاصيل الزراعية الاستراتيجية، وإنشاء مجلس الصناعات الحربية (The War Industries Board- WIB) لزيادة الإنتاج الدفاعي وتخصيص الموارد للمجهود الحربي، بما في ذلك النحاس والمطاط والنفط، ومنح عقود الدفاع لصالح الشركات المدنية، وتحفيز الإنتاج العسكري بين أصحاب الأعمال المدنيين. فيما توسعت ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية في بناء المصانع الجديدة لتلبية متطلبات التوسع العسكري، حيث تمكنت من ربط مفهومي الدفاع والموارد الاقتصادية باعتبارها عنصرًا حاسمًا لتعزيز الأمن الوطني خلال سنوات ما بين الحربين العالميتين.

4- التمويل التضخمي:

تتجه الحكومات إلى خيار طباعة النقود لتمويل الإنفاق الدفاعي كبديل أيسر من فرض المزيد من الضرائب، وهو ما يُعرف بالتمويل التضخمي حيث تضطر الدول إلى إصدار المزيد من العملات الورقية دون غطاء لتمويل الزيادة في الإنفاق الحكومي بدون الأخذ في الاعتبار انعكاسات تلك الخطوة على قيمة العملة المحلية ومعدلات التضخم التي ترتفع عادة في أوقات الحروب نتيجة لنقص المعروض من السلع. فعلى سبيل المثال، اضطرت الولايات المتحدة اللجوء لخيار طباعة النقود خلال الحرب الأهلية؛ مما أفضى إلى زيادة المعروض النقدي خلال الفترة 1861 إلى 1864 بنحو 10 أضعاف.

5- التجنيد الإجباري:

تستغل الدول خلال الحروب مواردها البشرية من خلال استدعاء العمالة المدنية للخدمة في القطاع العسكري؛ مما يؤثر سلبًا على عرض العمالة واستقرار سوق العمل، وقد تجلى هذا الاتجاه بوضوح خلال الحرب الروسية-الأوكرانية حين قررت أوكرانيا خفض سن التجنيد للرجال من 27 عامًا إلى 25 عامًا، وإلغاء بعض الإعفاءات من التجنيد؛ مما أضاف حوالي 50 ألف جندي جديد للجيش الأوكراني، ومن ناحية أخرى وقع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” مرسومًا في مارس 2024 باستدعاء 150 ألف مواطن للخدمة العسكرية القانونية وذلك بعدما استدعى 130 ألف شخص في سبتمبر 2023، كما صوّت مجلس النواب الروسي على رفع الحد الأقصى لسن تجنيد الرجال إلى 30 عامًا بدلًا من 27 عامًا، وقد دخل التشريع الجديد حيز التنفيذ في الأول من يناير 2024.

 

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك