وسط هذه الحالة من الضبابية التى تحدق بمصرنا الغالية من كل فج عميق ، تلاطمت أمواج الغضب لتتلاقى جميعها فى بوتقة واحدة ، بعد أن بلغ السيل الزبى فى كل صعيد ومنحى ،
الأزمات بالعشرات ، كل واحدة فى ذاتها كالجبال الراسيات ، غير أن كل هذا لم يحرك فى أنفسهم شيئا ، رئيسا أو وزيرا ، أكاديميا أو مسئولا ، واذا كانت هناك قناعة راسخة لدى القاصى والدانى ، والأعمى والبصير ، فى سائر ربوع مصر بأن أكثر الأزمات خطرا وفتكا هما الاقتصاد والأمن ، لما يمثلانه من ارتباط وثيق بالأمن القومى ، الا أن الخطوات العلمية والعملية لمواجهتهما لم ترتقى بعد الى المرجو والمأمول ، فى ظل حالتى البلادة والترهل الوظيفى ، المصاحبتان للمركزية والبيروقراطية ، اللتان اجتاحتا الهيكل الادارى والوظيفى فى طول البلاد وعرضها قرابة نصف قرن ونيف ، فى كل هذه الفترة الطويلة من عمر الزمن ، كان هناك عوار خطير فى قوام البنية الاجتماعية أحدثته الأنظمة المتعاقبة مما كان له بالغ الأثر السلبى فى عدم الموائمة بين سياسات الاقتصاد والأمن القومى ، فكانت هذه المعادلة تصب دوما فى صالح فئة دون الأخرى ، قطعا كان الضرر بليغا ولا يزال بفئة الفقراء والضعفاء وقليلى الحيلة ، حتى ضاق بهم ذرعا من مرارة التفكير واستحالة جدواه ، فكان الخيار الوحيد هو التسليم المطلق بواقع الحال دون قيد أو شرط ، ولما كنت أحد هؤلاء البائسين غضبا وألما ، رأيتها خاطرة تطرق قريحتى ، فلما تلقفتها ، عكفت على دراستها ، فاقتطفت من نتائجها ثمرات ولكن بنكهة الشق النظرى ، أما الشق العملى فانما يقع على عاتق المنوطين بصنع القرارات ، شريطة أن يصغوا آذانهم ، تلك الخاطرة التى أتحدث عنها ، انما تتجلى بوضوح شديد فى اقتراح مكون من خمس محاور ، فأما المحور الأول فيتعلق بحصر شامل لكل العاملين بالقطاع الحكومى ، ثم تقسيمهم الى شريحتين ، تتمثل الأولى فى أولئك الذين يتقاضون رواتب تتجاوز الخمسة آلاف من الجنيهات ، وذلك بخصم 50 جنيها فقط من راتب كل فرد ، بينما الشريحة الثانية فهى كل من يتقاضى راتبا دون الخمسة آلاف جنية ويخصم منه 25 جنيها شهريا ، على أن يتم جمع هذه المبالغ بصفة دورية شهرية فى صناديق خاصة ، يقوم عليها الأمناء والصلحاء من أبناء الوطن ، المحور الثانى على نفس النسق تقريبا ، حيث عمل بحث اجتماعى بالغ الدقة عن كل الذين يتجاوزون حد المليون جنيها فى كل مصر ، ما بين رجال أعمال وفنانيين ورياضيين الخ ، واجبار كل فرد ممن يستوفون هذا الشرط على دفع مائة جنيه شهريا ، تتجمع أيضا فى صناديق خاصة ، وبنسبة تقديرية سنجد أن اجمالى هذه الأرقام المالية ستقف عند عتبة الثلاث مليارات من الجنيهات ، عندئذ يتم التطبيق العملى ، اذ تقسم الثلاث مليارات على المحافظات الثلاثون ، بما يعنى أن نصيب كل محافظة شهريا ، سيكون مائة مليون جنيها ، يتم استغلالها فى مشروعات البنية التحتية وعمل مشروعات لمن لم يحالفهم العمل بالقطاع الحكومى ، أو بمنح قروض ربحية لمن يشاء فى ذلك ، وفى ذات الوقت يتم تكليف كل محافظة بمحاصرة ظاهرة التسول التى اختلط فيها الحابل بالنابل ، بالتنسيق مع وزارتى الداخلية والتضامن الاجتماعى ، المحور الثالث يتمثل فى تخفيض سن المعاش بالنسبة للعاملين بالحكومة الى سن الخمسين ، وفى نفس الاطار يتم زيادة المبالغ الهزيلة التى يتقاضها كبار السن بما يسمى معاش السادات ، المحور الرابع يتمثل فى اتجاهين أما الأول فهو ترشيد الانفاق على القطاعات غير المؤثرة مثل القطاع الرياضى والفنى ، بينما الاتجاه الثانى فيكمن فى تعاظم الانفاق على منظومة التعليم والبحث العلمى على السواء وتطبيق نفس الخطوة على الصحف وتطويرها وزيادة أجور الصحفيين ، ايمانا بدور الصحافة فى التثقيف والتوعيه ، المحور الخامس والأخير تطبيق الحدين الأدنى والأقصى برقابة صارمة تنطوى على أعلى درجات الشفافية ،، لم أتطرق بأطروحتى هذه من قريب أو من بعيد الى الفكرة القائلة ، من أين لك هذا ؟ وانما كان سبيلى مشروعا الى أبعد الحدود ، أردت بهذه الاطلالة العابرة أن أبلغ رسالة رب العالمين ، خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها صدق الله العظيم ، فهل من مجيب لرسالة رب العالمين ، فقط أعنى بهذا النداء ثلاث فئات ، على رأسهم رب البيت الكبير وهو رئيس البلاد بصفته المسئول عن الرعية أمام الله تعالى ، ثم وزرائه ومعهم أثرياء الوطن ، ثم من بعدهم كل العاملين بالقطاع الحكومى لمناصرة اخوانهم وأبنائهم وأصدقائهم وهم بمئات الألوف من دون وظيفة ولا عمل ، هذه خطوة واحدة ولكنها سوف تعالج خمسة قضايا دفعة واحدة هى البطالة والفقر والأمية والتسول ولن أقول استئصال ظواهر السطو والعنف والبلطجة بالكلية وانما على أقل تقدير سوف تجفف منابعهم ، مجرد اقتراح فى مسار الاصلاح ،،، انتهى
التعليقات