الأربعاء - الموافق 30 أبريل 2025م

الإعلام بين الرئيس والشعب ورأس المال بقلم: فاروق جويدة

لا ينكر محنة الإعلام المصرى إلا مكابر فلاشك ان الشارع المصرى يدرك حجم المأساة التى تصل كل ليلة إلى كل بيت بل انها امتدت إلى مناطق أخرى فى العالم العربى حيث ترى من يسألك بصراحة ووضوح ماذا جرى للإعلام المصرى، وهل هذه هى مصر التى نشاهدها على الشاشة وهل هؤلاء هم المصريون الصابرون الكادحون المتعبون الباحثون عن أرزاقهم فى بلاد الله؟!. هناك مصر الحقيقية ونحن نعرفها كشعب وهناك مصر الإعلام وهى لا تمت لنا بصلة. وهناك مصر السلطة وهى حائرة بين الجبهات الثلاث وتتساءل: كيف الخروج من هذه المحنة وكيف لنا ان نتجاوز هذا المأزق ونحن نسير نحو مستقبل نحلم به؟! ان هذا الإعلام المنفلت لا يمثل ابدا الثقافة المصرية العريقة فهذه البذاءات والشتائم والألفاظ الجارحة ليست منا.

من هنا جاءت غضبة الرئيس عبدالفتاح السيسى وهو يتحدث إلى الشعب فى الندوة التثقيفية التى أقامتها القوات المسلحة فى مسرح الجلاء ورغم ان الحديث كان عتابا للإعلام إلا انه لم يخل من الغضب وهذا العتاب الغاضب وجد صدى واسعا لدى الشعب وأيضا لدى الإعلام لأننا جميعا شركاء فى الأزمة ولأن الناس تشعر بحالة من الضيق من الأداء الإعلامى السيئ.

ولكن على جانب آخر وبنفس الدرجة من الضيق يتساءل الشارع المصرى وأين مؤسسات الدولة التى سمحت بكل هذا الانفلات طوال السنوات الماضية. لا أبالغ إذا قلت ان مؤسسات الدولة تتحمل المسئولية فى حالة الانفلات التى يعيشها الإعلام المصرى الآن وكان ينبغى ان تصل هذه الرسالة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى ولكن لا احد يشرح ولا احد يقول ومن حق الرئيس ان يعاتب وان يغضب ولكن هذا كله لن يصل بنا إلى شئ امام حالة التردد والتراخى التى نعانى منها.

– نحن أمام ثلاثية لابد ان نتوقف عندها وهى التى تحكم الآن المشهد الإعلامى. نحن أمام سلطة بلا قرار حاسم فيما يخص الساحة الإعلامية. وأمام رأسمال اهوج ومغامر بلا فكر. وأمام إعلام منقسم على نفسه حتى أصبح مشاعا وفقد هويته أمام جبروت رأس المال والعبث السياسى وغياب الرؤى. الغريب ان السلطة بكل مؤسساتها هى الحاضر الغائب فى المشهد الإعلامى نحن جميعا نعلم ان الإعلام المصرى عاش دائما فى أحضان الدولة منذ ثورة يوليو وان هذا الإعلام لم يتجاوز يوما منطقة الوصاية وظل دائما يترنح ما بين النقد والتأييد وما بين الرفض والقبول وفى أوقات قليلة جدا سمح لنفسه ان يتمرد ولكنه سرعان ما كان يعود إلى حظيرة الدولة التى تعين المسئولين فيه وتوجه المؤسسات الإعلامية ما بين الرقباء والوزراء والمؤسسات السيادية. لا بد ان نعترف بأن الإعلام المصرى لم يشهد يوما فترة من فترات الحرية الحقيقية بل ظل حائرا ما بين الحرية واللا حرية زمنا طويلا. وللإنصاف فإن هذه الوصاية لم تمنع بعض المؤسسات الإعلامية وعددا ليس بقليل من أصحاب الأقلام ان تكون لهم مواقف حادة مع السلطة وبعضهم دفع الثمن من حياته ومستقبله

امام ثورة يناير انتفض الإعلام المصرى ورغم ولائه القديم لسلطة الدولة فقد ساهم فى اسقاط نظام ظل قابعا على أنفاس المصريين ثلاثين عاما. ورغم كل الأعباء التى تحملها الإعلام المصرى مع السلطة كانت هناك علاقة خاصة بينه وبين المؤسسة العسكرية التى كانت تدرك أهمية الإعلام وكان الإعلام بدوره يحمل الكثير من الولاء والعرفان لهذه المؤسسة فى كل الاحوال والظروف.

بعد أسابيع قليلة من ثورة يناير بدأت سلسلة من الاجتماعات مع المسئولين فى المجلس العسكرى وعدد من الكتاب والمفكرين وكنت واحدا منهم. واعترف إننا نقلنا يومها للمجلس كل هموم وعيوب وأحلام الإعلام المصرى ويومها عرض على الصديق د. عصام شرف رئيس الوزراء منصب وزير الإعلام واعتذرت رغم اننى كنت اعلم إنها رغبة صادقة من المجلس العسكرى. فى هذا الوقت كانت كل الحقائق وكل المشاكل والأزمات التى تخص الإعلام المصرى أمام المجلس العسكرى وللأسف الشديد ان المجلس انشغل فى قضايا أخرى ولم يحسم قضية الإعلام فى اى صورة من الصور حتى حلت علينا كارثة الإخوان المسلمين. لم يكن لدى الإخوان اى تصور عن دور الإعلام وكان قصورهم الفكرى والثقافى سببا فى المزيد من الأزمات وهنا كان للإعلام دوره البارز فى إسقاط الإخوان ونجاح ثورة يونيه التى أطاحت بهم ليستعيد الشعب قراره.

كان ينبغى بعد رحيل الإخوان ان تحسم الدولة قضايا الإعلام خاصة أن دستور 2014 وضع عدداً كبيرا من البنود التى تخص الإعلام وتجاهلت الدولة كل هذا حتى دخل الإعلام فى حالة من الفوضى والانفلات. لقد غاب الإعلام عن فكر سلطة القرار وكانت النتيجة ما وصلنا إليه الآن وهو يتطلب وقفة سريعة لإعادة الانضباط إلى هذا الدور الخطير من خلال المؤسسات التى نص عليها الدستور والمهام التى ينبغى ان تقوم بها النقابات المهنية بجانب وقف حالة الارتباك التى يعيشها الإعلام المصرى.

هنا يمكن ان يقال ان الدولة تتحمل النصيب الأكبر من حالة الارتباك التى شهدها المشهد الإعلامى بعد ثورة يناير. فلم تقدم بديلا بعد إلغاء وزارة الإعلام. ولم تحسم المشروعات الخاصة بتنظيم الإعلام وهى حبيسة مكاتب المسئولين فى الحكومة حتى الآن، وهى لم تكن على درجة من الشفافية حين شهدت الساحة هجمة شرسة على ثورة يناير ورموزها من الشباب وتركت الثورة المضادة تطيح بكل انجازات هذه الثورة، وقبل هذا كله فإن الدولة تحملت مسئولية تعيين قيادات إعلامية دون المستوى فكرا وآداء ومسئولية.

– على الجانب الآخر من الصورة كانت هناك مواجهة صامتة بين الدولة ورأس المال وكانت حشود رأس المال فى حالة اختبار لقدرات القرار والسلطة الجديدة، وهنا ظهر دور الإعلام الخاص الذى تحول الى ساحة قتال ضارية ضد ثورة يناير وضد كل من يسعى إلى تغيير الواقع المصرى بما فى ذلك سلطة القرار. كانت الدولة ومازالت تؤجل مواجهتها مع رأس المال لحسابات كثيرة واستغل رأس المال الفرصة ليحقق المزيد من الضغوط على الدولة من خلال وسائل الإعلام وهنا كانت الفضائيات والصحف الخاصة التى جمعت فى ساحتها كل أعداء ثورة يناير وأصحاب المصالح فى كل العهود البائدة بما فى ذلك رموز الحزب الوطنى وتوابعه. لابد ان نعترف بأن رأس المال كان الأسرع والأكثر كفاءة فى مواجهة الدولة وأمام حالة التخبط وغياب الحسم فى مواقف الدولة كان الإعلام الخاص سببا فى حالة الفوضى التى يعيشها الإعلام المصرى الآن. قلت يوما لأحد المسئولين الكبار فى الدولة أنه لا توجد دولة فى العالم تقدم الأموال بسخاء لإعلام يشتمها كل ليلة، أن هناك البلايين من الجنيهات التى حصل عليها رجال الأعمال كقروض من البنوك وأقاموا بها الصحف والفضائيات وهم يهاجمون الدولة ويشوهون صور الأحداث والرموز والبشر كل ليلة.

إن المسئولية الجنائية للحالة التى وصل إليها الإعلام المصرى ترجع الى غياب القرار الحاسم فى الدولة والانتهازية الشديدة من رأس المال فى فرض وصايته بصورة او اخرى على سلطة القرار.

لم يكن رأس المال المصرى على درجة كافية من الوعى والفكر والشفافية لكى يمتلك هذا الجهاز الخطير الذى يسمى الإعلام. أنه رأس مال عشوائى قام على انتهاز الفرص وفساد المسئولين وتجارة الأراضى وتهريب الآثار والإتجار فى اصول الدولة وقد قام مشروعه على نقطتين: استخدام بعض ضعاف النفوس من الإعلاميين فى معركته ضد الدولة ومحاولة ابتزاز مؤسساتها لتحقيق المزيد من المصالح أو على الأقل الحفاظ على ما حققه من مكتسبات فى عصور الفساد والتخبط.

– فى هذا المناخ العجيب كان من الضرورى ان تشهد الساحة الإعلامية حالة انقسام حادة وهنا طفت على السطح كل أمراض المجتمع المصرى فى سنواته العجاف ما بين فساد الوطنى وجهل وغباء الإخوان وتحول بعض الإعلاميين الى ادوات فى ايدى رجال الأعمال امام إغراءات مالية حادة وخطيرة وهنا غاب الإحساس بالمسئولية وتراجعت قيم الإنتماء والأمانة والمصداقية أمام سطوة المال وجبروته. لم يكن الإنقسام بين الأسرة الإعلامية على الأموال فقط لقد انقسموا فى إعداد التشريعات التى تنظم العمل الإعلامى فى مؤسساته ودوره ومسئولياته، وانقسموا داخل المؤسسات الإعلامية نفسها فى الأهداف والأطماع والمصالح، وانقسموا ما بين الوطنى والإخوان وما بين السلطة ورجال الأعمال وما بين المصداقية والحرص على المصالح الخاصة بل ان الأخطر من ذلك كله هو دخول المال الأجنبى الى الساحة وهنا وجدنا مؤسسات جديدة انشأها بعض الإعلاميين فى ظروف غامضة وتمويل لا أحد يعلم مصادره. وللأسف الشديد ان الدولة سكتت عن ذلك كله.

منذ أيام قليلة زارنى الصديق يحيى قلاش نقيب الصحفيين وفى حوار طويل شرحت له وجهة نظرى فى المشهد الإعلامى المرتبك وقلت ان دور نقابة الصحفيين ان تسترد هيبتها مع أبنائها وأمام الدولة وان تسعى إلى إصدار التشريعات الصحفية التائهة فى مكاتب الوزراء وأن تجد حلا لحالة الإنقسام التى يعيشها الوسط الصحفى ما بين تشريعات حائرة ومسئولين فى المؤسسات الصحفية لم يؤدوا دورهم كما ينبغى وحكومة لم تدرك حتى الآن أهمية الإعلام ودوره ورجال أعمال يتاجرون فى مستقبل هذا الوطن ويعلنون الحرب عليه من خلال إعلام يدمر الثوابت والقيم ويطيح بكل ما قام عليه هذا المجتمع من الأعراف والتقاليد.

ان النقد حق مشروع للإعلام وله كل الضمانات ولكن التخبط والفوضى التى نعيشها الآن تتطلب قدراً كبيراً من الوعى والحكمة لأن المخاطر المحيطة بنا لا حدود لها.

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك