الجمعة - الموافق 26 يوليو 2024م

الإيِثَار.. بقلم دكتور محمد الغلبان

وهو ذلك الخُلق الذى يَدل على صفاء النفس ونقائها من البخل والشح والأنانية
فالايثار فى معناه الأصيل ( تقديم المرء لغيره على نفسه فى جلب النفع له ، ودرء الضرر عنه ) كتقديم الغير على النفس فى حظوظها الدنيوية رغبة وتطلاعا للحظوظ الأخروية
فللمُؤثر نفس تَحُسه دائماً على الخير وتُسارع به إلى الإحسان

ومضاده ونَقيضه هو الإستئثار ومعناه : الأنانية والإستحواذ وتفضيل النفس على الغير .

فتعالوا نتأمل الإيثار بمعناه الحقيقى ونتعرف على مَكارمه فى صحابة رسول الله صلّ الله عليه وسلم حينما ضرب ( الأنصار ) أهل المدينة أروع المثل فى تَفضيل ( المهاجرين ) من أهل مكة على أنفسهم وأهليهم وذويهم فلنتأملها ونَعِيها كما رواها القرآن الكريم فى قول الله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
” والذين تَبَوُءّوا الدَارَ والإيِمَان مَنّ قَبْلِهم يُحبُون مَنّ هَاجَر إلِيِهم ولا يَجِدُون فِىٌ صُدُورِهِمْ حَاجْةٍ مِمَا أُتُوا ويُؤثْرُون عَلىَّ أنفسِهم ولو كَان بِهم خَصَاصَةً ومَنّ يُوقَّ شُحْ نَفْسَهُ فأولئك هُم المُفلحُون ”
صدق الله العظيم – الحشر (9)

فالإيثار فى حقيقته هو أرفع درجات الجُود والكَرم ولا يَتَحلى به إلا الذين بلغوا قمة السخاء ، فجَادوا بالعطاء وهم بأَّمَسّ الحاجة إليه ، وآثروا غيرهم على أنفسهم وهم فى ضنك العيش وقمة العَوز

لذا فقد عُدَ الإيثار من أهم صفات الأبرار وشيم الأخيار
وعلى قَولة فاروق الأمة وإمامها العادل عمر :
” الإيثار سجية الأبرار وشيم الأخيار ”

وقد أخرج الترمذى فى سننه عن عائشة رضى الله عنها أنهم ذبحوا شاه فقال النبى صلّ الله عليه وسلم : ” ما بقى منها ؟ قالت : ما بقى منها غير كتفها فقال : بقيت كلها غير كتفها ” صدق رسول الله صلّ الله عليه وسلم
فالبقاء دائما فيما عند الله ، ليس فيما إستأثرت به لنفسك .

فالإيثار الحقيقى هو أن يجود الإنسان بالنفس أو المال أو الراحة وبذل كل غالٍ ونفيس وتَفضيل الأخرين على النفس طمعا فى رحمة الله بإجابة دعوة أرملة مكلومة لا عائل لها ، أو برسم بسمة وَضَاحة على وجه يتيم ، أو تلبية أمر لبائسة ضعيفة أو تفريج كُربة مكروب ، أو التيسير على مُعسر .. إلخ .

فهو يزرع فى النفوس المودة والمحبة والرأفة والرحمة وينزع من القلوب الكراهية والبغضاء والشحناء فالقلوب جُبِلت على تعظيم المُؤثر ومَحبته وإجلاله ، وبُغض البخيل المُستأثر ومَقته .

فحينا سُئِل رسول الله صلّ الله عليه وسلم ما أدنى حق المؤمن على أخيه ؟
فقال : ” أن لا يَستأثر عليه بما هو أحوج إليه منه ”
صدق رسول الله صلّ الله عليه وسلم

ولكن إحذر كل الحذر وأنت تُؤثِر الخَلق على نفسك أن يتعارض إيِثارك مع نص أو شرع فطاعة الله أَولَىَّ وأوجب ، فالإيثار واجب فيما لا يُحرم عليك ديناً ، ولا يقطع عليك طريقاّ ، ولا يفسد عليك وقتاً مع الله
بمعنى أن تقدمهم على نفسك شَريطة ألا يؤدى ذلك إلى إرتكاب إِتْلاف لا يجوز فى الدين ، وكل سبب يعود عليك بصلاح قلبك ووقتك وحالك مع الله فلا تؤثر به أحدا فإن آثرت به فإنما تُؤثر الشيطان على الله وأنت لا تدرى .

فهلم بنا نُعلمه ونُشِيعه ونأصل مفهومه فى نفوس أبنائنا وذلك بتقوية روح التعاون البَنَّاء بينهم ، وتثبيت أواصر المحبة فيهم وترويضهم وتَعوديهم على السخاء لا التبزير ( وشتان بين المعنيين ) وشعورهم بالأخرين حتى لا ينشأ الواحد منهم فردياً وأنانياً إستئثارياً لا هَم له الإ نفسه .

نسأل الله العلى القدير فى عُلاه أن يجعلنا من المُؤثِرين لا من المستأثرين وأن يطهر قلوبنا من كل سوء وأن يُزيل شَحنائها وأن ينور قلوبنا ويثلج صُدورنا بكل خُلق كَريم ووصف حميد – إنه ولى ذلك والقادر عليه .

والله من وراء القصد .
أسعد الله أوقاتكم بكل الخير

د. الغلبان

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك