الجمعة - الموافق 26 يوليو 2024م

السيسي رئيس غير تقليدي بقلم : عبدالرحيم حشمت عسيري . المحامي

 

تابع أبناء الشعب المصري العظيم باهتمام شديد ، واعتزاز كبير الاحتفالات المتوالية لخريجي الكليات العسكرية ، ومعاهدها المتخصصة ، وخريجي كلية الشرطة ، ومعهد أمنائها التي حضرها الرئيس عبدالفتاح السيسي .. وما صاحبها من إضافة فنون قتالية جديدة لم تكن معروفة من قبل في العسكرية المصرية لمواجهة التحديات الجسيمة ومواكبة ما طرأ من تطور على أساليب الجريمة .. والتي أداها بإتقان شديد ، ومهارة عالية خريجوا وطلاب هذه الكليات العريقة في عروض عسكرية مهيبة تدعو إلى الفخر والاعتزاز ، وتغرس الثقة والطمأنينة في نفوس الناس ، وتبث الرعب في قلوب الأعداء في الداخل والخارج على حد سواء ، وتبعث برسالة تحذيرية لكل من تسول له نفسه التفكير – مجرد التفكير – في تكدير صفو المصريين .
تعتبر مثل هذه الاحتفالات نوعا من التكريم الواجب لأبناء القوات المسلحة والشرطة الذين يقدمون أرواحهم رخيصة فداء لهذا الوطن العزيز الغالي .. ونظير هذه التضحيات تقدم لهم الدولة قيادة وحكومة وشعبا ما يستحقونه هم وأسرهم من حب واحترام ورعاية واهتمام ، كما تعتبر هذه الاحتفالات أيضا نوعا من التقاليد العسكرية المعروفة في معظم دول العالم إلا أن إقامتها في مصر ومن ثم عرضها على الجماهير على الهواء مباشرة له وقع كبير في نفوس المصريين .. ربما لأن الجيش المصري أقدم جيوش العالم قاطبة ، وربما لأنه ملكا خالصا لشعبه مطيعا لأوامره حاميا لإرادته محققا لأمانيه وتطلعاته ، وربما لأنه لم يكن على مدى تاريخه كله ملكا لحاكم أو تابعا لنظام ، وربما لأنه جيش وطني محترف لا يوجد بين صفوف أبنائه خونة أو مرتزقة ، وربما لأنه على مدي تاريخه الطويل الذي يمتد لآلاف السنين صنع الأمجاد وحقق الانتصارات ، وربما لأنه كان وما يزال جيشا مقاتلا ولم يكن في يوم من الأيام جيشا قاتلا ، وربما لأنه لم يغدر من قبل أو يخون أو يهدد جار أو يعتدي على شقيق ، وربما لأن عقيدته القتالية قائمة على حماية الشعب والأرض والوطن العربي الكبير .. وإجمالا ربما كان ذلك كذلك لكل ما سبق ذكره .
إذا نحن متفقون جميعا على أن تكريم هؤلاء الأبطال واجب وطني لا ريب فيه أما وجه الاعتراض على هذه الاحتفالات فينطلق من حقيقة بديهية لا يختلف عليها اثنان ألا وهى أن الأمن وحده لا يبني الأوطان .. فمن ذا الذي يقول أن الدولة المصرية لا تقوم لها قائمة إلا بضباط الجيش والشرطة ورجال القضاء الذين تكرمهم الدولة ماديا ومعنويا في كل المناسبات ؟ .
لكننا إذا شئنا الدقة ، وتحرينا الأمانة ، واستهدفنا العدالة التي اشتعلت من أجلها الثورة .. لتأكد لنا بما لا يدع مجالا للشك أن كل مواطن مصري شريف هو في الحقيقة مقاتل في مجال عمله .. فعلى سبيل المثال لا الحصر المدرس مقاتل في محراب العلم فهو الذي يربي ويؤسس النشء ويعلمه لذا كان دوره في البناء لا يقل أهمية أو خطورة إن لم يزيد عن دور ضباط الجيش والشرطة ورجال القضاء .. وهنا نتساءل فنقول : ماذا لو توقف المدرسون وأساتذة الجامعات عن تأدية أسمى الرسالات فمن الذي يعلم شبابنا ويخرج لنا أجيالا جديدة تقود المسيرة ؟ .. ومن غير أهالينا العمال والفلاحين يبني ويعمر المدن ويزرع لنا الأرض لنأكل من خيراتها حلالا طيبا .. وهل تقوم للأوطان قائمة بدون الأطباء الذين يسهرون على راحة المرضى ويقدمون لهم الرعاية الطبية اللازمة ؟ .. وإذا لم نكرم الدعاة والأئمة فمن يجدد الخطاب الديني ويصحح لنا المفاهيم الخاطئة ؟ .. وإذا أضرب المحامي عن عمله وهو أحد أركان العدالة فمن يغيث الملهوفين ويدافع عن المظلومين ؟ .. وبدون المهندسين من يقود مسيرة البناء والتطوير والتعمير ؟ … الخ .
إن حرص الرئيس السيسي على الحضور شخصيا احتفالات خريجي الكليات العسكرية والشرطية باعتبارها من التقاليد المصرية العريقة يشجع على المطالبة بالمزيد من مثل هذه التقاليد .. ولأن السيسي بدأ عهده بالدعوة إلى الابتكار ، وإعمال العقل ، واستخدام الفكر .. فلماذا لا يضرب لنا المثل الأعلى ، ويصبح قدوتنا الحسنة فيكون رئيسا غير تقليديا فيقدم لنا أفكارا متطورة ، ويسن لنا سننا جديدة ؟ وبناء على ما تقدم وانطلاقا منه أقول : إذا كان التعليم هو الركيزة الأولى في نهضة الشعوب ورقي الأمم فلماذا لا يبتكر الرئيس السيسي تقليدا احتفاليا جديدا لتكريم الفئات المهمشة التي تقدم لهذا الوطن خدمات جليلة وأدوار عظيمة ؟ وليبدأ أولا بتكريم المدرس وليكن هذا الاحتفال تحت عنوان ” يوم المعلم ” ليس للنظر في هموم المدرسين ، ولا من أجل تقديم حلول لمشاكل التعليم فمصر دولة مؤسسات ومن الضروري أن يكون لدى الحكومة من الخطط والسياسات ما يكفي لقيادة مسيرة العملية التعليمية ومن ثم حل مشاكلها أولا بأول لكن ما أقصده باحتفال ” يوم المعلم ” أن يكون مقتصرا على تكريم الرئيس السيسي للمدرسين عموما والمبتكرين منهم خصوصا وكأن لسان حال الدولة يقول للمدرسين دوركم من أقدس وأهم الأدوار في بناء الأوطان وهذه حقيقة من الحقائق العديدة التي تجاهلتها الدولة على مدي العصور السابقة وحان الآن وقت الاعتراف بها ذلك لأن تحسين مستوى الأداء العام في كافة المجالات مبني على إصلاح التعليم وأول خطوة في هذا الاصلاح هي رد الاعتبار للمعلم .. ثم يحضر الرئيس يوما احتفاليا آخرا لتكريم المهندسين ، ثم الأطباء إلى آخر هذه السلسلة الطويلة من فئات المجتمع التي تؤدي واجبها بأمانة وإخلاص ومسؤولية ولم تقدم لها الدولة ما تستحقه من تقدير أو تكريم أو اهتمام .
ثم أليس لهذه الفئات المهمشة حقوقا مكتسبة في ثروات الوطن التي يحظى بمعظمها رجال القضاء وضباط الجيش والشرطة .. في صور متعددة ابتداء من المرتبات الخرافية ، مرورا بالمخصصات الأسطورية ، وصولا إلى العلاوات الدورية ، وانتهاء بالمكافآت التي لا أول لها ولا آخر .. بينما بقية شرائح المجتمع تتضور جوعا وتتلوى ألما من وقع البلاء وشدة الغلاء ؟ .

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك