الأربعاء - الموافق 18 ديسمبر 2024م

الطروحات الحكومية ودورها في تنمية الاقتصاد المصري بقلم الدكتور عادل عامر

يمثل برنامج الطروحات الحكومية أحد أشكال الشراكة بين القطاعين العام والخاص والذي يتم بمقتضاه طرح جزء أو كل أسهم الشركات العامة في البورصة، وبذلك فإما تظل الدولة تحتفظ بجزء من حصتها في الشركات التي تم طرح جزء من أسهمها في البورصة، أو تتحول ملكيتها بالكامل للقطاع الخاص في حالة طرح كل أسهم الشركة. ويعتبر برنامج الطروحات الحكومية إحدى آليات تمكين القطاع الخاص وتعزيز دوره في العملية الإنتاجية والحياة الاقتصادية،

وتصحيح مسار اقتصاديات السوق؛ إذ إن استحواذ الدولة على جزء كبير من الاستثمارات المتاحة يقلص فرص القطاع الخاص في ضح استثماراته، الأمر الذي يعرف بأثر المزاحمة، ولذلك فقد تضمنت خطة الدولة التخارج من القطاعات التي تستثمر فيها مع التركيز على القطاعات الأكثر جذبًا للاستثمار الخاص. في خطوة تعكس توجه الحكومة المصرية نحو تعزيز دور القطاع الخاص وضخ دماء جديدة في شرايين الاقتصاد، يتواصل تنفيذ برنامج الطروحات والتخارجات الحكومية، الذي يستهدف تحرير الأصول المملوكة للدولة وتوسيع مشاركة القطاع الخاص.

ومع تعدد أشكال الشراكة بين القطاعين العام والخاص نجد اختلاف فعالية تلك الآليات من شركة لأخرى ومن فترة زمنية لأخرى داخل الدولة، وبصفة عامة تهدف الشراكة بين القطاعين العام والخاص إلى تركيز نشاط الحكومة على تقديم السلع العامة ووضع السياسات والاستراتيجيات ومراقبة مقدّمي الخدمات بهدف الارتقاء بها، فضلًا عن الاستفادة من الكفاءات الإدارية والتقنية والقدرات التمويلية لدى القطاع الخاص، وإشراكه في تحمل المخاطر.

وقد اتخذت الدولة العديد من الإجراءات لتعزيز مشاركة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي في مقدمتها فتح أسواق ومجالات جديدة للقطاع الخاص، يأتي على رأسها قطاع الغاز الطبيعي حيث سمح قانون تنظيم أنشطة سوق الغاز رقم ١٩٦ لسنة ٢٠١٧ بمشاركة القطاع الخاص للمرة الأولى في أنشطة التداول والتوزيع. كما تم تهيئة البيئة التشريعية من خلال صدور قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017 لتشجيع الاستثمارات الواردة الجديدة، وتعديل قانون رقم ١٥٩ لسنة ١٩٨١ للسماح بتأسيس شركات الشخص الواحد ولتدعيم حماية المساهمين أصحاب حصص الأقلية.

وإنشاء نظام الشباك الواحد والخدمات الإلكترونية لتأسيس الشركات وتقديم خدمات مخصصة لرواد الأعمال، وتطبيق قانون جديد للإفلاس يلغي تجريم الإفلاس ويبسط الإجراءات الواجب على الشركات أو الأفراد اتخاذها للجوء إلى القضاء كذلك تسهم التخارجات الحكومية، وفق المحلل المصري، في تعزيز مستوى الشفافية والمساءلة في إدارة الشركات، إذ إن وجود مستثمرين جدد يفرض المزيد من الرقابة على الأداء، ويجعل هذه الشركات أكثر عرضة لتبني معايير أعلى من الحوكمة، مما يؤدي إلى تحسين الأداء المالي والتشغيلي. هذا بالإضافة إلى أن دخول القطاع الخاص يفتح المجال أمام تبني تكنولوجيا جديدة وأساليب إدارة مبتكرة، مما يسهم في تحسين الأداء العام للشركات وتطوير منتجات وخدمات تتماشى مع المتطلبات الحديثة للسوق، وفق أستاذ الاستثمار والتمويل. ويبلغ حجم الفجوة التمويلية في مصر حوالي 17 مليار دولار على مدى الأشهر الـ46 المقبلة، سيسهم قرض صندوق النقد الدولي البالغ 3 مليارات دولار على سدها، ما من شأنه أن يحفز تمويلا إضافيا بقيمة 14 مليار دولار من الشركاء الدوليين والإقليميين من خلال طرح حصص في أصول الدولة للبيع. وكانت المحكمة الدستورية العليا في مصر، قررت منتصف الشهر الماضي رفض دعوى عدم دستورية قانون تنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة، الذي يقصر حق الطعن في صحة عقود الدولة بالتصرف في الممتلكات العامة أمام المحاكم على طرفي العقد فقط دون غيرهما.

أن خطة الدولة للتخارج من بعض القطاعات وفق وثيقة سياسة ملكية الدولة، التي وضعتها الحكومة، سوف تتيح الفرصة للقطاع الخاص في لعب دور مهم في تنمية الاقتصاد المصري وزيادة استثمار الأجانب في المشروعات بالعديد من القطاعات الاقتصادية.

قامت الحكومة المصرية منذ عام 2016 بتنفيذ برنامج طموح للإصلاح الاقتصادي تضمن إصلاحات مالية ونقدية تهدف إلى تحقيق معدلات نمو متسارعة ومستدامة، وتحقيق التنمية الشاملة لمصر حيث وضع هذا البرنامج حلولاً جذرية لمشكلات اقتصادية هيكلية كان يعاني منها الاقتصاد المصري لسنوات طويلة. ويأتي تنفيذ محاور هذا البرنامج في إطار رؤية مصر 2030 والتي تعكس الخطة الاستراتيجية طويلة المدى للدولة لتحقيق مبادئ وأهداف التنمية المستدامة في كل المجالات، وتوطينها بأجهزة الدولة المصرية المختلفة.

قامت الحكومة بتنفيذ المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادي خلال الفترة من عام 2016 حتى إبريل 2021 وقد تضمنت هذه المرحلة إجراء إصلاحات مالية ونقدية تهدف إلى تحقيق معدلات نمو متسارعة ومستدامة، وتحقيق التنمية الشاملة لمصر حيث وضع هذا البرنامج حلولاً جذرية لمشكلات اقتصادية هيكلية كان يعاني منها الاقتصاد المصري لفترات طويلة.

أطلقت مصر المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي التي تختص بالإصلاحات الهيكلية في إبريل 2021، وتمتد على مدى ثلاث سنوات بعد أن أكملت المرحلة الأولى التي استهدفت معالجة اختلالات السياسات النقدية والمالية. ويستهدف البرنامج للمرة الأولى القطاع الحقيقي بإصلاحات هيكلية جذرية وهادفة، وسوف تسهم تلك الإصلاحات في زيادة مرونة الاقتصاد المصري، ورفع قدرته على امتصاص الصدمات الخارجية والداخلية، وتحويل مسار الاقتصاد المصري إلى اقتصاد إنتاجي يتمتع بمزايا تنافسية مما يدعم قدرته على تحقيق النمو المتوازن والمستدام.

ساهم برنامج الإصلاح الاقتصادي في تحقيق نتائج إيجابية تمثلت في زيادة معدلات النمو الإقتصادى، وزيادة الإستثمارات المحلية والأجنبية، وزيادة نسب التشغيل، وتراجع معدلات البطالة والتضخم. كما ساهم تنفيذ محاور هذا البرنامج في تعزيز قدرة الإقتصاد المصري علي مواجهة التداعيات السلبية لأزمة إنتشار فيروس كورونا وأزمة الحرب الروسية الأوكرانية، حيث نجحت الإجراءات الإحتوائية التى اتخذتها الحكومة المصرية، وإدارتها الرشيدة لهذه الأزمات، والتنفيذ المتقن للبرنامج الإصلاحي في الحد من الأثار السلبية لها. تمثل الأعوام الستة القادمة في مصر تحديا للحكومة للانتقال بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلى الأفضل للتخفيف من معاناة أفراد المجتمع.

يمكن القول إن المحاور الاستراتيجية الثمانية التي تضمنتها الوثيقة أهداف معتبرة بشكل عام، وإن كانت التفاصيل تضم أمورا تتعارض مع نهضة مصر الاقتصادية، وفقا لمراقبين، مثل استمرار الاعتماد على التمويل عبر مصادر خارجية، سواء كانت هذه المصادر مصرية أو أجنبية، كالاعتماد كثيرًا على تكوين صناديق سواء للاستثمار في البورصة أو في الأصول المملوكة للدولة، فضلًا عن توريق حصة من العوائد الدولارية. تمتلك الحكومة كافة مقومات ترجمة هذه الأهداف على أرض الواقع في ظل تفعيل كافة أجهزة الدولة لتحقيق النجاح.

وتنطلق الوثيقة من عمل مركز تابع للحكومة تتوفر لديه كافة البيانات والمعلومات، وكذلك إحاطة إدارة المركز وباحثيه بالإمكانيات الحقيقية للحكومة، ومدى تحقيق هذه الأهداف خلال الفترة الزمنية المحددة بالسنوات الست القادمة.

يضاف إلى ما سبق وضع هذه الوثيقة موضوع المحاسبة للحكومة من قبل الجهات الرقابية والمجتمع المدني، مما يجعل الحكومة في حالة تحد لتحقيق تلك الأهداف المعلنة من قبلها أمام الشعب، بل أمام الجهات الخارجية التي ترتبط مع الحكومة المصرية بالتزامات مالية.

كما حاولت الوثيقة التركيز على الجوانب النوعية في كثير من المحاور، مثل دور الاستثمار والتصدير في تطوير الناتج المحلي الإجمالي، ودور التنمية الخضراء والهيدروجين الأخضر، وتطوير الجامعات، والصناعة، بالإضافة إلى العناية بالجانب التقني والذكاء الاصطناعي.

 

 

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك