السبت - الموافق 27 يوليو 2024م

العدالة المناخية …بقلم الدكتور عادل عامر

ويعزى ذلك الاهتمام الدولي المتصاعد بظاهرة تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض عن معدلاتها الطبيعية إلى جدية وخطورة الآثار المترتبة عليها، حيث يؤدي هذا الارتفاع في درجة حراراه الأرض إلى تضاؤل المساحات المغطاة بالثلوج وذوبان الجليد الموجود في القطبين، وبالتالي ارتفاع مناسيب مياه البحار، وما يترتب على ذلك من غرق الجزر الموجودة فيها، وكذلك كثير من الشواطئ خاصة المنخفضة منها ومناطق دلتا الأنهار. فضلاً عن ارتفاع درجة حراراه المياه وتهديد حياة الكائنات البحرية التي تسكن البحار والمحيطات. وتتمثل بعض الآثار الضارة لظاهرة تغير المناخ، كذلك، في ما تسفر عنه من تغير الأقاليم المناخية سواء في شكل هطول الأمطار الغزيرة، أو زيادة المساحات المتأثرة بالجفاف أو اشتداد الأعاصير المدارية، أو تصحر العديد من المناطق، وصعوبة الزراعة وانتشار الأمراض والأوبئة، مع إمكانية تغير فصول السنة ذاتها وتبدلها، وأثر ذلك على المحاصيل الزراعية بالذات .

ويمكن القول، أن مفهوم الاقتصاد الأخضر إنما يقوم على دعامتين أساسيتين، أولاهما، هي الغاية من النشاط الاقتصادي، بحيث يكون الاقتصاد أخضراً حينما يصبو إلى الحفاظ على البيئة وضمان استدامتها للأجيال المقبلة، وتتمثل الدعامة الأخرى في آثار النشاط الاقتصادي المعني، بحيث يكون أخضراً إذا كان أقل تلويثاً وأقل استهلاكاً للموارد الطبيعية عموماً، وغير المتجددة منها بصفة خاصة.

ومع ذلك حذر المراقبون من احتمالية ارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدل يتجاوز 1.5 درجة مئوية رغم إقرار هذه الاستراتيجيات والعمل على تنفيذها، مما يعكس وجود فجوة مصداقية بسبب تعارض الأهداف الوطنية والإجراءات المخطط لها حتى عام 2030. ومن جانبها، شعرت الدول الهشة المعرضة للضرر من تغير المناخ جنوب الكرة الأرضية بالقلق بعد انصرافها من قمة جلاسكو وتملَّكها الشعور بأن الدول الغنية لن تلتزم بالميثاق الذي تم اعتماده في نهاية القمة وستتخلى عنها. ومن ثم، تعمل هذه الدول على استغلال قمة COP 27 المقرر عقدها في شرم الشيخ، مصر نوفمبر 2022 لإعطاء زخما كبيراً لقضايا الحاسمة ولدفع الجهود الدولية نحو قضية العدالة المناخية، ومواصلة تقديم التمويل اللازم لمواجهة آثار تغير المناخ عليها، وتنظيم مسألة أسواق الكربون على نحو تُحترم فيه حقوق الغابات ومجتمعات السكان الأصليين.

وتتسق الآليات المشار إليها اتساقاً وثيقاً وما تؤكده أحكام القانون الدولي للبيئة من وجوب حماية الإنسان، فرداً كان أو جماعة، للبيئة وصيانة مواردها. وهو الواجب الذي يجد سنده، على سبيل المثال، في نص المبدأ الثالث من إعلان استكهولم حول البيئة الإنسانية لعام 1972من أن: ” على الإنسان واجب مقدس في حماية وتحسين البيئة للأجيال الحاضرة والمقبلة، وأنه يتحمل كامل المسئولية في سبيل تحقيقه لهذا الواجب “.ومن هنا، ظهرت الأبعاد الأخلاقية والقيمية لقضية تغير المناخ، كما اتضح كذلك، ضرورة وضع قضية حقوق الإنسان في الصدارة عند النقاش حول قضية تغير المناخ وتداعياتها وسبل مواجهتها، وبصفة خاصة في ضوء التطور الحاصل في مجال الاهتمام الدولي بحقوق الإنسان، وظهور ما يعرف الآن بمجموعة الجيل الثالث لحقوق الإنسان، والتي تضم في ما تضم ” حق الإنسان في العيش في بيئة نظيفة “، والحق في التنمية المستدامة، بمعنى حماية البيئة ومواردها وثرواتها، ليس فقط من أجل الأجيال البشرية الحالية، بل أيضاً، من أجل الأجيال القادمة. ولم تطرح قضية حماية البيئة وحماية الإنسان في أي وقت بالكثافة التي تطرح بها الآن. ولعل ذلك يرجع إلى أن علاقة الإنسان ببيئته قد وصلت في الوقت الحالي إلى حد الخطورة نتيجة لزيادة درجات التلوث البيئي بكافة مظاهره .

وفي هذا المقام، تسلط العدالة المناخية الضوء على الآثار غير المتناسبة للتغيرات المناخية على السكان الأكثر ضعفاً وتهميشاً، فضلاً عن قيود الاستجابات السياسية التقليدية لتفاقم عدم الاستقرار المناخي والحاجة الملحة إلى حلول عالمية منهجية شاملة.

كما نصت الاتفاقية على إجراء نوعين من الجرد المخزني، أولاً لكميات الكربون في العالم كل خمس سنوات سيجرى لأول مرة عام 2023، والآخر تجريه الدول كل سنتين وتسجل نتائجه في تقريرها المرفوع لسكرتارية الاتفاقية وتحدد وفقاً له الانبعاثات فيها ومساهماتها الوطنية في خفض مستويات الكربون العالمي وتحقيق أهداف الاتفاقية. فضلاً عن تقديم المعلومات حول المساعدات المالية وجهود التعاون بين الدول المتقدمة والأقل تقدماً للتأقلم مع المشكلة ومواجهتها والتصدي لها. وضرورة اتساق هذه الجهود مع أهداف التنمية المستدامة وحقوق الإنسان وحماية الفئات الضعيفة.

وعلاوة على ما تقدم، ألزمت الاتفاقية الدول الأطراف فيها برفع تقارير دورية تتضمن الجرد المخزني وجهود التكيف والمساعدات التي قدمتها الدولة المعنية أو تلقتها من دولة أخرى، على أن تحفظ جميع هذه التقارير في سجل عام لدى سكرتارية الاتفاقية . وتتضمن مجالات التعاون الدولي هنا أنظمة الإنذار المبكر والاستعداد للطوارئ والتغيرات المزمنة والالتزام بتقديم 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية لدعم جهود التكيف والتأقلم مع آثار التغيرات المناخية حتى عام 2025، مع استمرارية الإنفاق على مقدار التمويل هذا بعد ذلك، وتعويض الخسائر والأضرار للدول الأكثر عرضة لآثار المناخ، ودعم التقدم التكنولوجي ونقل المعرفة للدول النامية ومساعدتها في بناء القدرات والأنظمة، ودعم التعليم البيئي والمشاركة المجتمعية في جهود حماية البيئة، وخضوع هذه الجهود لعمليتي مراجعة دولية كل خمس سنوات. وبصفة عامة، يشير مفهوما العدالة والإنصاف في القانون الدولي إلى العدالة الموضوعية أي عدالة التوزيع والتحرر من التمييز وتجنب حالات عدم المساواة المجحفة بين الأفراد، والتركيز من ثم على الفئات الأكثر حرماناً والأشد ضعفاً عند صياغة السياسات وبحث البدائل والحلول للمشكلات المختلفة. ويلاحظ، التأثير المزدوج لظاهرة تغير المناخ على الفئات المستضعفة الذين يعانون التمييز ضدهم لأسباب أخرى كالسن أو الإعاقة أو الجنس أو الانتماء أو الفقر، ….. كما تتسم تدابير حمايتهم بعدم الكفاءة والضعف وتشوبها بعض الثغرات.

انعدام الأمن الغذائي: تعرض الظواهر المناخية المتطرفة الملايين من الناس لانعدام الأمن الغذائي والمائي الحاد، لا سيما في إفريقيا وآسيا وأمريكا الوسطى والجنوبية والجزر الصغيرة والقطب الشمالي، وهي الأماكن التي لم تساهم إلا قليلاً في تغير المناخ. وفي ظل تنامي ظاهرة نقص الغذاء كنتيجة لتغير المناخ، فإنه من المتوقع أن تظهر العديد من الأمراض الحيوانية والنباتية التي ستساهم بدورها في نقص المحاصيل، وبالتالي ارتفاع معدلات المجاعات وسوء التغذية، فضلاً عن زيادة أسعار السلع والمنتجات الغذائية. وعلاوة على ذلك، ستحدث ظاهرة الاحتباس الحراري وما تفرزه من تقلبات مناخية حادة وجفاف وتصحر تغييرات كبرى في سُبل العيش وبصفة خاصة نمط عيش المزارعين؛ ويمكن أن يؤدي ذلك إلى انهيار مجتمعي، كما يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الفقر وانتشار الإجرام والتوترات المجتمعية والهجرة والنزوح والصراع المسلح.

تهديد الأمن القومي والعالمي: بطبيعة الحال من شأن تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية المصاحب لتغير المناخ، تعريض الأمن القومي والعالمي للخطر، فهذا يعني أن البلدان تشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي، أي أن المجتمعات تُصبح غير مستقرة بسبب التدهور البيئي وانتهاك حقوق الشعوب وهشاشة وضعف الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

وعلاوة على ذلك، فإنه من المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى آثار تشمل صعود الجماعات المتطرفة، والعنف، والصراع بين المواطنين والدول، وهو أمور ترتفع معها احتمالية نشوب صراعات بين الدول التي تتنافس لتأمين الموارد لمواطنيها. ويسلط تقرير “الاتجاهات العالمية 2040” الصادر عن “مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي”، في مارس 2021، الضوء على آثار التغيرات المناخية واحتمالية أنها ستعمل على تفاقم المخاطر على الأمن الإنساني ومن ثم القومي، ولذا ستكون الدول مُجبرة على اتخاذ خيارات صعبة ومقايضات، وربما سيتم توزيع الأعباء بشكل غير متساو، مما يزيد من حدة ومنافسة، ويساهم في زعزعة الاستقرار، ويشجع حركات التمرد والإرهاب على تهديد أمن الدول وبقائها.

أهمية إحداث تغيير في الخطاب الاقتصادي والتحرك الفوري وتبني سياسات مستقبلية داعمة لحماية البيئة والتصدي لتغير المناخ وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية المدمرة على المجتمعات، وبخاصة في الدول النامية، تقوم على قيم العدالة والشفافية والاستدامة البيئية والمساءلة واحترام حقوق الإنسان والمشاركة المجتمعية ونشر الوعي البيئي والاستغلال الأمثل للموارد وصيانتها والمحافظة عليها.

إن أي محاولة للتصدي لمشكلة تغير المناخ والتكيف معها لن تجدي نفعاً ما لم تقترن بمعالجة الأسباب الجذرية للظلم الاجتماعي والدمار البيئي والهيمنة الاقتصادية، ذلك لأن النضال من أجل الحفاظ على البيئة يرتبط، بدرجة أو بأخرى، بالنضال من أجل العدالة الاجتماعية.

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك