للأسف عنوان المقال ليس طرفة أو نكته وإنما هو أمر واقع ، وللأسف بلد العجائب ليست دولة صغيرة أو أحد جزر المحيط الهندى او بحر الكاريبى وإنما بلد العجائب هنا المقصود بها مصر بعظمتها وتاريخها.
هل تعلم عزيزى القارئ أن القانون المنظم لمعامل التحاليل الطبية فى مصر حاليا يسمح لخريج كلية الزراعة أن يفتح معمل تحاليل طبية ويقوم بإجراء التحاليل الطبية للبشر بهدف تشخيص الأمراض؟!
اعلم أن الكثير من قراء المقال الآن يتشككون فى صحة هذه المعلومة ولا ألومهم على هذا الشك لأنها معلومة غريبة تدعو للشك ، ولكن عزيزى القارئ عليك الرجوع إلى القانون رقم 367 لسنة 1954 وقراءة المادة 3 حتى تقطع الشك باليقين.
لك أن تتخيل ماهى العواقب التى تترتب على أن يكون المدير الفنى لمعمل تحاليل طبية خريج كلية الزراعة، وقد حكى لى احد الأشخاص موقف حدث لوالدته المصابة بمرض السكر و التى تعالج بحقن الأنسولين، حيث ذهبت لمعمل تحاليل فتح حديثا فى الشارع الذى تقيم فيه لإجراء تحليل سكر للاطمئنان على مستوى السكر وعلى أن جرعة الانسولين مناسبة وقد اخبرها الشخص الموجود فى المعمل بأنه يجب أن تأتى للمعمل لسحب العينة بدون اخذ الانسولين ،وبالفعل ذهبت له فى اليوم التالى لإجراء التحليل بدون اخذ الانسولين وبالتالي أظهرت نتيجة التحليل ارتفاع شديد فى مستوى السكر، وعلى هذا الأساس قرر طبيب الأمراض الباطنة المتابع لحالتها زيادة جرعة الانسولين مما أدى إلى إصابتها بغيبوبة نقص السكر فى الدم، وكادت ان تفقد المريضة حياتها بسبب جهل هذا الشخص ، وكلمة جهل لا اقصد بها اى إساءة أو اهانة لأنه بالفعل خريج كلية الزراعة جاهل بالطب وجاهل بالأمراض التى تصيب الإنسان وجاهل بالمعلومات الإكلينيكية التى يدرسها الأطباء فى كلية الطب والتى يحتاجها طبيب المعمل وهذا الجهل بهذه الامور لايعيب خريج كلية الزراعة ، وكذلك عندما نصف طبيب بأنه جاهل بالأمراض التى تصيب النبات فهذا ليس فيه اى إساءة او اهانة للطبيب.
ولكن يبقى السؤال ما الذى دفع المشرع إلى هذا عند صياغة القانون سنة 1954؟
بحثت فى هذا الأمر واكتشفت أن السبب هو رغبة ثورة يوليو فى تمصير الكثير من المهن ،وكانت معامل التحاليل الطبية فى هذا الوقت تسيطر عليها جالية أجنبية تسمى الارمن ،وكان لهم الكثير
من المعامل فى مصر مثل معامل انديان ومندوفيان فى القاهرة ومعامل كشيشيان وليفون فى الإسكندرية،وفى هذا الوقت كان عدد الأطباء المصريين قليلا وكان عدد أطباء التحاليل الطبية المصريين قليلا جدا أو شبه منعدم مما دفع المشرع الى الاعتماد على غير الأطباء من خريجى الكليات الأخرى مثل الزراعة والطب البيطرى والصيدلة والعلوم لمجرد أنهم درسوا كيمياء حيوية أو ميكروبيولوجى ! وفى الحقيقة تمصير المهن فى حد ذاته هدف نبيل وعظيم ولكنه تم بطريقة غريبة جدا حيث سمح لأشخاص غير مؤهلين علميا لتشخيص الأمراض بالعمل فى معامل تهدف الى تشخيص الأمراض لمجرد أنهم مصريين! ولكنها السياسة عندما تتدخل فى العلم والطب، وحتى إن كان هدف المشرع هو تمصير المهنة بهذه الطريقة فى ذلك الوقت ولكن الطب فى عام 1954 يختلف تماما عن الطب حاليا وتخصص التحاليل الطبية بالذات حدثت فيه طفرة كبيرة جدا وتقدم علمى هائل وتم استحداث تخصصات فرعية دقيقة داخل تخصص التحاليل الطبية مما يدفعنا الى إصدار قانون جديد ينظم هذا الأمر طبقا لقوانين الدول المتقدمة وذلك حرصا على صحة المصريين.
وما قامت به نقابة الأطباء فى الفترة الأخيرة من إعداد مشروع قانون جديد لتنظيم معامل التحاليل الطبية التشخيصية هو خطوة جيدة جدا على الطريق الصحيح تأخرت كثيرا، وفى الحقيقة مشروع القانون الجديد لم يهدف فقط إلى مراجعة المؤهلات العلمية للعاملين بالمعمل بل تجاوز إلى ما هو ابعد من ذلك حيث احتوى على فصل كامل لمعايير مراقبة الجودة فى المعمل حتى نضمن دقة النتائج ،وعلم مراقبة الجودة لم يكن موجودا بهذه الصورة وهذه الأهمية عام 1954 عندما صدر القانون الحالى، وكذلك احتوى مشروع القانون الجديد على ضوابط لمكافحة العدوى والتخلص من نفايات المعامل بطرق علمية سليمة حتى لا تكون مصدرا لانتشار الأمراض المعدية فى المجتمع، وأيضا تم تغليظ العقوبات على المعامل المخالفة فى مشروع القانون الجديد حيث أن العقوبات هزيلة جدا فى القانون الحالى فعلى سبيل المثال عقوبة مزاولة مهنة التحاليل الطبية بدون ترخيص أو فتح معمل بدون ترخيص أو خالف ضوابط مكافحة العدوى هى غرامة مالية لا تزيد عن 200 جنيه.
وفى نهاية مقالى أريد أن أوجه نداء إلى أعضاء مجلس النواب القادم و وزارة الصحة و أقول لهم اتقوا الله , فانتم مسئولون عن صحة المصريين وعليكم سرعة إجراء إصلاح تشريعى فى القانون المنظم لمعامل التحاليل الطبية فى مصر , و أوجه نداء آخر إلى المريض المصرى و أقول له عليك أن تتأكد من شخصية من يعمل فى معمل التحاليل هل هو مهندس زراعى أم طبيب بيطرى
أم كيميائى أم صيدلى أم طبيب بشرى ؟ لا تتعجبوا فهذا ليس على سبيل المزاح ولكنه أمر واقع موجود فى القانون منذ عام 1954 حتى الآن ، لا تتعجبوا نحن فى بلد العجائب.
التعليقات