الجمعة - الموافق 26 يوليو 2024م

دور الإعلام وتأثيره في حماية الأمن القومي …الدكتور عادل عامر

إن من حقّ أي دولة حماية نفسها من خطر سلاح تدفق المعلومات المغلوطة والافتراءات الباطلة التي لها انعكاسات خطيرة على مستقبل الدولة؛ لأن من حقّ الدولة أن تحمي نفسها من شبكات الإعلام والاتصال الداخلية والخارجية التي لا تحترم القوانين أو تمثّل خطراً على أمنها الوطني

إن الأمن القومي لم يعُد قاصراً على البُعد العسكري التقليدي، ولكنه اتسع ليضُم عدة أبعاد أخُرى، مثل التي تتعامل مع تهديدات مختلفة عن الحرب بمفهومها المُتعارف عليه. ولكنها لا تقل أهمية عن العدوان العسكري المباشر؛ بل ربما تفوقه أهمية، باعتبارها تهديدات غير مباشرة يُمكنها أن تؤدي إلى الخلل في بنية المجتمع والدولة معاً: مثل الاستخدام السيئ أو الغير مسئول لوسائل الإعلام،

وأيضاً الاختراق الإعلامي، والحرب الإلكترونية.. الفكرة الجوهرية أن الحكومة وأجهزتها الإعلامية يفترض أن يكون هدفها هو قيام وسائل الإعلام المصرية برسالتها ودورها فى نشر الأخبار والتأثير فى المجتمع المصرى، ولو أننا اتبعنا سياسة المنع والحظر والتضييق فإننا نقدم لكل أعداء مصر ساحتنا الإعلامية على طبق من ذهب. خصوصا أن بعض القنوات المعادية والممولة من الخارج تحاول أن تفعل ذلك كل لحظة، فهل نعطيها الفرصة لذلك؟!

الإعلام يهدف دائما إلى أكبر مساحة من الحرية. هذا هو دوره. ومفهوم الأمن القومى القديم يتمنى لو أنه لم يتم نشر أى شىء. فكيف نحل هذا التناقض إذا كان هناك تناقض بالفعل؟!

الأمر ببساطة أن نمارس الحرية المسئولة فى إطار القانون وأن نضمن أن الإعلاميين والصحفيين يتمتعون بأكبر قدر من التأهيل والتدريب والمهنية.

ومن ثم يجب القول بأن مفهوم الأمن القومي، يُعد مفهوماً جماعياً؛ أي أن جميع جهات الدولة المعنية، يُحتَم عليها الحفاظ على الأمن القومي في ظل انفتاح الحدود والفضاءات وعدم سيطرة الدولة على سلطة حركة الفكر والثقافة.

لقد أدرك العالم الخارجي القوة الكامنة في الإعلام الذي أصبح من أهم الوسائل التي ارتكزت عليها المخططات الاستراتيجية الأجنبية، والتبرير لظاهرة العولمة، أو الأمركة، والنظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى مُحاولات نشر مفهوم المُواطنة الإنسانية، من خلال تلك الوسائل الإعلامية التي أثبتت قُدرتها على إذابة الحواجز بين الثقافات، والأديان، والحضارات،

وما إلى ذلك… لم يكن العالم العربي بعقوله وسياسيّيه بعيداً عن الأمن القومي كعلم ولا كسياسة، فكثير من الكتّاب أسهموا في تكريس مبادئ وتعريفات وشروط وتحديات للأمن القومي العربي، وانتهوا إلى تعريف «بأنّه قُدرة الأمّة العربية على حفظِ إنجازاتها وأسسها ومبادئها من الأخطار والتهديدات التي تواجهها، سواء أكان تهديداً يخصُ قُطراً عربيّاً مُعيّناً أم يخصّ الأمّة العربيّة كلها».ومن أطرف التعليقات على هذا التعريف هو «أن هذا التعريف وكأنه إقرار بفشل إنزال المصطلح على أرض الواقع»، فلم تنجح الأمة العربية في حفظ إنجازاتها ولا الدفاع عما يهددها. لذلك أرى، بل أنحاز بالكلية إلى تفكيك «الأمن القومي العربي»، باعتباره حزمة من الإجراءات التي تتحرك في مجالات متعددة، تفكيكه إلى أمن قومي عربي تبعاً للمجال المراد أو المتاح العمل فيه بشكل جماعي، ومنه المجال الإعلام العربي، لا لأنه محل إجماع عربي، بل لأن هناك عامل المؤسساتية التي تتجاوز الدولة الواحدة، فهناك قنوات ومؤسسات إعلامية عربية كبيرة ومستقلة تمويلياً وتشريعياً. ويمتد الأمن الوطني ليغطي «قدرة الأمة على السيطرة على المواقف الخارجية والداخلية التي قد تعرض الدولة للخطر».

ووفقًا لذلك فإن مكونات الأمن الوطني أصبحت تتضمن حماية أرواح وكرامة وممتلكات المواطنين، وحماية الموارد والثروات، وحماية الثقافة والقيم والآداب العامة، وحماية الإقليم وسيادة الدولة ومؤسساتها، إضافة إلى تحقيق العدالة والظروف المعيشية العادلة لجميع مواطني الدولة.

ورغم عدم وجود إجماع بين الإعلاميين والأمنيين حول التأثير الفعلي للإعلام ووسائله ورسائله على الأمن الوطني، فإن تغير مفهوم الأمن الوطني وتعدد التهديدات الأمنية التي تواجهها الدول والمجتمعات، وتغير البيئة الإعلامية ودخول وسائل جديدة، قد لا تستطيع الدول التحكم في مضامينها، يجعل من هذه الوسائل سلاحًا متعدد الحدود، وليست سلاحًا ذا حدين فقط. فالدور الذي يمكن أن تقوم به وسائل الإعلام تجاه الأمن الوطني قد يكون سلبيًا تمامًا عندما تستخدم في دعم الإرهاب ونشر الفكر المتطرف، ويمكن أن يكون إيجابيًا ومفيدًا في مواجهة تحديات الأمن الوطني عندما تسهم في خلق الوعي الشعبي بهذه التحديات، وتوفر لصانع القرار الأمني المعلومات التي تعينه على اتخاذ القرار الصائب في المواقف المختلفة، وعندما تعمل كرقيب حر على مؤسسات المجتمع تكشف أخطاءها وتدفعها إلى مراجعة وتصحيح خططها وسياساتها.

نعلم أن لدينا مخاوف تتعلق بالتأثيرات السلبية لحرية الرأي والتعبير والصحافة على الأمن الوطني، وهي مخاوف قديمة ومتوارثة من فترات سابقة، كانت وما زالت أحد أهم أسباب فرض قيود على وسائل الإعلام سواء التقليدية أو الجديدة في العديد من دول العالم، وحان الوقت في هذا العصر الرقمي لمراجعتها.

لا شك أن هذه المراجعة تتطلب مراجعة شاملة وعاجلة لرؤية المجتمع للإعلام ومكانته بين مؤسساته، ودوره والفلسفة التي تحدد وظائفه، والإطار التنظيمي والأخلاقي الذي يحكم عمله، وذلك حتى يكون سلاحًا فاعلًا ذا حد واحد، يعزز الأمن الوطني ولا يهدده.

مبرري هنا هو أن النجاح في الجزء وارد طالما تأكد الفشل في الكل، «أنت غير قادر على تحقيق أمن قومي في جميع المجالات، لكن قد تكون قادراً على تحقيق أمن قومي في مجال بعينه».

الإعلام ركيزة أساسية من ركائز الأمن القومى للدولة، ويؤدى دورًا محوريًا فى دعم الثقافة، والهوية الوطنية للشعب، كما أن وسائل الاتصال، والإعلام أداة من أدوات القوة الناعمة التى تتمتع بها الدولة، وتوظفها فى حماية أمنها القومى، وللدولة المصرية خبرات جليلة فى ذلك الشأن، وفى إطار جهود مصر للدفاع عن أمنها السيبرانى، طرح المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إستراتيجية “نحو إعلام تنموى مسئول” فى مارس 2021، تتضمن عدة محاور، من أهمها :

( 1 ) العمل على تحقيق أهداف رؤية مصر 2030 التنموية المستدامة.

( 2 ) تقديم إعلام بناء يهدف إلى تحقيق أهداف الدولة، وحث المواطن على المشاركة فى أعباء التنمية، مع الشفافية فى وصف، وتفسير التحديات التى تواجه الدولة.

( 3 ) إعداد برامج، وسياسات تستهدف رفع درجة الوعى المصرى، لدعم جهود الدولة المصرية بمجابهة التحديات، والحروب المختلفة، ومنها الفضاء الإلكترونى.

( 4 ) مواجهة الشائعات، والأخبار الكاذبة، وتوعية المواطنين، وفق سياسات إعلامية عديدة.

تجدر الإشارة إلى أهمية إعلاء القيم بالمجتمع، ومنع الإرهاب، والجرائم التقنية من الانتشار، واستصدار قوانين جديدة حول الجرائم الإلكترونية، مثل القانون المصرى رقم “175” لعام 2018 (قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات)، والعمل على إنشاء جهات قضائية تختص بذلك الجانب، على أن يكون للإعلام أيضًا دور فعال فى دعم هذه الجهود باستمرار، عبر التوعية، ونشر الوعىالرقمى، حتى يتكون رأى عام واعٍ، ومثقف، ولحماية خصوصيات الأفراد، وبياناتهم دون الوقوع كضحايا للجرائم الإلكترونية، والاستغلال.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إنه يقع على عاتق الإعلام دور محورى، ومسئولية كبرى؛ لتوعية المواطنين بأهمية الأمن السيبرانى، ومخاطر الاختراق الإلكترونى، وتثقيف الشعب، وتوعيته، عبر أدوات، ووسائل عديدة تؤهله لحماية الأجهزة التكنولوجية الخاصة به، بدءًا من تأمين الهاتف الشخصى ضد محاولات الاختراق، واتباع إجراءات الأمان فى أثناء تصفح المواقع الإلكترونية، التى يمكنها استغلال بياناته الشخصية بطريقة، أو أخرى.

وختامًا، يتضح أن التطور المتصاعد، الذى مرت به وسائل تكنولوجيا المعلومات، بات يشكل تهديدًا، وأضرارًا بالأمن القومى، وسيادة الدول، وبالتالى باتت الرقمنة سلاحًا ذا حدين، فهى تحقق التطور التكنولوجي المرغوب فيه، لكنه يعزز إمكان توجيه هجمات عبر الفضاء الإلكترونى ضارة، من جهة، وأخرى، وتتبنى الدول اليوم أساليب المواجهة غير المباشرة عبر الفضاء الإلكترونى فى أغلب صراعات العصر الحالى، ويؤكد كل ذلك الضرورة القصوى لدعم الأمن الإلكترونى للدولة بأعلى درجات الكفاءة.

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك