حتى تعرفوا ان الجواهرة الثمينة اتبهدلت فى تراب هذا الزمن .. سأروى لكم من هو الاستاذ سيد أبو زيد محامى نقابة الصحفيين والذى قام أحد أعضاء نقابة الصحفيين بإهانته بإعتباره مستخدم عنده
عرفت زميلى سيد ابوزيد من حوالى 40 عام حيث تزاملنا فى الحركة الوطنية الاشتراكية فى جامعة القاهرة وكنت فى كليه الاثار وكان سيد فى كلية الجقوق ، وبعد فصلى من جامعة القاهرة وانتقالى لجامعة عين شمس ظل سيد صديقى المقرب لى نظراً لإنتمائنا لجماعة سياسية واحدة ولأنى كنت ارى فيه المصرى الأصيل الذى حول كل معاناته وفقره الى طاقة ايجابيه للنضال من أجل الشعب المصرى .. نعم فقره ، كان سيد ينتمى الى عائلة صعيدية شديدة الفقر ، وكان يعيش بجنيهات قليلة يوفرها له اخوته الذين نزحوا للقاهرة بحثاً عن رزق بعد أن ضاق بهم الحال فى قريتهم .. كنت اعشق اسرة سيد واخواته وجهادهم من أجل لقمة العيش وكيفية استقبالهم للحياة القاسية بإبتسامة وسعادة تعطى الأمل لكل من يعرفهم ، وكنت انتهز الفرصة لزيارته فى بيت اخته الكبيره فى العمرانية كى اجلس وسط هذه الاسرة والعب مع ابناء اخته الذين يتمتعون بأدب يفوق أدب أبناء سادة المدن ، وزوج اخته العامل البسيط فى أحد الافران والذى كان يضحك كلما تقابل معنا ويرحب بنا ترحيب حاتمى لا تراه فى قصور الأثرياء ، كان سيد يلبس هدمه واحدة لا يغيرها طول العام ويقتات بلقيمات ، واقسم بالله لم اسمع منه أى شكوى ولم يبد أى تذمر من واقعه ، بل على العكس لم تفارق الابتسامه وجه ، سيد كان ومازال يتمتع بقوة وصبر فى فى مواجهة القسوة والالم ، ولم ينشغل سيد بهمومه ابداً قدر انشغاله بهموم الاخرين ، وكأنه مصنع يحول الفقر الذى يهاجمه الى عطاء يوزعه على الآخرين ..
وأذكر عندما صدر امر بالقبض على مجموعة يسارية كنت أنا وسيد ضمنها ، استطعنا الهرب ، واصطحبنا أحد الزملاء الى مكان نختبئ فيه ، وكان مكان فى عمق منطقة ريفية لا أعرفها فى بيت ريف يصعب العيش فيه ، ولأنى ابن المدينة المرفهة فقد ضقت بالمكان حنى اننى فكرت فى تسليم نفسى ، بينما كان زميلى سيد ينعم بالمكان وكأنه فندق 7 نجوم ، وكنت يومياً أسأله ” هو انت مبسوط كده ليه يا سيد؟! ” ، فيضحك ويقول لى ” نعمة يابو حميد ، هو ده النضال عشان نجيب حق الغلابه ، ولاعايز تناضل وانت قاعد على حمام السباحة ” ، فأضحك واخجل من نفسى وتعود لى الصلابة ، وانتهت القضية وتم تسوية الامر ، وبعدها بعدة أشهر ، تم القبض على سيد وتم ترحيله لسجن طره ، وهناك ولأنه ليس له عزوة ولا اسرة تمتلك القدرة على متابعته تم عزله ومعاملته بقسوة ، وعندما اضرب على الطعام احتجاجا على سؤ المعاملة ارسل لى خطاب عبر أحد المحامين يقول لى ” لا تقلق على انا اضرب على الطعام ن أجل تحسن الأحوال فى السجن ، لأن مساجين كتير متبهدلين هنا ” ، كعادته نسى معاناته الشخصية وحولها لطاقة بخدم بها الاخرين .
ولما تم الافراج عنه قررت الاحتفال به انا وبعض الاصدقاء وجمعنا تكلفة سهرة وسألته يومها ” تحب تسهر فين يابو السيد ” ، فأجابنى بتلقائية شديدة ” أى محل فول وطعمية ونقعد على قهوة نحبس ” ، فضحكنا كلنا وقلت له ” ده آخرك يعنى ” .. واكمل سيد تعليمه بنقود قليلة جدا كان يدفعها اخوته الفقراء ، وكان احيانا يعمل فى أحد الكازينوهات ، حتى حصل على الليسانس ، وعمل فى مكتب الأستاذ الجليل احمد نبيل الهلالى ، وكان العمل فى مكتب الهلالى اقرب للنضال منه للعمل ، ولا يدر ربحا ، ولكن سيد كان لا يهتم بالنقود فقد وجد سعادته فى العطاء المتمثل فى الدفاع عن العمال المفصولين بسبب مواقفهم السياسية .
واتذكر ايضا تم اعتقالنا ذات مرة ضمن مجموعة وجهت اليها تهمة انشاء تنظيم لقلب نظام الحكم واقتيدت المجموعة لسجن مرج فيما عدا 8 اشخاص تم اقتيادهم لسجن القلعة التابع اللداخلية وكان معرف بأنه السلخانة ، وكنت أنا وسيد ضمن ال8 ، وهناك وفى ظل الحبس الانفرادى تحت الأرض لم يتوقف عطاء سيد ، والذى كان يتعلق بالشباك طوال اليوم وحولت زنزانته الى مكتب محاماه يقدم نصائحة القانونية للمحبوسين سياسيا على مختلف اتجاهاتهم رغم ما كان يحيط بهذا السلوك من مخاطر قد تؤدى الى جلده .
سيد كان من الممكن ان يدفعه فقره للبحث عن المال والذى كان الحصول عليه فى فترة شديد السهولة مع هجوم العمل الاهلى والجمعيات غير الحكومية ، ولكنه ظل على مبدأه ينشد مساعدة الاخرين اكثر من استهدافه رغد الحياه ، وتزوج وانجب واصبح له اسرة صغيرة لها متطلبات ، وما أكثرها ، ولكنه ظل ثابت لا يتزعزع ، وتم التعاقد معه للعمل بنقابة الصحفيين ومارس العمل بحب ، لأنه اعتبره جزء من عقيدته المدافعة عن حرية التعبير ، وما لاتعرفونه ياسادة ان سيد يتقاضى من نقابة الصحفيين راتبا لا يتساوى مع راتب وكيل محامى ، ولم يعترض سيد وظل سنوات يجرى وراء الصحفيين فى قضايا النشر والرأى متحملاً سخافات البعض وما أدراكم بسخافات بعض الصخفيين .. وفى النهاية يجتمع أعضاء مجلس نقابة الصحفيين ليهدروا هذه القامة العالية لمجرد انه رفض ان يهينه سكرتير عام النقابة والذى كان دائما ما يتحدث معه وهو حاطط رجل على رجل ، وهذه المره سبه فرد عليه سيد قائلاً ” انت ناسى انك كنت مرمى على البلاط وقت ما اتفصلت وانا دافعت عنك ” ، الغريب أن مجلس النقابة ينتهج نهج صمت الموافقة على هذه الاهانة ويدبر خطة لعدم تجديد عقد سيد بعد هذا العمر وهو العقد الذى سينتهى فى شهر 12 .. والسؤال .. من فى مجلس نقابة الصحفيين فى قامة هذا الرجل أو نصف قامته أو حنى جزء منها .. الاجابة لكم .
التعليقات