ونكمل الجزء التاسع مع نبى الله نوح عليه السلام، وقد توقفنا مع فيضان نبى الله نوح عليه السلام وما ذكر عنه، وأنه من المحتمل جدا أن يكون قصة الطوفان قد نشأت من إحدى هذه الفيضانات وتركت أثارا واضحة في كتابات وأساطير ومعتقدات هذه المنطقة في الشرق الأوسط، ويعتبر ملحمة جلجامش السومرية التي تم اكتشاف ألواحها الطينية من قبل البعض هو أول نص من الناحية التأريخية يذكر فيها قصة الطوفان في حين أن كثيرا من العلماء يعتقدون أن القصة تمت اضافتها إلى اللوح الحادي عشر من شخص استخدم قصة الطوفان الموجودة في ملحمة اتراحسيس، وفي الأسطورة يحاول الملك جلجامش الوصول إلى سر الخلود عن طريق الإنسان الوحيد الذي وصل إلى تحقيق الخلود وكان اسمه أوتنابشتم أو أتراحاسيس والذي يعتبره البعض مشابها جدا أن لم يكن مطابقا لشخصية نبى الله نوح عليه السلام في الأديان اليهودية والمسيحية والإسلام وعندما يجد جلجامش أوتنابشتم يبدأ الأخير بسرد قصة الطوفان العظيم الذي حدث بأمر الآلهة، وقصة الطوفان هنا شبيهة جدا بقصة طوفان نبى الله نوح عليه السلام.
وقد نجى من الطوفان أوتنابشتم وزوجته فقط وقررت الآلهة منحهم الخلود، وأما عن طوفان نوح فهي تسمية تطلق على قصة طوفان عظيم حصل بسبب طغيان البشر على الأرض، ورغم اختلاف القصة في مختلف الديانات والمعتقدات إلا أن جميعها تتفق على حصوله ونجاة الناجين على سفينة أبحرت فوقه، أما من وجهة نظر المؤرخين فقد حصل طوفان قبل حوالي خمسة ألاف قبل الميلاد في منطقة وادي الرافدين الذي يعتقد أنه طوفان نبى الله نوح عليه السلام، وكان يعتقد الناس حتى أواخر القرن الماضي أن التوراة هي أقدم مصدر لقصة الطوفان، ولكن الاكتشافات الحديثة أثبتت أن ذلك مجرد وهم، حيث عثر في عام ألف وثمانى مائة وثلاثة وخمسين ميلادى على نسخة من رواية الطوفان البابلية، وفي الفترة حتى ألف وتسعمائة ميلادى قد اكتشفت أول بعثة أثرية أمريكية قامت بالتنقيب في العراق اللوح الطيني الذي يحتوي على القصة السومرية للطوفان في مدينة نيبور وهى نفر، ثم تبعه آخرون، ويبدو من طابع الكتابة التي كتبت بها القصة السومرية أنها ترجع إلى ما يقرب من عهد الملك البابلي الشهير حمورابي.
وعلى أنه من المؤكد أنها كانت قبل ذلك، وملخص القصة حسب الرواية السومرية تتحدث عن ملك يسمى زيوسودا كان يوصف بالتقوى ويخاف من الله، وينكب على خدمته في تواضع وخشوع وقد أخبر بالقرار الذي أعده مجمع الآلهة بإرسال الطوفان الذي صاحبه العواصف والأمطار التي استمرت سبعة أيام وسبع ليال يكتسح هذا الفيضان الأرض، حيث يوصف زيوسودا بأنه الشخص الذي حافظ على الجنس البشري من خلال بناء السفينة، وكان حسب التوراة فإن من أبناء نبى الله نوح عليه السلام، هم الأربعة الذين انبثقت البشرية بعد الطوفان وكان أبناء نبى الله نوح عليه السلام، هو سام أكبر الأبناء وكان عمره ثمانى وتسعين عاما عند حدوث الطوفان وعاش خمسمائة سنة أخرى بعد الطوفان وكان له خمسة أبناء وهم عيلام وآشور وآرام وأرباجشاد ولود ويعتقد أن الأشوريين والعبريين والعرب والآراميين قد انبثقوا من سلالة سام، وحام وهو ثاني أبناء نوح ويعتقد أنه والد الشعوب الأفريقية ومنهم المصريون القدماء والأمازيغ، ويعتقد بعض اليهود استنادا إلى التوراة أن حام قد شاهد والده عاريا ذات يوم وقام بإخبار أخويه بذلك.
وعندما علم نبى الله نوح عليه السلام، بهذا فإنه طلب من الخالق أن لا يبارك سلالة حام، ويعتقد بعض المحللين أن هذه قصة اختلقت فيما بعد عند اجتياح بني إسرائيل لأراضي الكنعانيين الذين كانوا يستوطنون منطقة فلسطين الحالية لكي يبدو الأمر وكأنه تحقيق لنبوءة، ومن أبنائه هو يافث وهو ثالث أبناء نبى الله نوح عليه السلام، ويعتقد أنه من سلالته انبثقت شعوب أوروبا وكان ليافث حسب التوراة سبعة أبناء وهم جومر وماجوج وتيراس وجافان وميشيخ وتوبال وماداي، ويعتقد أن الفرس واليونانيين والميديين والأكراد والأيرلنديين والهنغاريين والسلوفاكيين والطليان والألمان قد انبثقوا من هذه السلالة، وكان كنعان رابع أبناء نبى الله نوح عليه السلام، ومات غرقا في الطوفان لكفره ولم تكن له أي ذرية، وحسب التوراة فإن الخالق قرر أن يمسح بني البشر من الوجود باستثناء الصالحين بسبب كثرة المعاصي والذنوب التي كانت ترتكب فنزلت الأمطار لمدة أربعون يوما وليلة وغطت المياه الأرض لمدة مائة وخمسون يوما واستقرت السفينة على الجودي، وهناك كتابات يهودية لا تعتبر جزء من الكتاب المقدس.
وإنما كروايات تم حذفها وفي هذه الكتابات تصوير إلى أن نبى الله نوح عليه السلام، كان شديد البياض عند الولادة بحيث امتلأت الغرفة بالضياء عند ولادته وأنه بعد ولادته بلحظات بدأ بالصلاة والدعاء للخالق الأعظم وإن بناء السفينة استغرق مائة وعشرون سنة، وقد أجمع المسلمون أن الطوفان عم جميع البلاد، فقال ابن كثير في كتابه البداية والنهاية، أنه أجمع أهل الأديان الناقلون عن رسل الرحمن مع ما تواتر عند الناس في سائر الأزمان على وقوع الطوفان وأنه عم جميع البلاد ولم يبق الله أحدا من كفرة العباد استجابة لدعوة نبيه المؤيد المعصوم وتنفيذا لما سبق في القدر المحتوم، وإن الروايات في الإسلام على قولين، وهم قوم قالوا أن كل الناس اليوم من ذرية نبى الله نوح عليه السلام، فعن قتادة غى قول الحق سبحانه وتعالى ” وجعلنا ذريته هم الباقين” قال فالناس كلهم من ذرية نبى الله نوح عليه السلام، وعن ابن عباس يقول ” لم يبق إلا ذرية نوح” ومع هذا فالروايات التي تصنف الناس إلى ساميين وحاميين ويافثيين لم تصل درجة الصحة، وقال قوم كان لغير ولد نبى الله نوح عليه السلام، أيضا نسل وذرية.
وهذا بدليل قول الله عز وجل ” ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا ” وقوله تعالى ” قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ” فعلى هذا معنى الآية ” وجعلنا ذريته هم الباقين” دون ذرية من كفر أنا أغرقنا أولئك، ومعنى الآية ” وممن حملنا مع نوح ” قال القرطبي أنه يريد الخليل إبراهيم عليه السلام وحده أي أن الخليل إبراهيم عليه السلام من ذرية من حمل مع نبى الله نوح عليه السلام لا من ذرية نبى الله نوح عليه السلام وإن وجد سام فإن إبراهيم ليس من ذريته، وهناك تيار يؤمن بالتفسير الحرفي وليس الرمزي لكل ما ورد في الكتب المقدسة وهذا التيار على قناعة إنه بالفعل كانت هناك سفينة ذات صفات مطابقة لما ورد في الكتب السماوية حسب العهد القديم فإن نبى الله نوح عليه السلام بنى السفينة من شجر الجوفر، ولايعرف لحد هذا اليوم ماهو بالضبط هذا النوع من الأشجار إذ ورد ذكرها فقط في سفر التكوين وهناك الكثير من الفرضيات حول ماهية خشب الجوفر ويرجح البعض انها شجر الأرز وبالنسبة لمقاييس السفينة حسب العهد القديم.
فإنها كانت ثلاثمائة ذراعا وهذا القياس يجعل السفينة مقاربا إلى ربعامائة وخمسون قدما وهي أكبر من أكبر سفينة موثقة تأريخيا في العصور القديمة وكان حجمها ربعمائة قدما وبنيت في الصين في القرن الخامس عشر بأمر من القائد العسكري زنغ هيي، وأيضا استنادا إلى نفس التيار المؤمن بالتفسير الحرفي لسفينة نوح فإن حجم السفينة كان أربعين ألف متر مكعب أي مقاربا إلى حجم سفينة تيتانيك المشهورة، ويتسائل التيار المقتنع برمزية القصة عما إذا كان بإمكان هذه السفينة ان تتسع لجنسين من كل أنواع الحيوانات وعما إذا كان بمقدور الأشخاص الثمانية على السفينة العناية بهذا العدد الهائل من الحيوانات لمدة أكثر من مائتين وعشرين يوما، ومن ناحية الجغرافيين المسلمين فقد ذكر الرحالة والجغرافي العربي ياقوت الحموي في كتابه المعروف معجم البلدان بأن مسجدا قد بني على مكان استواء السفينة وشاركه في الرأي ابن بطوطة، وكان التيار المقتنع بحرفية ما ورد في الكتب السماوية عن سفينة نوح مولعا من القدم بالبحث عن السفينة وهذا الولع كان واضحا لدى بعض البروتستانت المسيحيين منذ أواخر القرن التاسع عشر.
التعليقات