السبت - الموافق 12 أكتوبر 2024م

ضوابط المنع من السفر وحق المواطن في التنقل ..بقلم الدكتور عادل عامر

حظيت حرية السفر والتنقل بالعديد من الضمانات في الشرائع السماوية والنظم القانونية الوضعية، لما لتلك الحرية من أهمية بالغة لعموم البشر، إلا أن حرية السفر شأنها شأن العديد من الحريات لا تتأبى على التنظيم الذي من شأنه كفالة تمتع عموم أفراد المجتمع بحرياتهم دون إضرار بالآخرين؛ لذلك جاء المنع من السفر كأحد القيود الواردة على حرية الإنسان في التنقل. ويعد المنع من السفر في الجرائم الجنائية الصورة الأبرز لهذا الإجراء؛ لضرورة التحقيق أو صيانة أمن المجتمع، ولخصوصية المنع من السفر ومساسه المباشر بحرية الإنسان، تضمنت العديد من النظم القانونية المقارنة تنظيما مفصالاً بما لا يسمح معه بالعصف بحرية الإنسان في السفر، إلا أن لهذا الإجراء، المشرع المصري لم يصدر قانون ينظم هذا الإجراء رغم خطورته وبالمخالفة للدستور، ومؤخرا تدارك هذا الخلل جزئيًا بإدراجه تنظيم المنع من السفر في بعض القوانين الجنائية المهمة، كقانون الكسب غير المشروع المعدل، وقانون مكافحة الإرهاب، وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، بما يضفي شرعية على قرار المنع من السفر حال اتخاذه في أحد تلك الجرائم.

في كثير من الأحيان يفاجأ الشخص عند مغادرة البلاد أو سفره للخارج، بقرار إدراج بالمنع من السفر، وعندها يأخذ بالتشكيك في الأمر أو القرار، وتكون الإجابة حينها أن القرار مدون بـ”السيستم”، ثم يخبرك المسؤول بالمطار بعدم السماح بالمغادرة، وتضطر إلى العودة، ثم يبدأ الشخص في البحث عن أسباب القرار بعد أن اضطربت خطة السفر والمواعيد والمقابلات وربما المؤتمرات والمصالح، وهناك تساؤلات متعددة تثار في تلك اللحظة عن قواعد الإدراج على قوائم ترقب الوصول أو المنع من السفر.

هذا وقد سبق للمحكمة الإدارية العليا، التصدي لمثل تلك الإشكالية في الطعن المقيد برقم 34971 لسنة 74 قضائية، والذى جاء في حيثياته: لا يجوز للجهات الأمنية إصدار قرار بالمنع من السفر، ويجب أن يصدر بموجب أمر قضائي مُسبب ولمُدة مُحددة، وفي الأحوال المُبيّنة في القانون، ومن غير الجائز قانونًا صدور الأمر بالمنع من السفر عن غـير جهـات التحقيق القضائية، وإلا كان القـرار الصادر بـذلك هو والعـدم سواء، ويكون الطعن على قرار المنع من السفر من غير الجهات التي نص عليها القانون من اختصاص مجلس الدولة، أما قرارات المنع من السفر الصادرة من جهات التحقيق أو النائب العام يختص بها القضاء العادي.

المادة “155” حددت من يملك سلطة إصدار قرار بالمنع من السفر أو وضع اسم على قوائم ترقب الوصول، فنصت على أنه للنائب العام أو من يفوضه من تلقاء نفسه أو بناء على طلب ذوى الشأن، ولقاضي التحقيق المختص، وكذلك الجرائم التي يصدر فيها المنع من السفر هي الجناية والجنحة المعاقب عليها بسنة حبس بشرط وجود أدلة كافية على جدية الاتهام، ولأمر تستلزمه ضرورات التحقيقات، وضمان تنفيذ ما عسى أن يقضى به من عقوبات لمدة أو لمدد محددة لا تجاوز في مجموعها عن ذات السبب سنتين وللمحكوم عليهم المطلوب التنفيذ عليهم أو المحكوم عليهم ممن تطلب الجهات القضائية نقلهم أو تسليمهم أو محاكمتهم.

فيما أعطت المادة “156” للممنوع من السفر أو المدرج على قوائم ترقب الوصول الحق في أن يتظلم من الأمر بمنع من السفر أو وضعه على قوائم الترقب أمام المحكمة الجنائية المختصة المنعقدة في غرفة المشورة خلال 15 يوما من تاريخ علمه به، ولا يجوز إعادة التظلم قبل مضى 3 شهور من رفض التظلم السابق، وعلى المحكمة أن تفصل في التظلم خلال 15 يوما، ومنحت المادة 157 للنائب العام الحق في أن يعطى لأى شخص ممنوع من السفر بناء على ظروف صحية يقدرها تصريحا بالسفر إلى دولة إذا قدم الممنوع من السفر ضمانات كفيلة بعودته للبلاد عند انتهاء مدة التصريح.

1- تمثل حرية التنقل شرطا لا بد منه لتنمية الإنسان الحرة. وهي تتفاعل مع عدة حقوق أخرى واردة في العهد كما يتضح من تجربة اللجنة في فحص تقارير الدول الأطراف وبلاغات الأفراد في كثير من الأحيان. وقد أشارت اللجنة أيضا في تعليقها العام رقم 15 (“وضع الأجانب بموجب العهد”، 1986) إلى الصلة الخاصة بين المادتين 12 و131

2- والقيود المسموح بفرضها على الحقوق المحمية بموجب المادة 12 يجب ألاَّ تبطل مبدأ حرية التنقل، وهي قيود يحكمها شرط الضرورة المنصوص عليه في المادة 12، الفقرة 3، والحاجة إلى الاتساق مع الحقوق الأخرى المعترف بها في العهد.

3- وينبغي أن تقدم الدول الأطراف في تقاريرها إلى اللجنة معلومات عن القواعد القانونية والممارسات الإدارية والقضائية المحلية المتصلة بالحقوق المحمية بموجب المادة 12، آخذة في الحسبان المسائل المطروقة في هذا التعليق العام. ويجب أن تتضمن التقارير أيضاً معلومات عن وسائل الانتصاف المتاحة في حالة تقييد هذه الحقوق.

تكفل المادة 62 من الدستور حرية التنقل وتنص على أن “لا ي منع [المواطن] من مغادرة إقليم الدولة… إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وفي الأحوال المبينة في القانون”. تنص المادة 54 على أن لأي شخص “تقيد حريته… حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء”. ليس في مصر قوانين تنظم تحديدا منع السفر، لكن العديد من قرارات وزير الداخلية – بعضها قُضي بعدم دستوريتها – تعطي سلطات مُطلقة لأجهزة الأمن بمنع سفر المواطنين.

ومن هنا فإن هناك حاجة مجتمعية لتنظيم قانونى لأمر المنع من السفر، لا يخل بالقيمة الحقوقية أو الدستورية للحق في التنقل والسفر، ويتناوله وينظمه بما يتوافق مع قيمة ذلك الحق، ولا يجعل أمر تنظيمه في يد السلطة التنفيذية بشكل غير محدد،

وأن تكون نصوصه واضحة محددة الصياغة، غير فضفاضة، وعصية على التأويل والالتباس، كما أنه لا يجب أن يكون مطلقا أبدا، وعلى أقصى تقدير أرى أنه يجب أن يكون محددا في مداه الزمنى، وأعلم جيدا أنه كان هناك مشروع لتعديل قانون الإجراءات الجنائية يرجع لعام 2015 لتنظيم أمور المنع من السفر، وقد كان هذا المشروع يجعل لكل من يصدر ضده أمر من المنع الحق في التظلم منه كل ثلاثة أشهر، وذلك وقت أن كان هناك وزارة للعدالة الانتقالية، وهى التي كانت وراء هذا المشروع الذى لم يتم.

ومن ثم وجب أن تنال المؤسسة التشريعية دورها في تنظيم احتياجات المجتمع التي تنوب عنه، وتدلى بدلوها في تنظيم أمر الحق في التنقل والسفر بصورة تليق وتتفق مع كل ما صار عليه أمر الدول الأخرى حيال تنظيمها للحقوق والحريات.

ويكفى للهيئة التشريعية استرشادا ما قررته المحكمة الإدارية العليا حينما قالت إنه «في غياب القانون الذى ينظم القواعد الموضوعية والشكلية لإصدار قرارات المنع من السفر، وفى ضوء حكم الدستورية العليا، لا تستنهض النيابة العامة هذه الولاية في خصوص المنع من السفر ولا تقوم لها قائمة، ويكون ما تصدره النيابة العامة في هذا الشأن مجرد إجراء فاقد لسنده الدستوري والقانوني يخضع لرقابة القضاء الإداري».

وهديا على ما تقدم تكون الدساتير المصرية المتعاقبة جاءت نصوصها في مجملها حاميه للحريات الشخصية و الحق في التنقل ومتسقة مع التزامات مصر الدولية في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فيما أحال الدستور الحالي الأمر “للقانون” لبيان الأحوال التي يجوز فيها تقييد هذا الحق المكفول دستوريا، مشترطًا صدور أمر المنع من جهات قضائية ولمدة محددة، الأمر الذي معه يكون القرار الطعين مخالفًا للدستور من حيث جهة إصداره و ما تضمنه من قواعد .

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك