مع نسيم الأيام الرمضانية المباركة التى نعيشها فى شهر رمضان المبارك وما يصاحبها من عبادات ومناسك غائبة عنا طوال العام، ورغبة وطمعاً منى فى المزيد من الحسنات التى تتنزل فى هذه الليالى العطرة قررت أن تكون مقالتى الأخيرة لشهر رمضان
مخصصة لأهلى وناسى من أبناء محافظتى الغالية -محافظة الدقهلية- مبتعداً فيها عما تعودت عليه من تناول لقضايا قانونية أو سياسية، عساها أن تكون جزءاً من عبادات ذلك الشهر الفضيل.
ولمن لا يعلم فتلك المحافظة هى قلب الدلتا النابض، يقطنها أكثر من خمسة ملايين نسمة من أبناء مصر المخلصين، وهى إحدى أهم محافظات مصر الزراعية بالإضافة إلى إمكانياتها الغنية بالثروة السمكية وإنتاج غزير من اللحوم، علاوة على ما تمتلكه المحافظة من مراكز طبية عالمية يفخر بها كل مصرى، فعلى أرضها أقيم مركز الكلى والمسالك البولية الذى أسسه ورعاه العالم الجليل الدكتور محمد غنيم، وكذا مركز الكبد المصرى الذى يعد مفخرة للمراكز الطبية المتخصصة والذى أقامه الدكتور جمال شيحة مقدماً خدمة طبية هائلة، بالإضافة إلى مركز جراحة العيون والجهاز الهضمى ومعهد الأورام ومستشفى الأطفال والعديد من المراكز الطبية العالمية التى جعلت من مدينة المنصورة مدينة للطب يفخر بها كل مصرى ويعتز بها كل وطنى.
وقد أثبت شعب الدقهلية دائماً أنه على قدر المسئولية وفى طليعة القوى الوطنية، ضارباً المثل والقدوة فى المواقف الصعبة بغير مزايدة أو متاجرة، ولذا فقد خرج من بين هؤلاء رموز عظام أثروا المجتمع وتركوا موروثاً ثقافياً وعلمياً وأدبياً ورياضياً يحفظه التاريخ لهم ولمحافظتهم التى نشأوا وتربوا فيها.
ورغم ذلك فإن ذلك الإقليم ورغم ما قدمه من تضحيات يعانى أهله من مشاكل كثيرة وإهمال كبير لا يتفق ولا يتناسب مع طموحات وأحلام أبناء ذلك الإقليم.
لقد استبشر الجميع خيراً باختيار أحد أبناء الدقهلية المخلصين رئيساً لوزراء مصر، فلا يخفى على أحد أن المهندس إبراهيم محلب هو أحد أبناء مدينة الجمالية بالدقهلية، وأوقن أنه على دراية كاملة بما يعانيه هذا الإقليم من مشكلات تراكمت على مدار عشرات السنين، وزادت واستفحلت نتيجة إهمال متعمد وتكاسل موروث.
ولأن هذه المحافظة لم تشهد نمواً أو تطوراً إلا فى ظل اثنين من محافظيها العظام هما المرحومان سعد الشربينى وفخر الدين خالد اللذان أحدثا طفرة هائلة فى مدينة المنصورة ومراكز تلك المحافظة، فقد تناولت فى هذا المكان وتحديداً فى شهر يناير 2015 إبان الإعداد لحركة المحافظين طرح رؤية تناولتها صحيفة «الوطن» فى حينه بمقالتى المعنونة «لو هتشيلوا ألضو وتجيبوا شاهين.. مش عايزين».
وبعد أن طالعها سيادة رئيس الوزراء تحدث معى سيادته هاتفياً مؤكداً أنه لن يأتى لا بألضو ولا شاهين وأنه سيختار محافظاً لهذا الإقليم يضاهى «ميسى» لاعب فريق برشلونة الشهير، وبالفعل خرجت حركة المحافظين وعُين السيد «حسام الدين إمام» محافظاً للدقهلية، واستبشر الجميع به خيراً، حاول الرجل جاهداً، لكن المشكلات كبيرة والعوائق كثيرة والآهات لدى الآلاف لا تنتهى، فالغالبية العظمى من قرى المحافظة تعانى من مشاكل الصرف الصحى والمياه والطرق، البنية التحتية متهالكة، المشروعات العديد منها متوقف منذ سنوات والبعض منها يسير ببطء، مشاكل الإسكان يئن منها المواطن، هناك أكثر من 45 قرية تحت خط الفقر وحياة قاطنيها «تصعب على الكافر»، على حد وصف السيد المحافظ. لم يتم اعتماد الحيز العمرانى لأكثر من 370 قرية، ما تفاقمت معه مشكلة العشوائيات بصورة مخيفة، قرية ميت فارس التى تربط الدقهلية بمحافظتى الشرقية ودمياط تختنق بالسيارات وتعانى مشكلة مرورية مستديمة تقف فيها السيارات لأكثر من 5 ساعات حتى يتسنى لقائد المركبة المرور بسيارته، لقى أحد المصابين ربه داخل سيارة الإسعاف التى وقفت به مصاباً أكثر من ثلاث ساعات غير قادرة على العبور بسبب أزمة المرور الطاحنة.
المحافظ مكبل بالقيود، يحاول جاهداً دون جدوى، قام سيادته بإلغاء كافة التفويضات التى سبق أن أصدرها المحافظون السابقون لرؤساء المدن والأحياء ولمديرى المديريات خشية من أن يستغلها بعضهم فى غير مبتغاها سواء بسوء قصد أو بجهل، ركز كل الصلاحيات فى يده دون غيره، استغل البعض منهم ذلك الأمر وتوقفوا عن العمل بحجة أن المحافظ سحب التفويضات التى تمكنهم من إجابة طلب المواطن، تعمدوا أن يُصدّروا هذا الأمر للمواطن، يطلبون من المواطنين اللجوء للمحافظ مباشرة بحجة أنهم لا حول ولا قوة لهم فى هذا الأمر.
دولاب العمل يوشك على التوقف نتيجة تقاعس رؤساء المدن والأحياء ووكلاء الوزارة عن العمل، المبلغ المخصص للاستثمار فى الموازنة العامة للدولة لا يشبع ولا يسمن من جوع، عين المحافظ بصيرة ويده قصيرة، يقف مكتوف الأيدى أمام ثقل المسئولية.
الناس فى بلدى يثقون فى قيادتهم، ويعولون على الرئيس وعلى رئيس الوزراء -ابن بلدهم- الناس فى بلدى يوقنون أن الرئيس عبدالفتاح السيسى سينتقل بهم ومعهم إلى ما يحلمون به ويطمعون فيه.
أعلم أن محافظ الإقليم يبذل جهداً خرافياً لإقالة الدقهلية من عثرتها، لكن حجم المحافظة كبير، فالمسافة من ميت غمر حتى المطرية تزيد على 150 كيلومتراً، تضم أكثر من ثلاثة وعشرين مركزاً ومدينة وأكثر من ألف قرية وتابع ونجع يقطنها أكثر من خمسة ملايين مواطن، ورغم ذلك فالمخصص للاستثمار فيها داخل الموازنة العامة للدولة مبلغ ضئيل جداً لا يكفى لإتمام مشروع واحد من مشروعات المحافظة المتوقفة عن العمل، لذا فإننا نتعشم أن يتفضل رئيس الوزراء ويخصص مبلغاً إضافياً وليكن من حصيلة صندوق تحيا مصر ليساعد تلك المحافظة ويعطى الأمل لمواطنيها بأن المقبل بإذن الله أفضل.
سيادة رئيس الوزراء.. نوقن أنك مشغول بهموم مصر كلها من أسوان للإسكندرية لكن لأهلك عليك حق فلا تخذلهم، أوقن أنك تعلم أكثر مما نعلمه نحن وتقف على حجم ما تعانيه الدقهلية ومدنها والقرى التابعة لها من آلام وما تطمح إليه من آمال، أوقن بأنك بار بأهلك فكن معهم وشاركهم مشاكلهم ومد لهم يد العون لأن الله سبحانه وتعالى فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه.
وللحديث بقية ما دام فى العمر بقية
التعليقات