سيطر على مساحات هائلة من الإعلام المصري، بثًا مسموعًا ومرئيًا، فضلاً عن إحكام قبضته على رقعة هائلة من الصحافة الورقية، بدأ رحلته الصحفية من مجلة (روز اليوسف)، ولم تكن
مغامراته الأيديولوجية – آنذاك – قد بدأت أو اتضحت بصورة جلية، لكن وثيقة التعارف بينه وبين الجمهور ترسخت مع تجربة صحيفة (الدستور) التي تم تنحيته عنها، على نحو درامي لافت للأنظار, وكأننا أمام مشهد مسرحي يجري إعداده بتعمد مكشوف لتصدير فكرة الولد الشقي الذي يشاغب الحكام دون أن يأبه لأحد! وهي صورة تهاوت تمامًا بعد شهادة إبراهيم عيسى الكارثية التي برأت مبارك، رجلاً وعهدًا ونهجًا! وددت منذ أشهر أن أعلق على ضفيرة الكوارث أو الجرائم الصحفية التي تمثلها صحيفة (المقال)، أحدث مسوخ (إبراهيم عيسى) وآخر طبخاته الصحفية المسمومة، بخطابها التحريضي المتطرف ونهجها غير المهني، الذي يجعلها – بالمعايير المهنية الخالصة – نموذجًا متكاملاً للصحافة الصفراء، ولا تتورع صحيفته المتهوسة عن شق أحشاء الوطن، ودس بذرة الطائفية الرديئة، والنيل من مكونات الهوية بتهجم غوغائي غير مسبوق ودون أي أسس فكرية رصينة أو مفهومة أو مجدية لمصر! لكنني وجدت أن صحيفة (المقال) بخطابها الطائفي التحريضي المتطرف ليست الإفراز الوحيد المتقيح لتجربة (إبراهيم عيسى)، فحصصه الإعلامية على الفضائيات قد تكون بذات النهج التحريضي الخطير، شكلت أشد خطورة في الاتجاه نفسه، وهو اتجاه تجاوز الحالة المكارثية في تقديري، بمئات الفراسخ والأميال ليصبح خطابًا فاشيًا صريحًا، إلى حد أن يخرج (عيسى) مؤخرًا في حصة إعلامية، بنهجه الاستفزازي وطريقته المتهجمة المتغطرسة الموغلة في الروح النازي، ليطالب بتصفية (أيديولوجية) لطلاب كلية الهندسة التي سيطر عليها (الإسلاميون) – بتعبيره! – لاستبعاد كل من تشتم منه رائحة ميول دينية، وهو، كما يبدو لكم، خطاب استعدائي وشائي صريح للدولة الأمنية بأن تقوم بفلترة كلية الهندسة لصبغها بالروح العلماني الأتاتوركي واستبعاد حملة الكتب الصفراء – حسب تعبيره. وتنطلق هذه الوشاية الأمنية الصريحة من وجه يحرص أن يلبس أمامنا القناع الليبرالي طول الوقت! تأكدت بمراجعة تاريخ الرجل، أن هنالك أكثر من لعبة جرت على الوعي المصري، لتصديره للرأي العام، بإطار الولد الشقي الذي لا يأبه لحاكم ولا يلتفت لقوة سلطة، فيما بدا لنا بوضوح – بعد ذلك – أننا كنا بإزاء لعبة بارعة أتقنها (عيسى) ونظام (مبارك) بـ(دويتو) متفاهم، لترسيخ صورة مصطنعة لمعارضة ديكورية محسوبة تصدر لشريحة من الرأي العام في الداخل والخارج، أن هنالك معارضة جادة يسمح بها نظام ديمقراطي عريق، ولا يتعين أن ننسى أن هذه اللعبة المرتبة التي شارك فيها (عيسى) ببراعة تمثيلية متقنة، قد أطالت أمد نظام مبارك عقدين وأخرت سقوطه، وتعرت الأقنعة حين أدلى عيسى بشهادته في قضية مبارك، فتحدى الوقائع والمنطق والعقل بطريقة تجاوزت كل الحدود وأفصح الرجل عن مظهره الفاشي دون رتوش! برع عيسى في لعبة إثارة الضوضاء الإعلامية الصاخبة حول ذاته وتجربته الإعلامية، ونجح من خلال اللوبي الإعلامي الهائل الذي صنعه في أن يصل برواية تافهة ضحلة ألفها اسمها (مولانا) إلى قائمة البوكر العربية لأفضل الروايات، فيما قرأنا الرواية فرأيناها مجرد إسهال كتابي شديد الضحالة، وهو ما عبرت عنه في حينه في مقال لي نشر – آنذاك – بمجلة (الهلال)! وبالطريقة ذاتها حصل عيسى على جائزة (جبران توني) عام 2008 وهي الجائزة التي يمنحها الاتحاد العالمي للصحف، (وجبران توني هو الذي تم اغتياله بسيارة مفخخة)، وكان ذلك إثر اللعبة المصطنعة التي صدر بموجبها حكم بسجن إبراهيم عيسى بتهمة نشر أنباء كاذبة عن صحة مبارك. ليظهر بعدها مبارك في ثياب الزاهدين وكأنه قطب صوفي علوي، حيث أصدر عفوًا رئاسيًا عن عيسى في السادس من أكتوبر عام 2008، واكتملت أركان اللعبة فظهر مبارك بصورة الزعيم المتسامح وعيسى بصورة الولد الشقي وربح النظام بضربة مزدوجة وابتلعنا الطعم! كانت كل السياقات المصطنعة تصنع إبراهيم عيسى تصنيعًا وتمنحه أوزانًا نسبية هائلة ليست له في حقيقة الأمر، وبذا صار مدرسة صحفية ووجهًا إعلاميًا وروائيًا راسخًا وداعية إسلاميًا يقدم البرامج الدينية، في فترتي مبارك ومرسي! والآن حان الوقت، ليقوم عيسى بمهمته الثانية في عملية الخلخلة العقدية والمذهبية المستهدفة منذ البداية، وهو ما يظهر في صحيفة (المقال) ويظهر في الوقت نفسه في وصلات الخطاب التحريضي البشعة التي يقدمها على الفضائيات لساعات تطول دون توقف! تتساءل صحيفة المقال في أحد الموضوعات: “.. هل سبق ودعا أحدنا الله وقت المطر ثم تحقق له ما طلبه”؟! ما المغزى من السؤال؟!، وتتحدث في مساحة صحفية أخرى عن (عمر) – رضي الله عنه – وقد طرد نصارى نجران من الجزيرة العربية بصورة نازية، إنه عمر الذي أشاد به عيسى (عن القرارات ذاتها!) يوم كان يقدم على إحدى الفضائيات برنامجًا بعنوان (الرائعان) (ويقصد بهما أبا بكر وعمر!) وتغيرت السياقات فتبدل خطاب عيسى مع اتجاهات الريح! وتعاود صحيفة المقال لعبة المزايدات فتتحدث في أثناء الانتخابات البرلمانية الأخيرة عن تخوفها مما تسميه (برلمان قندهار)، بينما السياق الانتخابي كله صار أعجوبة أثارت تندر الصحف العالمية بكل أطيافها، وبينما التيارات الإسلامية تتعرض لأشق محنها الدموية على الإطلاق! ومؤخرا في عدد (المقال) (بتاريخ15 نوفمبر الجاري)، تتحدث الصحيفة عن (الإرهاب الإسلامي الذي أطفأ مدينة الأنوار باريس)! في مزايدة مبكرة فجة، وتؤكد الصحيفة أن مصر وسوريا بشار (في خندق واحد!..)، ما دخل بشار الأسد في الأمر؟! وينبري عيسى ليكتب افتتاحية نارية بعنوان: (لا حل إلا أن تغلق السعودية حديقة الديناصورات!)، وهو مقال كفيل بتخريب العلاقات مع السعودية لمائة عام قادمة!! ويتحدث عيسى في مقاله اللوذعي عن أن ضحايا باريس (الذين لم يكشف المحققون حقيقة قاتليهم كاملة حتى الآن!) – بتعبيره -: (…. ليسوا وهابيين أغبياء يعتقدون أن الله ملكهم وحدهم، وأنهم المؤمنون وحدهم، وأن دينهم هو الدين المتفوق..!!..) هل الذي يقول إن الإسلام دين متفوق هم الوهابيون فقط؟؟!! ويؤكد عيسى في مقاله أن المتدينين يبثون (سموم الكراهية ضد الآخر المسيحي أو الشيعي أو العلماني أو المدني ..) (وهو ما يعني حصر التطرف في تخصيص حصري بالحالة السنية وحدها !!) ويمضي عيسى إلى تحريض مباشر بعمل عسكري ضد السعودية حيث يقول: “..أي حل غير تلجيم الوهابية وإعادتها إلى الدرعية مرة أخرى لن يجدي! وسؤالي بعد مراجعة طويلة لتجربة إبراهيم عيسى: أي شىء يجيده فعليًا هذا الرجل؟! في التأريخ والدعوة تبدو ثقافة الرجل شيئًا قشريًا ضحلاً يبعث على الشفقة، وفي الصحافة قدم الرجل تجربة مثيرة للسخرية في أسوأ نموذج للصحافة الصفراء في مصر على نحو ذكرنا بالتجربة الكاريكاتيرية للأمريكي (جوردون بينيت)، فكان عيسى (عن حق) هو بينيت المصري! وفي السياسة قدم الرجل فكرًا متقيحًا متحالفًا مع الأنظمة الشمولية على طول الخط في لعبة تحالفات مفضوحة! ونعاود السؤال: أي شيء أجاده هذا الرجل عبر سنوات سوى التحريض الفج؟! وهل همس الرجل بكلمة واحدة عن الحريات طوال العامين الماضيين؟! كان من قدري أن أول حلقة سجلت من برنامج (بلدنا بالمصري) كانت معي، وكان المذيع هو إبراهيم عيسى الذي انزعج على نحو غير طبيعي حين بدأت حواري معه بالبسملة! والسؤال: من صنع إبراهيم عيسى؟ وماذا يريد هذا الرجل لمصر؟! ولكم الإجابة!
التعليقات