الخميس - الموافق 05 ديسمبر 2024م

فلسفة نزع الملكية للمنفعة العامة ..بقلم الدكتور عادل عامر

يعد نزع الملكية للمنفعة العامة تقليديًا أحد امتيازات السلطة العامة ، بل هو أقوى مظاهر تلك السلطة ، وبمقتضاه تلزم الدولة أحد الأشخاص بالتنازل عن ملكيته العقارية بهدف تحقيق منفعة عامة .

ذلك أن الملكية الفردية لم تعد – كما كانت في الماضي – حقًا مقدسًا ولا حقًا مطلقًا بل صارت تقوم بوظيفة اجتماعية ، ومن هنا ساغ تقييد حق المالك على ملكه للمصلحة العامة أو حتى للمصلحة الخاصة ، وساغ حرمان المالك من ملكه كلية عن طريق نزع الملكية للمنفعة العامة بهدف التخطيط

فالعديد من المواطنين يشتكون من قضايا نزع الملكية، ألن الدولة لم تقم بتعويضهم عن أمالكهم أو لتأخير عملية التعويض لسنوات طويلة تضر بمصالحهم أو ألن مبلغ التعويض أقل من ثمن البيع المعمول به، وغيرها من الأسباب.

إن نزع الملكية يجب أن يتم لضرورة المصلحة العامة ألقصوى وأن يتم التعويض طبقا للأسعار المعمول بها، في نفس تاريخ القيام بهذه العملية مع تبسيط مساطر الحصول عليه والا ينبغي أن يتم تغيير وضعية الأرض التي تم نزعها، وتحويلها لأغراض تجارية أو تفويتها من أجل المضاربات العقارية.

كما أن المواطن يشتكي بكثرة، من طول و تعقيد المساطر القضائية، ومن عدم تنفيذ الأحكام، وخاصة في مواجهة الإدارة. فمن غير المفهوم أن تسلب الإدارة للمواطن حقوقه وهي التي يجب أن تصونها وتدافع عنها، وكيف لمسؤول أن يعرقل حصوله عليها وقد صدر بشأنها حكم قضائي نهائي

تحصل الدولة على أموالها بطرق عدة منها ما هو متماثل مع أساليب القانون الخاص فتنزل منزلة الأفراد فتتفق معهم على التنازل عن ملكهم بالتراضي بالبيع أو الهبات أو الوصية كما قد تلجئ إلى أسلوب لاستملاك أو نزع الملكية للمنفعة ألعامه.

ونزع الملكية للمنفعة العامة إجراء إداري يقصد به حرمان مالك عقار معين من ملكه جبراً لتخصيصه للمنفعة العامة لقاء تعويض عادل. وقد نصت جميع الدساتير على حماية الملكية الخاصة ومن ثم فان نزع الملكية للمنفعة العامة يأتي استثناء على قاعدة احترام الملكية الفردية – ويجد هذا الاستثناء مبرره في ضرورة تحقيق المصلحة العامة التي لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الأفراد عن أملاكهم الخاصة ، ولو ترك الأمر لهم فانهم يفضلون غالباً تغليب مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة ويرفضون التنازل عن أملاكهم طوعاً. لذلك نجد أن الدساتير والقوانين في مختلف الدول قد اعترفت بحق الإدارة بنزع الملكية الخاصة لتحقيق المنفعة العامة.

إجراء نزع الملكية يقتصر على العقارات المملوكة للأفراد وعلى هذا الأساس لا يشمل هذا الإجراء المنقولات عموماً مهما بلغت قيمتها ، وكذلك ينصرف نزع الملكية إلى حق الملكية ذاته فلا يشمل الحقوق العينية الأخرى الأصلية أو التبعية فلا يرد على حق الانتفاع أو الارتفاق .وفي جانب آخر يجب أن تكون العقارات التي يوجه إليها قرار نزع الملكية عقارات مملوكة للأفراد ، أما العقارات المملوكة للأشخاص المعنوية العامة فهي من الأموال العامة التي تستطيع الإدارة تغيير وجه تخصيصها دون اللجوء إلى إجراء نزع الملكية.

بما أن الدساتير تقرر نزع الملكية الخاصة للأفراد حصراً لتحقيق المنفعة العام ، وهو ما تضمنته اغلب التشريعات الخاصة بنزع الملكية. إلا أن هذه التشريعات منحت الإدارة سلطة واسعة في تقرير توافر المنفعة العامة من عدمه وخطورة هذا الوضع واحتمال تعسف الإدارة في هذا المجال يجعل من الضروري بسط القضاء رقابته على مدى احترام الإدارة لشرط إجراء نزع الملكية لمقتضيات المنفعة العامة ، فإذا انحرفت عن هذا الغرض لتحقيق مآرب أخرى فان قرارها يكون مشوباً بعيب الانحراف بالسلطة ويكون جديراً بالإلغاء .

الأصل أن الإجراء الصادر بنزع الملكية هو القرار الإداري الصادر من السلطة المختصة عموماً بإجراءات نزع الملكية ، ويعد هذا القرار بمثابة عمل إداري مركب تمارسه لإدارة بما تملك من امتيازات السلطة العامة. إلا أنه يجوز أن يصدر تشريعاً خاصاً يقرر نزع الملكية للمنفعة العامة كما هو الشأن عند إجراء عمليات التأميم. يكون نزع الملكية لصالح شخص من أشخاص القانون العام . الأصل أن يكون نزع الملكية لصالح شخص من أشخاص القانون العام إلا أنه يجوز استثناء أن يتم نزع الملكية لصالح أحد الملتزمين بإدارة مرفق عام لتحقيق منفعة .

يعد قانون نزع الملكية للمنفعة العامة أحد أهم أدوات الحكومة فى تخطيط المشاريع العمرانية وتنفيذها. فيتيح لها استثناء شراء الأراضى والعقارات التى تتعارض مع تنفيذ مشاريع لها نفع على قطاع واسع من السكان، بشكل إجبارى من مُلاكها بعد دفع تعويض عادل. هذا القانون ليس وليد المشرّع المصرى، وإنما تم استيراده من الدول الأوروبية مع تطور نظم الملكية الخاصة فى أواخر القرن التاسع عشر، وهو قانون خلق قدرا ليس بالقليل من الجدل فى العديد من الدول، من بينها مصر.

الإصلاح التشريعى

نص دستورنا الجديد والذى تم نشره سنة 2014 على الحفاظ على الملكية الخاصة كغيره من الدساتير السالفة له. كما نص أيضًا أن فى حالات استثنائية يمكن للحكومة أن تنزع الملكية الخاصة من أصحابها مقابل تعويض عادل، وهو نص متكرر. ولكن اختلف عن دستورى 1971 و2012 فى تحديد تسديد التعويض مقدمًا، أى قبل إتمام عملية نزع الملكية وإخلاء الملاك للعقارات. دفع هذا التغيير مجلس النواب إلى إعادة مناقشة القانون ليتوافق مع الدستور، خاصة أن قانون نزع الملكية ييسر الطريق أمام الحكومة لتنفيذ «المشروعات القومية الكبرى ومنها شبكة طرق حديثة، ومشروعات المياه والصرف الصحى لخدمة المناطق المحرومة، ومشاريع الإسكان الاجتماعى التى تهدف إلى القضاء على العشوائيات» حسب تقرير اللجنة المشتركة بالمجلس. استفاد هذا الإصلاح أيضًا من برنامج الدعم الفنى من البنك الدولى لتحسين ترتيب مصر فى مؤشر ممارسة أنشطة الأعمال، وتحديدا فى فئة «حيازة الأراضى».

وبالفعل تم تعديل القانون فى أبريل 2018، لينص على تسديد التعويض مقدمًا بالإضافة إلى عدد من الإصلاحات التى وقعت فى صف المُلاك. فمن بينها اشتراط تعليق نسخة من قرار نزع الملكية على العقار المراد نزع ملكيته، ففى نسخ القانون القديمة، اكتفى الإعلان عن نزع الملكية بالوحدات المحلية وبخطاب موصى بعلم الوصول. كما اشتبكت التعديلات مع مشاكل تدنى تقييم عقارات وعدم تقييم بعض الأضرار الأخرى الناجمة عن عمليات نزع الملكية، ولكن لا تغطيها التعويضات، عن طريق دفع 20٪ إضافية فوق قيمة العقار المحتسبة كتعويض معنوى. كذلك تم إلغاء شرط خصم أى رسوم مستحقة على العقار خاصة مقابل التحسين، والتى كانت تعقد أمور صرف التعويضات.

صاحبت هذه التعديلات حزمة أخرى فى شهر سبتمبر 2020 انحصرت على المواد التنفيذية بالقانون. كان أهمها للمُلاك شرطًا يُلزِم سلطات نزع الملكية بإيداع القيمة المبدئية للتعويض فى حساب مصرفى حكومي يدر فائدة. ففى حالة دفع التعويض فى الوقت المناسب، تحتفظ السلطة بالفائدة المتراكمة. بينما فى حالة تأخر الدفع، يتم دفع الفائدة المستحقة للملاك المنزوعة ملكيتهم كتعويض على التأخر. كما تم تعديل صلاحية قرار النزع وزيادة مدته من سنتين إلى ثلاث سنوات، مما يمنح السلطات مزيدًا من الوقت للاستفادة من القرار.

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك