ونكمل الجزء سبعة وعشرون عشر مع داهية العرب، وقد توقفنا عندما عيّن الخليفه عثمان بن عفان، عبد الله بن سعد بن أبي السرح على خراج مصر، مع بقاء عمرو على الجيش والإدارة في مصر، فاختلف عمرو بن العاص وعبد الله بن سعد، فكتب عبد الله بن سعد إلى عثمان يقول له ” إن عمرو كسر الخراج ” وكتب عمرو إلى عثمان يقول له ” إن عبد الله كسر على حيلة الحرب ” فكتب عثمان إلى عمرو بن العاص أن ينصرف، وجعل عبد الله بن سعد واليا لمصر، واختلف المؤرخون في سنة عزل عمرو بن العاص، فقيل في سنة أربعه وعشرين للهجرة، في بداية خلافة عثمان، وقيل سنة ستة وعشرون أو سبعة وعشرون، وقد عاد عمرو بن العاص إلى المدينة المنورة، وقيل بل اعتزل بفلسطين في قصره المسمى العجلان.
ولما قُتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان في الثامن عشر من شهر ذي الحجة سنة خمسة وثلاثين للهجرة، خرج عمرو بن العاص من المدينة متوجها نحو الشام وقال ” والله يا أهل المدينة ما يقيم بها أحد فيدركه قتل هذا الرجل إلا ضربه الله عز وجل بذل من لم يستطع نصره فليهرب، فسار وسار معه ابناه عبد الله ومحمد وخرج بعده حسان بن ثابت، ووصل إلى دمشق وبايع عمرو بن العاص معاوية بن أبي سفيان سنة سته وثلاثين للهجرة، وامتنع معاوية بن أبى سفيان وأهل الشام عن بيعة الإمام علي بن أبي طالب، وقالوا لا نبايع حتى يقتص من قتلة الخليفة عثمان بن عفان، وبعد موقعة الجمل بعث الإمام علي بن أبي طالب، جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية بن أبى سفيان يدعوه للبيعة، فاستشار معاوية عمرو بن العاص ورؤوس أهل الشام.
فأبوا البيعة حتى يقتص من قتلة عثمان بن عفان، فاستعد الإمام علي بن أبى طالب، لغزو الشام، وأخذ يستنفر الجند، وجهز جيشا وعسكر بالنخيلة بالقرب من الكوفة، وعندما علم معاوية بن أبى سفيان بتحرك جيش العراق نحو الشام، جمع مستشاريه من أعيان أهل الشام، فبايعوا معاوية على الطلب بدم عثمان والقتال، وقد قام عمرو بن العاص بتجهيز الجيش، وعقد الألوية، وقام في الجيش خطيبا يحرضهم، فقال ” إن أهل العراق قد فرقوا جمعهم وأوهنوا شوكتهم، وفلوا حدهم، ثم إن أهل البصرة مخالفون لعلي قد وترهم وقتلهم، وقد تفانت صناديدهم وصناديد أهل الكوفة يوم الجمل، وإنما سار في شرذمة قليلة ومنهم من قد قتل خليفتكم، فالله الله في حقكم أن تضيعوه وفي دمكم أن تبطلوه” وساروا إلى صفين، وكان عمرو بن العاص على خيول أهل الشام كلها.
واستمر القتال شهرا في صفين، وما إن دخل شهر المحرم، حتى بادر الفريقان إلى الموادعة والهدنة طمعا في الصلح، وقد عادت الحرب على ما كانت عليه، واشتد القتال بين الطرفين، وتقدم جيش معاوية في البداية، ولما رأى عمار بن ياسر تقهقر جيش علي وأصحابه، وتقدم خصومه، وأخذ يستحثهم، حتى قُتل، وتوجه النصر لأهل العراق على أهل الشام، وقال معاوية بن أبى سفيان ” لئن نحن التقينا غدا لتميلن الروم على ذرارينا ونسائنا، ولتميلن أهل فارس على أهل العراق وذراريهم، وإنما يبصر هذا ذوو الأحلام والنهى” ثم قال لأصحابه اربطوا المصاحف على أطراف القنا، وقيل أن عمرو بن العاص هو من اقترح ربط المصاحف على أطراف القنا، في إشارة لتحكيم القرآن بين الطرفين، وتقبل الإمام علي بن أبي طالب وقف القتال في صفين، ووافق على التحكيم، ورجع إلى الكوفة، وعلق على التحكيم آمالا في إزالة الخلاف.
وقال ” أنا أولى بذلك ” وقد اتفق الفريقان على التحكيم، فوكل معاوية بن أبى سفيان، عمرو بن العاص حكما من عنده، ووكل الإمام علي بن أبى طالب، أبا موسى الأشعري حكما من عنده، وكان مقر اجتماع الحكمين في دومة الجندل في شهر رمضان فى السنة السابعه والثلاثين للهجرة، وقد جاء في قصة التحكيم أقاويل كثيره ومعظمها ضعيفه ولا سند لها، وكانت هناك مكاتبة تقول ” هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، قاضى علي، على أهل الكوفة ومن معهم من شيعتهم من المؤمنين والمسلمين، وقاضى معاوية على أهل الشام ومن كان معهم من المؤمنين والمسلمين” وكانت بنود التقاضى بينهم هى إنا ننزل عند حكم الله عز وجل وكتابه، ولا يجمع بيننا غيره، وإن كتاب الله عز وجل بيننا من فاتحته إلى خاتمته.
التعليقات