ونكمل الجزء ثمانية وعشرون عشر مع داهية العرب، وقد توقفنا عند قضية التحكيم بين الإمام على بن أبى طالب ومعاوية بن ابى سفيان وكانت بنود التقاضى بينهم هى إنا ننزل عند حكم الله عز وجل وكتابه، ولا يجمع بيننا غيره، وإن كتاب الله عز وجل بيننا من فاتحته إلى خاتمته، نحيي ما أحيا، ونميت ما أمات، فما وجد الحكمان في كتاب الله عز وجل وهما أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس، وعمرو بن العاص القرشي عملا به، وما لم يجدا في كتاب الله عز وجل فالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة، وقد أخذ الحكمان من الإمام علي ومعاوية ومن الجندين من العهود والميثاق والثقة من الناس، أنهما آمنان على أنفسهما وأهلهما، والأمة لهما أنصار على الذى يتقاضيان عليه، وعلى المؤمنين والمسلمين من الطائفتين كلتيهما عهد الله وميثاقه.
على ما في هذه الصحيفة، وأن قد وجبت قضيتهما على المؤمنين فإن الأمن والاستقامة ووضع السلاح بينهم أينما ساروا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم، وشاهدهم وغائبهم، وعلى عبدالله بن قيس وعمرو بن العاص عهد الله وميثاقه أن يحكما بين هذه الأمة، ولا يرداها في حرب ولا فرقة حتى يعصيا، وقد أجل القضاء إلى شهر رمضان، وإن أحبا أن يؤخرا ذلك أخراه على تراض منهما، وإن توفى أحد الحكمين، فإن أمير الشيعة يختار مكانه ولا يألو من أهل المعدلة والقسط، وإن مكان قضيتهما الذي يقضيان فيه مكان عدل بين أهل الكوفة وأهل الشام، وإن رضيا وأحبا فلا يحضرهما فيه إلا من أرادا، وأن يأخذ الحكمان من أرادا من الشهود، ثم يكتبان شهادتهما على ما في هذه الصحيفة، وهم أنصار على من ترك ما في هذه الصحيفة.
وأراد فيه إلحادا وظلما، والدعاء اللهم إنا نستنصرك على من ترك ما في هذه الصحيفة، وقد ذكر ابن عساكر أن هذه الوثيقة أعلنت في شهر شعبان سنة ثمانى وثلاثين من الهجرة، فاجتمع الناس إليهما، ويروي أنه كان بينهما كلاما في السر خالفه عمرو بن العاص، فقدم أبو موسى فتكلم وخلع الإمام علي ومعاوية، ثم تكلم عمرو فخلع الإمام علي، وأثبت معاوية، فتفرق الحكمان، وبايع أهل الشام معاوية في ذي القعدة، وقدعلق على هذه القصة ابن كثير الدمشقي فقال، هذا لا يصح سند به، ولا يرويه إلا من لا يوثق بروايته من الإخباريين التالفين، أمثال أبي مخنف لوط بن يحيى، وروى البخاري في التاريخ الكبير رواية تخالف هذه القصة، وتذكر أن أبا موسى وعمرو، قد اتفقا على خلع الإمام علي ومعاوية وأن يعهدا بأمر الخلافة إلى أحد أعيان الصحابة،
الذين توفى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو راض عنهم، فروى البخاري عن حضين بن المنذر قال، لما عزل عمرو معاوية جاء أي حضين بن المنذر، فضرب فسطاطه قريبا من فسطاط معاوية، فبلغ نبأه معاوية، فأرسل إليه فقال” إنه بلغني عن هذا أي عن عمرو، كذا وكذا، فاذهب فانظر ما هذا الذي بلغني عنه، فأتيته، فقلت أخبرني عن الأمر الذي وليت أنت وأبو موسى، كيف صنعتما فيه؟ قال قد قال الناس في ذلك ما قالوا، والله ما كان الأمر على ما قالوا، ولكن قلت لأبي موسى ما ترى في هذا الأمر؟ قال أرى أنه في النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عنهم راض، قلت فأين تجعلنى أنا ومعاوية؟ فقال إن يستعن بكما ففيكما معونة، وكان بعد حادثة التحكيم، فقد عاد القتال من جديد واستطاع جانب معاوية بن ابى سفيان.
أن يحقق بعض الانتصارات، وسار عمرو بن العاص إلى مصر لضمها لسلطان معاوية سنة ثمانى وثلاثين من الهجرة، وجهزه معاوية في ستة آلاف مقاتل، وكان محمد بن أبي بكر واليها المُعين من قبل الإمام علي بن أبى طالب، فاقتتل الفريقان، فانتصر جيش عمرو بن العاص وقتل محمد بن أبي بكر على يد معاوية بن حديج، ثم سار عمرو إلى الفسطاط واستولى عليها في صفر سنة ثمانى وثلاثين من الهجرة، فأقره معاوية واليا عليها، وأعطاه إياها على أن يعطي عطاء الجند وما بقي فله، واستقرت ولاية مصر لعمرو بن العاص من جديد، روى ابن عساكر أنه لما صار الأمر كله في يدي معاوية استكثر طعمة مصر لعمرو ما عاش، ورأى عمرو أن الأمر كله قد صلح به وبتدبيره وبعنايته وسعيه فيه، وظن أن معاوية سيزيده الشام على مصر فلم يفعل معاوية.
التعليقات