ونكمل الجزء الخامس عشر مع لله على الناس حج البيت، وكان رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يكثر من أفضل الأذكار في أفضل الأيام، لا إله إلا الله هي سيد الأذكار، ويوم عرفة هو سيد الأيام، ولهذا ناسب الإكثار من سيد الأذكار في سيد الأيام وهو يوم عرفة، ثم يتوجه الحجيج من شعيرة إلى أخرى إلى أن يصلوا في اليوم العاشر إلى منى، فيؤدون فيه ما أمر الله تبارك وتعالى من الطاعة والعبادة، ومن أعظم ذلك النحر الذي اشتهر هذا اليوم باسمه، فهو يوم النحر، فالحجاج في ذلك اليوم ينحرون لله الهدايا، والمسلمون في أنحاء الأرض يتقربون لله بذبح الضحايا، فهو يوم نحر لله عز وجل، المسلمون كل قادر منهم يشترك في هذا اليوم بالذبح لله عز وجل، ذبيحة ينحرها لله يتقرب بها إلى الله، ويرجو بها رضوان الله تعالى، ومن هنا يعلم كل مسلم أن الذبح لغير الله شرك، وصرف هذه العبادة لغير الله تبارك وتعالى.
فهو شرك بالله موجب للعنة والوقوع في سخط الله تبارك وتعالى، فقد جاء في الحديث عن علي ابن أبي طالب رضى الله عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم “لعن الله من ذبح لغير الله” وعندما يتقدم الحجيج إلى الجمرات لرمي سبع حصيات، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم يتعلمون من خلال هذا العمل دروسا عظيمة، وعبرا مؤثرة من أهمها هو أن يعلم المسلم أن دين الله عز وجل وسط بين الغلو والجفاء، والإفراط والتفريط، فقد أخذ صلوات الله وسلامه عليه سبع حصيات هن مثل حصى الخذف، ورفعهن في يده وأراهن الناس وقال “أيها الناس، بمثل هذا فارموا، وإياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين” فالمسلم يحذر من الغلو والجفاء، ويتمسك بهدي النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويكون في أعماله كلها وطاعاته جميعها متوسطا معتدلا، لا غلو ولا جفاء، ولا إفراط ولا تفريط.
وهكذا نجد أن الحجّ مليئا بالدروس العظيمة، والعبر المؤثرة، فاتقوا الله تعالى، ثم اعلموا أننا نستقبل أياما فاضلة، جاء في فضلها والتنويه بشأنها نصوص عديدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها ما رواه الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما من أيام العمل فيها أفضل من هذه العشر” ويعنى العشر الأول من ذي الحجة، قالوا يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال “ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ولم يرجع من ذلك بشيء” فإنها أيام فاضلة عظيمة، ينبغي على المسلم أن يقدرها قدرها، وأن يحرص على طاعة الله فيها، فإنها خير أيام الله، وفي هذه الأيام يوم عرفة الذي هو خير الأيام وفي هذه الأيام تجتمع أمهات العبادات، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا تجتمع هذه الطاعة إلا في مثل هذه الأيام المباركة.
ويستحب للمسلم في هذه الأيام أن يكثر من طاعة الله، وأن يحافظ على عبادة الله، وأن يكثر من ذكر الله، وأن يكثر من بذل الخير والإحسان، من بر الوالدين وصلة الأرحام، وتلاوة القرآن، وذكر الله تبارك وتعالى، إلى غير ذلك من الأعمال المباركة المقربة إلى الله عز وجل، ومن الأعمال العظيمة التي يسن للمسلم أن يقوم بها في مثل هذه العشر، التقرب إلى الله جل وعلا بذبح الضحايا، وهي سنة مؤكدة، وفي قول بعض أهل العلم إنها واجبة على كل مقتدر، وينبغي كل مسلم أن يحرص عند تقربه إلى الله جل وعلا بالأضحية أن يختار منها السليمة من العيوب امتثالا لسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وأن يراعي في ذلك السن الثابتة في سنة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعلى من دخلت العشر وهو يريد أن يضحي ألا يأخذ من شعره وبشرته شيئا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم “إذا دخلت العشر فلا يمسن أحد شعره وبشره بشيء” رواه مسلم.
وعن عبد الله بن عمر، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من طاف بالبيت سبعا وصلى ركعتين كان كعدل رقبة” رواه ابن ماجة، وعن أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما أنه قال يا رسول الله، أتنزل في دارك بمكة؟ فقال ” وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟ وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب، ولم يرثه جعفر ولا علي شيئا، لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل وطالب كافرين، رواه البخاري ومسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يُنزل الله كل يوم على حُجّاج بيته الحرام عشرين ومئة رحمة, ستين للطائفين وأربعين للمصلين وعشرين للناظرين ” رواه البيهقي، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “نزل الحجر الأسود من الجنة أشد بياضا من الثلج، فسوّدته خطايا بني آدم” رواه الترمذى.
التعليقات