الجمعة - الموافق 19 سبتمبر 2025م

الحلقة الثالثة من سيرة أبو بكر الصديق رضي الله عنه :

 محمد زكى

سيدنا الصديق كان مسافراً، وعاد إلى مكة ، لكن هذه المرة عاد إلى مكة المكرمة، وفيها حدث جلل، وفيها أمر عظيم، وفيها خبر يدوي الأرجاء، ما هذا الخبر؟ اقترب أبو بكر من مكة المكرمة فشعر أن فيها حدثًا لم يكن حينما غادرها، فلما دخل مكة، وقابل أصدقاءه تقدمهم أبو جهل وتعانقا، وبدأ أبو جهل يقول: أَو حدَّثوك عن صاحبك يا عتيق ؟، فأجابه أبو بكر: ماذا تعني؟ فقال أبو جهل: أعني يتيم بني هاشم، قال أبو بكر: تعني محمداً الأمين ، ودار حوار سريع بين أبي جهل وبين الصديق، قال: سمعت أنت ما يقول يا عمرو بن هشام؟ قال : نعم سمعته، وسمعه الناس جميعاً، قال: وماذا يقول ؟ قال: يقول إن في السماء إلهاً، أرسله إلينا لنعبده، ونترك ما كان يعبد آباؤنا، ثم إنّ سيدنا الصديق سأل أو قال: إن الله أوحى إليه؟ قال أبو جهل: أجل، قال الصديق: ألم يقل كيف كلمه ربُّه؟ قال أبو جهل: إن جبريل أتاه في غار حراء، وتألق وجه أبي بكر كأنه الشمس، قال في هدوء وسكينة: إن كان قال هذا: فقد صدق ..
* إن يقينه رضي الله عنه بصدق محمد عليه الصلاة والسلام فوق الشك, إنسان عاش أربعين سنة ما جرب الناس عليه كذبة قط، إنسان عاش أربعين سنة ما جرب الناس عليه خيانة قط، مثل هذا الإنسان يصدق إذا قال، طبعاً أبو جهل ما توقع هذا الموقف الهادئ، ولا هذا التصديق، هو يظن أنه سيلقي على أذني أبي بكر خبراً صاعقاً, يظن أنه سيفصم عرا المودة بينه وبين النبي، وإذ بهذا الصديق يصدق النبي عليه الصلاة والسلام، إن قال هذا: فقد صدق ..
* قصد أبو بكر داره ليرى أهله، وينفض عنه تعب السفر، وبعدها يقضي الله أمراً كان مفعولا، ثم إنّ سيدنا الصديق أراد أن يتصل بالنبي عليه الصلاة والسلام اتصالاً مباشراً، وهو يعرفه معرفةً جيدة، حينما كان النبي عليه الصلاة والسلام طفلاً صغيراً، وقد دعاه أصدقاؤه للعب كما يلعب الأطفال عادة، كان يقول عليه الصلاة والسلام وهو طفل صغير: أنا لم أُخلَق لهذا، وهو في سنِّ حياته الأولى كان واعياً للمهمة الكبرى التي تنتظره ..
* الإنسان المستقيم الشريف، الطاهر الصادق، الأمين، من كانت أخلاقه هكذا، إذا تكلم فحري به أن يكون صادقاً، والانحراف السلوكي دائمًا يقابله انحراف عقائدي، هذه حقيقة مقطوع بها، قال تعالى:
﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ }
﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾
هناك تلازم ضروري حتمي بين التدين الصحيح وبين الخلق الكريم، فإن رأيت فكراً نيراً، وعقلاً راجحاً, وكلاماً سديداً، ورأياً صحيحاً، فظن بغلبة الظن أن صاحب هذا الكلام السديد وذاك العقل الراجح إنسان مستقيم، وإن رأيت استقامة وورعاً، وطهراً، وصدقاً، وأمانةً، فظن بغلبة الظن أن صاحب هذه الأخلاق الرفيعة إنسان مبادئه صحيحة، اعتقدْ هذا الاعتقاد، هناك تلازم ضروري وحتمي بين سلامة السلوك وسلامة الفكر، بين سلامة العقيدة والمبدأ ..
* سيدنا الصديق عاش مع النبي عمراً مديداً ، جاءته الرسالة في الأربعين ، وكان هو في الثامنة والثلاثين ، متقارب في سنه مع سن النبي ، عاش معه ردحاً من الزمن ، الذي لا يكذب لا يخون، هذا الإنسان إذا قال: فقد صدق، وفي القرآن الكريم هناك بعض الإشارات، قال تعالى:
﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى﴾
الآية انتهت، كيف تنتهي الآية، ولم يأت الجواب؟ أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى ، الجواب: أي انظر إلى أخلاقه، انظر إلى دناءته، انظر إلى اقترافه الآثام، انظر إلى انحرافه السلوكي ..
* قال تعالى:﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى﴾ : أي انظر إلى استقامته، هذا التلازم مهم جداً، لعل هذا التلازم هو موضوع هذا الفصل ..
سيدنا الصديق لم يبادر متعجلاً، وقال: لقد صدق، إلا لأنه خبير بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لذلك من عقيدة المسلم، إن الأنبياء معصومون قبل الرسالة ، ولو لم يكونوا معصومين قبل الرسالة لشَكَّ الناس في دعوتهم، لأنهم صنعوا على عين الله عز وجل، ولأنهم هيئوا لهذه المهمة العظيمة ..
** سيدنا الصديق انتقل من بيته بعد أن نفض عنه وعثاء السفر, وتوجه إلى بيت النبي عليه الصلاة والسلام، وجرى حديث بينهما في سرعة الضوء وصفائه، قال أبو بكر: أصحيح ما أنبأني به القوم يا أخا العرب، فقال عليه الصلاة والسلام: ماذا أنبؤوك؟ قالوا: إن الله أرسلك إلينا لنعبده ولا نشرك به شيئا، قال: وما كان جوابك لهم يا عتيق؟ قلت لهم: إن قال هذا: ف…
[٥:١٥ م، ٢٠٢٠/٨/٢٩] ⁦+20 122 721 1540⁩: عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ)) ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}..صحيح البخاري..

* شرح الحديث *
(إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خبير )..
ومعنى الآية أن الله تعالى استأثر بعلم الساعة فلا يجليها لوقتها إلا هو، فلا يعلمها لميقاتها ملك مقرب ولا نبي مرسل، وقد أعلمهم الله بأماراتها .. ولا يعلم متى ينزل الغيث ولا في أي مكان ينزل إلا الله، وقد يعرف ذلك أهل الخبرة عند وجود الأمارات وانعقاد الأسباب علماً تقريبياً إجمالياً يشوبه شيء من التخمين وقد يتخلف .. واختص سبحانه أيضاً بعلم ما في الأرحام تفصيلاً من جهة تخلقه وعدم تخلقه ونموه وبقائه لتمام مدته وسقوطه قبلها حياً أو ميتاً وسلامته وما قد يطرأ عليه من آفات دون أن يكسب علمه بذلك من غيره أو يتوقف على أسباب أو تجارب بل يعلم ما سيكون عليه قبل أن يكون وقبل أن تكون الأسباب، فإن مقدر الأسباب وموجودها عليم لا يتخلف ولا يختلف عنه الواقع وهو الله سبحانه، وقد يطلع المخلوق على شيء من أحوال ما في الأرحام من ذكورة أو أنوثة أو سلامة أو إصابته بآفة أو قرب ولادة أو توقع سقوط الحمل قبل التمام، لكن ذلك بتوفيق من الله إلى أسباب ذلك من كشف بأشعة لا من نفسه ولا بدون أسباب وذلك بعد ما يأمر الله الملك بتصوير الجنين، ولا يكون شاملاً لكل أحوال ما في الرحم بل إجمالاً في بعضه مع احتمال الخطأ أحياناً .. ولا تدري نفس ماذا تكسب غداً من شؤون دينها ودنياها، فهذا أيضاً مما استأثر الله بعلمه تفصيلاً، وقد يتوقع الناس كسباً أو خسارة على وجه الإجمال مما يبعث فيهم أملاً وإقداماً على السعي أو خوفاً وإحجاماً بناء على أمارات وظروف محيطة بهم فكل هذا لا يسمى علماً .. وكذا لا تدري نفس بأي أرض تموت في بر أو بحر في بلدها أو بلد آخر إنما يعلم تفصيل ذلك الله وحده فإنه سبحانه له كمال العلم والإحاطة بجميع الشؤون علنها وغيبها، ظاهرها وباطنها ..
وجملة القول: إن علم الله من نفسه غير مكتسب من غيره ولا متوقف على أسباب وتجارب وأنه يعلم ما كان وما سيكون، وأنه لا يشوب علمه غموض ولا يتخلف وأنه عام شامل لجميع الكائنات تفصيلاً جليلها ودقيقها بخلاف غيره سبحانه ..

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك