الإثنين - الموافق 23 ديسمبر 2024م

لماذا أطلق الله على القدس الأرض المقدسة ؟ وما هي فضائل المسجد الأقصى في الإسلام؟ بقلم: هند درويش

إن للمسجد الأقصى مكانة عظيمة في نفوس المسلمين لما خصه الله بميزات عظيمة فهو أولى القبلتين حيث توجه إليه المسلمين في صلاتهم لمدة ستة عشر شهراً، ثم تحولت القبلة إلي المسجد الحرام قال تعالى: ” قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ” (البقرة: 144). ويعد من ثالث الحرمين الشريفين التي تشد لها الرحال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إلى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هذا، وَمَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأقْصَى ” (رواه البخاري). ويعد المسجد الأقصى ثاني مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام بأربعين سنة عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: ” قُلتُ يا رَسولَ اللَّهِ، أيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ في الأرْضِ أوَّلَ؟ قالَ: المَسْجِدُ الحَرَامُ قالَ: قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ المَسْجِدُ الأقْصَى قُلتُ: كَمْ كانَ بيْنَهُمَا؟ قالَ: أرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أيْنَما أدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فإنَّ الفَضْلَ فِيهِ (رواه البخاري). وهو المسجد الذي أسرى الله به بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلاً بالبراق وهذه الليلة تعرف (بليلة الإسراء والمعراج) قال تعالى: ” سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ” (سورة الإسراء: 1). الذي باركنا حوله أي أنه منبع البركة والخيرات التي فاضت بركتها على الأرض المحاطة به لانها طهرت من عبادة الأوثان حيث جعلها الله مهبط للرسالات السماوية وملاذأ ومأوى للأنبياء والصالحين إلي يوم الدين، فعلى أرضها عاش سيدنا إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف ولوط وداود وصالح وزكريا ويحي وعيسى عليه السلام ونظراَ لهذه المكانة العظيمة أطلق الله على أرضه ” الأرض المقدسة ” أي المباركة مصدقاً لقوله: ” يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ” (المائدة: 21). ومن بركاته أيضاً جعل الله أجر الصلاة فيه تساوي أضعاف مضاعفه فيما سواه ” فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة، وفي مسجدي هذا ألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة (صحيح الجامع).
وهي مجمع وملتقى الأنبياء حيث اصطفاها الله لتكون مجمع ومصلى الأنبياء والرسل وأمامهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم… فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن رسول الله عليه وسلم قال: ” أتيت بالبراق فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت به ركعتين ثم عرج بنا إلى السماء ” (صحيح مسلم). لذلك أطُلق على هذه الأرض المباركة ” بوابة الأرض إلي السماء ” التي قال عنها الشاعر: ” القدس هي مدينة الأنبياء، وهي الوصل بين الأرض والسماء “.
ولقد كانت القدس مطمع للغزاة على مر الزمان من الكنعانيين والأشوريين والفرس والرومان قبل الإسلام…. والصليبيين والاحتلال البريطاني ثم الصهيوني بعد الإسلام، والاحتلال الصهيوني للقدس يعد آخر احتلال له مصدقاً لقوله تعالى: ” “وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًالِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً ” (الإسراء، الآية 104). تفسير الشعراوي: اسكنوا الأرض: أي تفرقوا في معظم البلاد مشتتين بلا وطن، ولكن إذا اقتربت الساعة (من علامات الساعة) أن يجمعهم الله من كل البلاد في وطن قومي يجمعهم بعد أن كانوا مشتتين، وكلمة لفيفاً تعني الجمع الكبير المختلط من كل نوع، وهذا منطبق على تجميع اليهود من شتات الأرض ومن أجناس مختلفة من عرب وعجم في أرض فلسطين، إذن: ففكرة التجمُع والوطن القومي التي نادى بها بلفور، هذه الفكرة في الحقيقة تمثل خدمة لقضية الإسلام، وتسهّل علينا تتبعهم وتمكننا من القضاء عليهم؛ لذلك يقول تعالى: ” فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ ” (الإسراء:7). أي: إذا جاء وقت الإفسادة الثانية لهم والأخيرة ، ” لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً ” وهذه أكبر العلامات على أقتراب زوالهم (العلو أي الهيمنة على الاقتصاد والسياسية والثقافة والإعلام) ونشر الفساد في الأرض وتجمعهم في وطن واحد بعد شتات شملهم في الأرض، والله سبحانه وتعالى يخبرنا بأنه الذي يحمي هذا الدين ويقيد لهذه الأمة رجال صالحين لفتح هذا البيت المقدس كما فتحه سيدنا عمر بن الخطاب وقام بتحريره من يد الرومان الذين اضطهدوا المسيحيين وظل تحت الحكم الإسلامي 400 سنة إلي أن وقع في يد الصليبيين عام 1099م، ثم حرره القائد صلاح الدين الأيوبي من يد الصليبيين في موقعة حطين، ويبشرنا الله بأنه سيقيد عباد صالحين أقوياء أشداء سيمكن لهم في الأرض وسيحرروه من يد اليهود الصهيانة بعد العلو والإفساد الثاني والأخير كما سلط عليهم من قبل…قال تعالى: ” فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ” (الإسراء: 7). تفسير الشعراوي: في الآية بشارة لنا أن الغلبة والقوة ستكون في النهاية للإسلام والمسلمين، وسننتصر على اليهود ونسترد المسجد الأقصى من أيديهم ولندمر كل ما شيدوه من مظاهر حضارتهم. ولقد بشرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن في آخر الزمان ستكون الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة مقرها أو عاصمتها الأرض المقدسة (القدس) ” إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة، فقد دنت الزلازل ، والبلابل ، والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك ” (صحيح الجامع). وهذه بشرى لأمة محمد بأن النصر والتمكين في النهاية للإسلام والمسلمين. وأغلب العلماء يقولون أن هذا سيكون في عهد خلافة رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم: ” يخرج رجل من أمتي يقول بسنتي، ينزل الله -عز وجل- له القطر من السماء، وينبت الله له الأرض من بركتها، تملأ الأرض منه قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، يعمل على هذه الأمة سبع سنين وينزل بيت المقدس ” (رواه الطبراني في الأوسط). وعلى هذه الأرض المباركة وداخل هذا المسجد المبارك سيصلى سيدنا عيسى عليه السلام خلف الإمام المهدى بعد أن يحكم المهدي سبع سنين ثم يتولى خلافة الأمة سيدنا عيسى عليه السلام ” كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ” (صحيح البخاري). وفي حديث آخر «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة»، قال: « فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقول أميرهم: تعال صل بنا فيقول: لا، أن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله لهذه الأمة.» (صحيح مسلم). وهذه الطائفة التي تقاتل من أجل الحق إلي قيام الساعة في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس لذلك من مظاهر بركتها اصطفاء الله لها لتكون أرض الرباط (الجهاد) حيث أراد الله أن تكون هذه الأرض المقيم فيها له ثواب المرباط (المجاهد) الذي ينال شرف الدفاع عن مقدسات الإسلام لأن الجهاد في سبيل الله ذورة سنام الإسلام وأجر المجاهد في سبيل الله عظيم عند الله ” مَوقِفُ ساعةٍ في سَبيلِ اللهِ خَيرٌ من قِيامِ لَيلَةِ القَدْرِ عند الحَجَرِ الأسْوَدِ ” (صحيح الجامع). عن أبي إمامة مرفوعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين على الحق، لعدوهم قاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قيل يارسول الله أين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس” (رواه أحمد). فهذه الأرض مباركة أيضاَ لما شهدت من إراقة دماء الكثير من الشهداء والصمود في وجه العدو الغاشم دفاعاً عن حرماتها لذلك بشرنا الله بأن الذين قُتلوا في سبيل الدفاع عن الدين والوطن والمقدسات بأنهم أحياء منعمين في جنة النعيم وذلك هو الفوز العظيم قال تعالى: ” وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ” (آل عمران: 169-171).

بقلم: هند درويش

باحثة دكتوراه

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك