السبت - الموافق 27 يوليو 2024م

مؤشرات الاقتصاد المصري وفق وكالة ستاندرد بورز ..بقلم الدكتور عادل عامر

أن نقطة البداية للنموذج هي قيمة الناتج المحلي الإجمالي المقوم بالدولار، يبدو واضحا لنا أن المنهج الذي تستخدمه الوكالة لوضع التصنيف الائتماني لا يستجيب للتعديلات الكبيرة في أسعار الصرف، كما هو الحال مع التجربة المصرية. وصفت ستاندرد آند بورز تحرير سعر الصرف بمصر بأنه “خطوة ضرورية من أجل التخفيف من حدة النقص في العملة الأجنبية، وكذلك محو الفارق بين أسعار الصرف الرسمية وغير الرسمية، بالإضافة إلى تحسين القدرة التنافسية للصادرات المصرية”. إلا أنه، ومن الناحية الكمية، فإن النموذج المتبع، يعاقبنا على تحرير سعر الصرف، وفقا للمعايير التي يجرى بها تقييم الوضع الاقتصادي.

إن صدور تقارير إيجابية بشأن الاقتصاد المصري، من مؤسستين دوليتين مثل موديز، وستاندرد آند بورز، سيدعم موقف مصر الاقتصادي خلال الفترة المقبلة، متوقعا أن يكون ذلك مؤشرا إيجابيا لعودة قوية للاستثمار الأجنبي في مصر.وغيرت وكالة “موديز”، الشهر الماضي، نظرتها المستقبلية لمصر من سلبية إلى مستقرة، لكنها أبقت على تصنيفها للسندات الحكومية عند (Caa1)، ما يعني وجود مخاطرة عالية.والتقى مسئولون مصريون بعدد من مسؤولي مؤسسات التصنيف الائتماني، خلال مشاركتهم في اجتماعات صندوق النقد الدولي في واشنطن، الشهر الماضى لإطلاعهم على التطورات الحادثة في الاقتصاد المصري.

أحرزته مصر في أهداف البرنامج والإصلاحات الرئيسية، يمهد الطريق أمام إتمام صندوق النقد للمراجعة الأولى المؤجلة وأيضًا المراجعة الثانية، بما يحرر التمويلات الضرورية لدعم وضع مصر الخارجي واحتياجاتها التمويلية. وقالت “موديز”، في تقرير لها عن مصر، إنه خلال الأشهر الثلاثة الماضية جرى إحراز تقدم في برنامج مبيعات الأصول، وإصلاحات تحسين المنافسة في بيئة الأعمال، مع توسيع قاعدة الإيرادات، بما يؤدي لزيادة الفائض الأولى إلى 2.5% من الناتج المحلي العام المالي الحالي مقابل 1.7% في العام المالي الماضي.

يشير هذا بشكل أساسي إلى وجود مشكلتين بالنموذج التي تستخدمه ستاندرد آند بورز في تصنيفاتها الائتمانية السيادية: أولا، فرض التقويم بالدولار الأمريكي، وثانيا، الجمع بين الإجراءات – إذ أن استخدام المتوسطات القائمة على معايير قليلة للغاية يمكن أن يؤدي إلى وجود قيمة متطرفة تتسبب في حدوث تحولات كبيرة، في حين لا ينبغي لها القيام بذلك.

إن التداعيات الأوسع للصراع في قطاع غزة تزيد من المخاطر التي تواجه الدول المجاورة، وخاصة مصر. مع تزامن الانخفاض المستمر مع انكماش كبير في الإنتاج والطلبيات الجديدة إن المناقشات ستستمر افتراضيا “لتحديد حجم الدعم الإضافي اللازم للمساعدة في سد فجوات التمويل المتزايدة في مصر من صندوق النقد الدولي وغيره من شركاء التنمية الثنائيين والمتعددي الأطراف في سياق أحدث الصدمات”. وفي دلالة أخرى على تحسن وضع مصر الخاص بتوافر العملة الأجنبية، يتعرض الدولار الأمريكي لضغوط وسط حالة من الاضطرابات أن نموذج التصنيف الائتماني السيادي الذي تتبعه وكالة ستاندرد آند بورز غير ملائم لمصر، سوف يحقق الاقتصاد المصري معدل نمو خلال العام المالي الحالي بنسبة 4٪، مع تراجع النشاط الاقتصادي نسبيا بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة والاقتراض، واضطراب سلاسل القيمة بسبب الاختناقات في جانب العرض، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وضعف تدفقات السياحة الوافدة بفعل الحرب الروسية الأوكرانية.

وعلى المدى المتوسط، تتوقع الوكالة أن يعاود النمو الاقتصادي فى مصر، مع وجود محركات رئيسية في قطاعي البناء والطاقة، وسيتم دعم ذلك من خلال إجراءات الإصلاح الاقتصادي المختلفة للحكومة بما في ذلك خطتها الوطنية للإصلاح الهيكلي، والتي تتطلع إلى تحسين الاستثمارات والصادرات وتحقيق نمو قوي بقيادة القطاع الخاص. ارتفاع حجم الاستثمار الحكومى فى قطاعات تنموية هامة مثل البنية التحتية، وقطاع النقل والاتصالات، والمشروعات الاجتماعية وأهمها مبادرة حياة كريمة وتكافل وكرامة. والتزامها بتلك الخطط التنموية التى لابد من الاستمرار فيها وتنفيذها.

وهو كذلك يحول دون تحسن النظرة المستقبلية ورفع تصنيفها الائتماني للبلاد. وتتمثل أهمية هذه القضية في أن انخفاض التصنيف الائتماني يؤدي إلى ارتفاع تكاليف اقتراض الدولة وقد يمثل عائقا أمام بعض المستثمرين. وتقول وكالة ستاندرد آند بورز إنها، من الناحية الكيفية، ترحب بقرار تعويم الجنيه، وتتوقع أن يؤدي إلى نتائج إيجابية على الصعيد الاقتصادي في المستقبل.

إلا أنه من الناحية الكمية، نجد أن النموذج الذي تطبقه الوكالة في تقييم التصنيف الائتماني، يعاقب مصر على تحرير سعر الصرف الذي رحبت به الوكالة من قبل، وهو ما يجعل من المستحيل أن تقوم ستاندرد آند بورز برفع التصنيف الائتماني أو تحسين النظرة المستقبلية لمصر بالرغم من الأداء الاستثنائي للسندات الدولية التي طرحتها مصر بالسوق العالمية. إليكم خلفية الموضوع والأسباب التي تجعلنا نعتقد بأن ذلك يعيق مسيرة مصر: وبلغت نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 32.6% بنهاية عام 2021 بعد أن كانت 9 .33% فى منتصف عام 2020

، وما زالت في الحدود الآمنة طبقاً للمؤشرات الدولية .كما أظهرت بيانات البنك المركزي ارتفاع الدين الخارجي لمصر بنهاية الربع الثاني من العام المالي الجاري 2021-2022 بنحو 8.1 مليار دولار مقارنة بالربع السابق له من نفس العام المالي الجاري، لتسجل 145.529 مليار دولار. وينقسم الدين الخارجي لمصر بين 132.7 مليار دولار ديونًا طويلة الأجل، 12.8 مليار دولار ديونًا قصيرة الأجل

المشكلة في أزمة الدين الخارجي بشكل عام تكمن في فشل الحكومات عن سداد مستحقات هذه الديون في مواعيدها، وفي حالة مصر، لم يحدث أن تخلفت الحكومة عن سداد أي قسط أو مبلغ مستحق، وهو ما يؤكد أن الأوضاع تسير بشكل سليم وصحيح، وأن الديون الخارجية لمصر تسير وفق معدلات طبيعية على الرغم من أن الدين الخارجي يرتفع لكنه مازال في الحدود الآمنة، خاصة أن أكثر من 65% منه طويل الأجل، وبالتالي لا يشكل قلقا والاقتصاد المصري مازال يسير نحو الأفضل.

كما أن المبلغ الذى أعلنته مؤسسة ستاندرد آند بورز، وهو 73 مليار دولار لعام 2022 تشمل (دين داخلى وخارجى) ربعهم تقريبا دين خارجى بالدولار الأمريكى، ونحو 75% منه دين داخلى بالجنيه المصرى، وبالتالى لا تمثل ضغوط كبيرة على الحكومة المصرية فى السداد لأنها لا تتطلب احتياطيات كبيرة من النقد الأجنبي اللازم للدفع، هذا على عكس تركيا مثلا التى ترتفع حجم ديونها بشكل كبير ونحو 66% منها بالعملة الصعبة وليست المحلية. هذا فضلا على أن تلك الديون السيادية 30% منها تقريبا قصير الأجل، بينما نحو 76% منها ديون طويلة الأجل غير مستحقة فى الوقت الراهن أو السنوات القليلة القادمة.

وبالنظر إلى مصادر إنفاق تلك الديون، سنجد أن حصيلة ديون مصر استخدمت فى السنوات الأخيرة لتمويل عمليات التنمية التي تستهدف زيادة حجم الاقتصاد والناتج المحلي الإجمالي، وهو ما حدث بالفعل وجاءت النتائج إيجابية فى شكل تحسن واضح فى مؤشرات الاقتصاد الكلى. وقد حققت مصر فائض أولي بنسبة 1.46% من الناتج المحلى الإجمالي للعام المالي 2020/2021، تم استخدامه في تمويل جزء من فوائد الدين العام، مما أسهم في خفض العجز الكلى إلى 7.4% من الناتج المحلي، كما انه ما زال فى الحدود الآمنة اقتصاديا، حيث بلغ الدين الخارجي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي حوالي 34 % في عام 2020، وفقًا لتقرير البنك الدولي بينما بلغ إجمالي الديون الخارجية في اقتصاد أفريقي مهم فى دولة مثل جنوب إفريقيا نحو 170.7 مليار دولار في عام 2020، وشكلت الديون الخارجية 61٪ من الدخل القومي الإجمالي.

يجب أن ننظر إلى الدين باعتباره مسألة نسبية في النسب المئوية وليس رقمًا مطلقًا لأنه يقارن بنسبته من الناتج المحلى الإجمالي، وفعاليته أو عبء سداده يعتمد على مدى كفاءة استخدام تلك الديون فى تعظيم الناتج المحلى وتحقيق التنمية، وهو ما تسعى مصر جاهدة فى تحقيقه منذ عام 2016 تحديدا وتطبيق المرحلة الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، أى أن الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية سيكون السبيل الوحيد لإصلاح فجوة التمويل في البلاد على المدى الطويل.

كما أن الرقم الذى أعلنته مؤسسة ساندرد آند بورز مجرد توقع قابل للتغيير وليس حقيقة مطلقة، حيث جاءت تلك التوقعات وسط إعلان استقرار الاقتصاد المصري وتثبيت تصنيفه الائتماني، وهو ما يؤكد قدرة الاقتصاد المصرى على سداد ديونه واستقرارها المالي والاقتصادي بوجه عام. وبناءا عليه، يتضح أن الإصلاحات الاقتصادية والمالية والهيكلية التى اتخذتها الدولة المصرية على مرحلتين من الإصلاح الاقتصادي، المرحلة الأولى (2016-2021)، والمرحلة الثانية (2021-2026)، ساعدت فى توفير قاعدة تمويل محلية قوية ومتنوعة، وجعلت الاقتصاد أكثر قدرة على امتصاص الصدمات ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية .كما ساهمت المشروعات التنموية البرىك فى تحفيز النشاط الاقتصادي بشتى قطاعات الدولة، والحفاظ على معدلات نمو إيجابية رغم التحديات المتعاقبة. وإن كان ذلك أيضا لا يمنع من ضرورة تخفيف عبء الديون الخارجية المصرية حتى لا تستنزف جزء مهم من إيرادات الموازنة العامة، وهذا ما تسعى مصر لتحقيقه منذ سنوات وان كانت الأزمات والصدمات الاقتصادية والصحية الخارجية، هى المعطلة للعديد من الخطوات الاقتصادية التى تتبعها الدولة.


الدكتور عادل عامر

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك