إن المصالح وتعريفها يختلف من منظور الولايات المتحدة الأمريكية منه في العالم العربي، حيث لا نستطيع القول إنّ العالم العربي يشكل وحدة سياسية مستقلة، أو على الأقل وحدة ذات سياسة خارجية واحدة يمكن الحديث عنها كوحدة مستقلة، كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة، التي بينت التجارب التاريخية على الأقل في العقود التي بدأت منذ الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية ولغاية الآن بأنها ثابتة، إذ لا تختلف السياسة الخارجية في عهد أي رئيس أمريكي عن الآخر وخاصة ما يتعلق بالوطن العربي، وإن كانت بعض الوسائل تختلف من حين لآخر وهذا يعبر عن استمرار النهج الأمريكي وتعريف المصلحة الوطنية لها، بغض النظر عن الفرد الموجود في البيت الأبيض.
أما ما يتعلق بالمصالح العربية فهي تتوزع حسب تصنيف هذه الدول من منظور الولايات المتحدة الأمريكية والتي سيتم مناقشتها لاحقاً في هذه الدراسة، لكن يبقى الأمر الأساسي في غياب الديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة في معظم الأقطار العربية، بأن المصلحة الأولى والأخيرة للدول العربية من علاقات مع الولايات المتحدة أو مع غيرها هو المحافظة على الوضع الكائن، وبكلمات أخرى الاستمرارية في الحكم دون النظر لأي مصالح أخرى. لذا فإن المصالح الأمريكية تتمثل بمصالح وطنية عليا بينما المصالح العربية تتمثل في المجمل في المصالح الفردية المرتبطة بأنظمة الحكم السائدة.
يميل البعض في العالم العربي لاعتبار أنفسهم في موقع الضحية وقد اعتاد الشعب العربي على هذه النظرية، بحيث أصبحت أفيون الشعب العربي في العقود الماضية، وخاصة بعد ظهور مقالة “صراع الحضارات” لصمويل هنتنغتون أحد كتاب العلاقات الدولية والذي كتب في موضوعات متعددة تنم عن عدم وجود خط بحثي له، إضافة إلى أنه يعبر عن واقع السياسة الأمريكية وهي مقالة مشهورة يستشهد بها في معظم المقالات والدراسات والندوات والحوارات الصحفية.
ويلاحظ عدم فهم واضح لهذه الدراسة، ويبدو أن أكثر من يناقشها لم يقرأها كاملة، وهي إلى حد كبير تعكس منظور العلاقات الدولية والذي يمثل المدرسة الواقعية الكلاسيكية التي مازالت تسيطر على واقع السياسة الخارجية الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى ولغاية هذه اللحظة. وإن تم استبدال أهم الفاعلين بالعلاقات الدولية بالحضارات بدلاً من الدول وبقي الصراع من أجل القوة هو المحفز الأساسي للعلاقات الدولية.
وربما يكون من السذاجة الفكرية لدى كثير من المفكرين في العالم العربي الذين لا يعون مثل هذه النظريات ويخالون أن العالم متربص بالإسلام والمسلمين وأن حربا صليبية شعواء يشنها الغرب على العالم الإسلامي ولا مفر منها.
إن الصراع يحدث بين قوتين متقاربتين في القوة على الأقل، ولا يبدو ذلك واضحاً لا بين الولايات المتحدة والعالم العربي ولا بين الأولى والعالم الإسلامي حيث لا وجه للمقارنة بين الولايات المتحدة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً ووجودياً مع العالمين العربي والإسلامي. لكن ذلك يصب في رغبة لدى البعض في العالم العربي الإسلامي بأنه الضحية، حيث قبل الشعب العربي والشعب الإسلامي بهذه الحالة، ومن مصلحة الأنظمة السياسية أن تصل إلى ذلك لأنها مستفيدة كثيراً من هذا الفكر السائد الذي يهدد العالم العربي ومستقبله، والذي أدى إلى الركون والسكوت وانتظار المهدي لإنقاذه من هذه المصيبة التي لا يستطيع أن يعيش فيها، فهو في مرحلة إدمان وبحاجة لمعالجة تصل لعقود أن لم يكن لقرون قادمة.
لا بد للدول من أن تفهم أن العلاقات الدولية تحكمها مدرسة فكرية مؤثرة منذ زمن طويل وخاصة منذ بداية الحرب الباردة وهي المدرسة الواقعية، التي تركز على مسألة الصراع والقوة في العلاقات الدولية وخاصة مسألة أن الصراع أمر مستمر بين الدول من أجل القوة والمحافظة على القوة في إطار تحقيق الأمن القومي للدول، ولكن الحديث عن تأثير الدين في السياسة الأمريكية تجاه العرب فهو مبالغ فيه. ويمكن للدين أن يؤدّي دوراً في التأثير في السياسة الأمريكية إذا كان يمثل تهديداً حقيقياً للولايات المتحدة الأمريكية ولا أجد في هذه اللحظة التاريخية أسبابا واضحة لقوة الدين في التأثير على السياسية الأمريكية خاصة في ظل المشهد السياسي الإسلامي في العالم الإسلامي.
تشـكل مراكـز الفكـر والمؤسسـات البحثيـة في المنطقـة العربيـة جـزء الفكــر العالميــة، وبنســبة 6٪ مــن العــدد الإجــملي العالمــي، أي مــا يقــارب 140 مركــزاً في المنطقــة العربيــة والمتمركــزة في (شــمل إفريقيــا، الــشرق الأوســط والخليــج العــرب)، بينــم تلــك الولايــات المتحــدة الأمريكيــة وحدهــا حــوالي 2200 مركــز بحــث حســب آخــر إحصائيــات لمراكــز الفكــر الصـادرة سـنة 2021 في التقريـر المعنـون ب «مراكـز الفكـر والمجتمـع المـدن»
والـذي يصـدر دوريـاً عـن جامعـة بنسـلفانيا، مـا يؤكد على الأهميـة البالغة لأدوار هـذه المراكـز في رسـم وصنـع وتوجيـه السياســات العامــة للــدول الكــبرى، خصوصــا في ظــل عــالم يعــان مــن أزمــات متغيرة ومعقــدة، مــا يجعــل مــن هــذه المراكــز حتميــة ضروريــة للمســاهمة في المجــالات السياســية والاجتماعية والاقتصاديـة، نظـراً لكونهـا تتمتـع بالمرونـة التـي لا تتمتع بهـا المؤسسـات السياسـية الرسـمية،
وهـو الــدور الــذي لايــزال محتشــمً في منطقتنــا العربيــة، أي لاتــزال هــذه المراكــز ذات تأتي محــدود نســبياً impact-Lowمقارنــة مــع نظيرتها الغربيــة. إن النقــص الحــاد في الوســائط والقنــوات التــي تربــط بــي مشــكلات المواطــن/ة وصانــع القــرار تضـع المزيـد مـن الضغـوط عـلى مؤسسـات ومراكـز الفكـر والبحـوث في منطقتنـا العربيـة للعديـد مـن الأسـباب، مـن بينهـا ضعـف منظمة المجتمـع المـدن التـي لا تتعدى أدوارهـا اجملا الأعمال الخيرية والتطوعيـة والتوعويـة، بعيـداً عـن تقديـم أدوار تنمويـة ونهضويـة للمجتمـع،
وهـذا راجـع بالأسـاس إلى العديـد مـن العراقيـل القانونيـة والبيروقراطية والماليـة والسياسـية، فنجـد عـلى سـبيل المثـال أن أغلـب هـذه المنظمات والمؤسسـات تعمـل تحـت قانـون الجمعيـات الصـادر عـن وزارة الداخليـة لـكل بلـد، والـذي يضـع شروطـاً معقـدة تعرقـل تأسـيس مراكـز فكـر والبحـوث في ظـل غيــاب إطــار قانــون أو تشريعــي محــدد يحــدد عمــل هــذه المراكــز وينظــم أدوارهــا، أو أن هــذه المنظمات والمراكــز تعمــل حســب قانــون إنشــاء مؤسســات اقتصاديــة الصــادر عــن وزارة التجــارة أو الماليـة وغيهـا، والتـي تحـصر العمـل في الجانـب التجـاري والربحـي، كـم أن تسـجيل مؤسسـات الفكـر كمنظمة غـير حكوميـة وغـير هادفـة للربـح يعـان ً أيضـا مـن بيروقراطية الإجـراءات العملية الأخـرى المتعلقـة بنماذج الإشراف والتمويـل، مـا يشـكل ضغوطـات إضافيـة في وجـه هـذه المراكـز ليـس مـن الناحيـة القانونيـة والمؤسسـاتية فقـط، بـل يتعداهـا ليصـل إلى تقييـد الحريـة الفكريـة واسـتقلالية هـذه المراكـز. كل هــذه التحديــات التنظيميــة والسياســية والتمويليــة يضــاف إليهــا غيــاب الاهتمام الفعــلي بــأدوار هــذه المراكــز،
ومــايكنــه أن تقدمــه هــذه المؤسســات في مجــال صنــع ورســم السياســات العامـة للدولـة، كفواعـل للتغييب في تقديـم بدائـل السياسـات للنهـوض بالتنميـة المحليـة، وبالتـالي 8 واقع مراكز البحوث والفكر في المنطقة العربية. الاحتياجات، الفعالية والسر فإننـا أمـام تحـدي كبـي يفـرض علينـا ضرورة التعـاون والتكاثـف في وجـه الأزمـات التـي تعـان منهـا منطقتنـا العربيـة. رغـم ذلـك سـعت مؤسسـات الفكـر العربية-سـواء كانـت تابعـة للحكومـات أو القطـاع الخـاص أو المؤسسـات الأكادية أو المسـتقلة-إلى المسـاهمة بشـكل هـادف في المناقشـات السياسـية الهامـة ذات الصلـة بتحقيـق التطـور والتنميـة المجتمعيـة رغـم كل التحديـات التـي تقـف في وجههـا،
إلا أن هنـاك حاجـة ماسـة لفحـص الإطـار التنظيمـي الـذي يحكـم مراكـز الفكـر العربيـة وتحديـد نقـاط الضعـف الحالية وتداركها لتقديـم خارطـة طريـق بأفضـل الممارسات والتوصيـات. وهـو الأمـر الـذي
عــلى تقييــم كامــل للمراكــز والمؤسســات الفكريــة العربيــة دفعنــا إلى تطويــر هــذا التقريــر بنــاء لمعرفـة نقـاط القـوة ونقـاط الضعـف، ومـن ثـم تقديـم رؤيـة شـاملة حـول احتياجـات مراكـز الفكـر والبحـوث العربيـة. وعليــه نأمـل أن تضيــف نتائـج وتوصيـات هــذا التقريــر قيمـة إيجابيـة إلى خليـة مراكـز الفكـر والمؤسسـات البحثيـة المتواجـدة في المنطقـة العربيـة، بـا في ذلـك صنـاع السياسـات والجهـات المانحـة والمنظمات الدوليــة، التــي تهتــم بجــال تطويــر مراكــز الفكــر العربيــة وإيجــاد حلــول للتحديــات التـي تعـان منهـا.
التعليقات