كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقبل شهر رمضان, بالبشر والترحاب وكان المسلمون يفرحون لمقدم الشهر الكريم ويتنافسون في الطاعات وفى سائر العبادات والمروءات ولحرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على اغتنام هذا الشهر الكريم, ولحبه أمته كان ينبههم إلى أهميته, ويدعوهم إلى المحافظة على صيام نهاره, وقيام ليله, وإلى المواساة والتكافل فيما بينهم وينبههم إلى ما ينبغى عليهم أن يحرصوا عليه.
فكان إذا أقبل شهر رجب دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يبلغه رمضان قائلاً: «اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان».
قال معلى بن الفضل: «كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان كما يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم».
وقال يحيى بن أبي كثير كان من دعائهم: «اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلا». بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.
فلنستقبل رمضان بالتوبة إلى الله الرءوف الرحيم التواب.
فنجدد العهد مع الله تعالى على التوبة الصادقة في جميع الأوقات من جميع الذنوب والسيئات , وأن نلتزم بطاعة الله تعالى مدى الحياة بامتثال أوامره واجتناب نواهيه لنكون من الفائزين يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
والتوبة وظيفة العمر وحقيقة التوبة : الإقلاع عن الذنب والندم على الفعل والعزم على ألا يعود التائب لذنبه مرة أخرى. وإذا كان أمر التائب يتعلق بحقوق العباد فيجب رد المظالم إلى أهلها. والتعجيل بالتوبة أمر واجب قبل الموت, وقبل طلوع الشمس من مغربها قال تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ..الآية}[النساء(17)] وقال تعلى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)[الأنعام(158)]
كما ينبغي أن نستقبل رمضان بالعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا
باستشعار الفضل العظيم والأجر الكبير المترتب على الصيام لأن تجديد النية أمر مهم فبعض الناس تعود على الصيام ولم يستشعر الأجر والثواب المترتب على الصيام.
ففي الحديث الصحيح: «من صام رمضان إيمانا ً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه».
قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»: المراد بالإيمان: الاعتقاد بفرضية صومه. وبالاحتساب: طلب الثواب من الله تعالى.
وكذلك استشعار الفضل العظيم والأجر الكبير المترتب على القيام في هذا الشهر.
ففي الحديث: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه».
كما نستقبله بكثرة الجود وخصوصا في رمضان
فكان النبي صلى الله عليه وسلم أجود بني آدم على الإطلاق كما أنه أفضلهم وأعلمهم وأشجعهم وأكملهم في جميع الأوصاف الحميدة وكان جوده بجميع أنواع الجود من بذل العلم والمال وبذل نفسه لله تعالى في إظهار دينه وهداية عباده وإيصال النفع إليهم بكل طريق من إطعام جائعهم ووعظ جاهلهم وقضاء حوائجهم وتحمل أثقالهم ولم يزل النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الخصال الحميدة منذ نشأ ولهذا قالت له خديجة في أول مبعثه: « والله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتقري الضيف وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق» ثم تزايدت هذه الخصال فيه بعد البعثة وتضاعفت أضعافا كثيرة. وفي«الصحيحين»:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس».وكان جوده صلى الله عليه وسلم يتضاعف في شهر رمضان على غيره من الشهور كما أن جود ربه تضاعف فيه أيضا فإن الله جبله على ما يحبه من الأخلاق الكريمة وكان على ذلك من قبل البعثة.
وفي تضاعف جوده صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان بخصوصه فوائد كثيرة:
منها: شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه وفي الترمذي عن أنس مرفوعا: «أفضل الصدقة صدقة رمضان». ومنها: إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم كما أن من جهز غازيا فقد غزا ومن خلفه في أهله فقط غزا. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من فطر صائما كان له مثل أجر صومه غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء».
ومنها: أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار لا سيما في ليلة القدر والله تعالى يرحم من عباده الرحماء. فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل والجزاء من جنس العمل.
ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم :«إن في الجنة غرفا الجنة غرفا يرى ظهورها من بطونها من ظهورها قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن طيب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام” وهذه الخصال كلها تكون في رمضان فيجتمع فيه للمؤمن الصيام والقيام والصدقة وطيب الكلام فإنه ينهى فيه الصائم عن اللغو والرفث.
ومنها: أن الصيام والصلاة والصدقة توصل صاحبها إلى الله عز وجل قال بعض السلف: الصلاة توصل صاحبها إلى نصف الطريق والصيام يوصله إلى باب الملك والصدقة تأخذ بيده فتدخله على الملك.
ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تفكير الخطايا واتقاء جهنم والمباعدة عنها وخصوصا إن ضم إلى ذلك قيام الليل فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«الصيام جنة».
وكان أبوالدرداء يقول: « صلوا في ظلمة الليل ركعتين لظلمة القبور صوموا يوما شديدا حره لحر يوم النشور تصدقوا بصدقة لشر يوم عسير».
ومنها: أن الصيام لابد أن يقع فيه خلل أو نقص وتكفير الصيام للذنوب, مشروط بالتحفظ مما نبغي التحفظ منه.
ومنها: أن الصائم يدع طعامه وشرابه لله فإذا أعان الصائمين على التقوى على طعامهم وشرابهم كان بمنزلة من ترك شهوة لله وآثر بها أو واسى منها ولهذا يشرع له تفطير الصُوَّام معه إذا أفطر لأن الطعام يكون محبوباً له حينئذ فيواسي منه حتى يكون من أطعم الطعام على حبه.
قال الشافعي: أحب للرجل الزيادة في الجود في شهر رمضان اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم.

التعليقات