ما نشاهده هي تلك الصور المؤلمة للمصابين والقتلى والدمار، وقد يكون الزمان كفيل بتجاوزها ونسيانها، ومالا نشاهده ولا يمحوه الزمن هو الأثر النفسي الذي ستتركه هذه الحروب بداخل كل من عاصرها وعايش الرعب والقلق وفقد عزيز أو قريب أو منزل يستظل بظله ليجد نفسه في العراء فالسلاح الأشد فتكاً في هذه الحروب هو التدمير النفسي الذي يدمر التوازن النفسي للمدنيين وعلى وجه الخصوص الأطفال.
ولعلنا في العالم العربي لا نعطي اهتماماً كبيراً بالرعاية النفسية والوسائل المطلوبة لاحتواء ردة فعل الصدمات على الأطفال أثناء الحرب في حين أن غالبية المختصين يؤكدون أن أخطر آثار الحروب هو ما يظهر بشكل ملموس لاحقاً في جيل كامل من الأطفال سيكبر من ينجو منهم وهو يعاني من مشاكل نفسية قد تتراوح خطورتها بقدر استيعاب ووعي الأهل لكيفية مساعدة الطفل على تجاوز المشاهد التي مرت به.
الأطفال هم الضحية في الحروب البشعة! وإن لم يصابوا هؤلاء الأطفال بأي مكروه جسدي، تصيبهم التداعيات النفسية، وتؤثر عليهم! مع تصاعد وتيرة العنف ضد الاطفال في الوطن العربي في السنوات الاخيرة، بات لا ينقضي يوما واحدا دون ان نسمع عن مقتل او استهداف طفل! بات الاطفال هم الهدف وهم الضحية في الحروب البشعة، والمجازر الظالمة! وان لم يصابوا هؤلاء الاطفال باي مكروه جسدي، تصيبهم التداعيات النفسية، وتؤثر عليهم وعلى مستقبلهم وحياتهم على المدى الطويل!
حسب احصائيات منظمة الامم المتحدة، هناك حوالي 1 مليار طفل يعيشون في مناطق يتواجد فيها صراعات، ومنهم ما يقارب الـ 300 مليون طفل دون الخامسة من العمر! واوضحت منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونيسكو -UNISCO انه في عام 2013، كان هناك حوالي 28.5 مليون طفل خارج المدارس بسبب الصراعات الموجودة. وفي حالات كثيرة، لا يحصل المصابين والاطفال بشكل خاص على العلاج اللازم اثناء الصراعات والحروب، نتيجة لوجود نقص في الادوية والمستلزمات الطبية، ووجود اعداد كبيرة من المصابين والمرضى، وبالتالي عدم قدرة المراكز الصحية والمستشفيات على استيعابهم وتامين اللازم لهم.
ويجسد ما يحدث في فلسطين، وقطاع غزة بالاخص، والدول العربية الاخرى مثل سوريا، المعاناة الحقيقية للحرب على الاطفال، واستهدافهم من قبل القوة الاكثر كفاءة، ليكون الاطفال هم الضحية الكبرى، والخاسر الاكبر. فمعظم القتلى هم من الاطفال، ومعظم الجرحى من الاطفال ايضا، وما تبقى من الاطفال يواجه مشاكل نفسية كبيرة جراء الحروب والات الدمار، بجانب الاثار المترتبة على الحروب من نقص في الغذاء والماء وحتى تعطيل الدراسة. واشارت منظمة الامم المتحدة للطفولة UNICEF، عن الصراع في فلسطين واثره على الاطفال الفلسطينيين، بانه شكل اثرا وضغطا نفسيا متزايدا على جميع الاطفال في فلسطين، ومن اكثر المشاكل التي تواجههم، هي المشاكل المتعلقة بالنوم حيث يخاف الاطفال ان يناموا ليستيقظوا على اصوات الطائرات والرصاص، او على الجنود المتواجدين فوق رؤوسهم، بالاضافة الى المشاكل المرتبطة بالخوف، الخوف من الظلام الذي يخبئ فيه اشتداد الحرب وارتفاع عدد الموتى، والخوف من النوم وحدهم لئلا يكونوا وحيدين عند القصف مثلا! الخوف من الاصوات المرتفعة التي تشبه صوت القصف والرصاص والقنابل، الخوف من الحركات المفاجاة، وغيرها الكثير.
وتؤثر الحروب والتعرض لها على الاطفال بشكل خاص كثيرا، فتصيبهم اضطرابات توتر ما بعد الصدمة او بما يسمى طبيا “اضطراب الكرب التالي للرضح (Post Traumatic Stress Disorder” (PTSD” وهو ما ينتج من صدمة جراء خطر حقيقي، قد تؤدي الى حدوث هذا الاضطراب، مثل الحروب. ومن اعرضه: مشاعر وعلامات ارتباك، وحتى انقطاع عن المحيط، قلق وفزع، حزن واكتئاب، وعلامات ضغط عاطفي وسلوكي متنوع ومختلف، في حين تزداد هذه الاعراض وقد تتفاقم بعد مرور عدة ايام.
ولمساعدة الاطفال في ظل هذه الظروف:
- محاولة تهدئتهم واشعارهم بالامان والسلام.
- تعليمهم كيفية حل النزاعات التي تواجههم في حياتهم بطرق سلمية، وكيفية الصبر والتحمل.
- توفير الغذاء والشراب المناسب للاطفال والدواء عند الحاجة.
- مساعدتهم في تعلم امور وهوايات متعددة، واشغالهم بامور تفيدهم في المستقبل، وذلك من اجل ابعاد تفكيرهم عن الماضي والحروب التي واجهوها.
- تبسيط الامور التي تحدث من حولها، لكي يستطيع الاطفال استيعابها للاطمئنان.
- الاستمرار في روتين الحياة اليومي من اجل نخفيف التوتر.
- الاستماع الى الاطفال والحديث معهم عن مخاوفهم.
جمع و اعداد
د/ عبد العليم سعد سليمان دسوقي
قسم وقاية النبات – كلية الزراعة – جامعة سوهاج
رئيس فرع الاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة بمحافظة سوهاج- مصر
التعليقات