ونكمل الجزء التاسع عشر مع التفوق العلمى وأثره فى تقدم الأمم، وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم الدنيا بمن فيها إلا من انتسب لشرف العلم عالما كان أو متعلما، وما هو أفضل من أن يستغفر لك الحوت في البحر والدواب وحتى النمل تستغفر لطالب العلم؟ وما هو أفضل من أن تضع الملائكة أجنحتها لك إذا سلكت سبيلا في طلب العلم سواء كان في درس تذهب إليه أو في كتاب تشتريه لتفتحه وتقرأ فيه؟ أي فضل عظيم هو ذاك وفره الله عز وجل لطلبة العلم الشرعي الذين يتعلمون الكتاب والسنة، والأحاديث في ذلك كثيرة، ومع أن الإسلام حرم الحسد إلا أن الشارع أباحه في مجال العلم، وإن الله لم يقصر الأجر على العلماء في حياتهم بل امتد الأجر بعد موتهم.
وإلى قيام الساعة، ولأهمية العلم نجد أنه صلى الله عليه وسلم جعل فداء كل أسير من أسرى بدر ممن يحسنون فن القراءة والكتابة، أن يعلم عشرة من أبناء الصحابة, فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة، ولم يقتصر اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالحث على تعليم اللغة العربية فحسب بل أمر بتعلم اللغات الأخرى وثبت أنه أمر زيد بن ثابت بتعلم اللغة السريانية ليتولى أعمال الترجمة والرد على الرسائل، وروي أنه تعلم بأمر منه صلى الله عليه وسلم العبرية والفارسية والرومية وغيرها، فعنه رضي الله عنه قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أن أتعلم له كلمات من كتاب يهود، قال إني والله ما آمن يهود على كتابي, قال فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له, فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم, وإذا كتبوا إليه قرأت لــه كتابهم” رواه أحمد وأبو داود والحاكم والترمذى، فأصبح الفَتَى زيد بن ثابت ترجمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصبحت اللغة سلاحا له يدافع به عن الإسلام والمسلمين، وكما قيل من تعلم لغة قوم أمن مكرهم، ولم تقتصر عنايته صلى الله عليه وسلم بتعليم هذه الفنون والعلوم للرجال فحسب, إنما اعتنى أيضا بتعليم النساء العلم والكتابة، فعن الشفاء بنت عبدالله قالت “دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة، فقال لي” ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة” رواه أبوداود.
وإن إشعاعة الحياة سر من أسرار الله الخالق البارئ المصور، ولا حرج على العلم في النظر في كيفية انبثاق الحياة، بشرط أن يؤمن بالخالق والخلق أولا، ثم يبحث بجد بعد ذلك ليحقق قوله تعالى فى سورة العنكبوت “قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق” ويتفق أغلب العلماء على أن الحياة نشأت عن طريق سلسلة من التفاعلات الكيميائية، تمت تحت ظروف بيئية مغايرة تماما للظروف السائدة على الأرض اليوم، وأدت تلك الظروف إلى إنتاج تجمعات من الجزيئات العضوية، وانطلقت نماذج تلك النشأة من نظرية التطور، مترسمة هُداها في أن نمو المادة الميتة أو الجزيئات غير العضوية التي سبقت الخلايا الحية قد تأثر بالآليات التي تحكم الكائنات اليوم من التنافس.
ونسخ الجزيئات، والانتقاء الطبيعي، بمعنى آخر أنه وقع أغلب هؤلاء العلماء في تفسيرهم لنشأة الحياة في أسر نظرية دارون، فإذا بطلت النظرية بطلت معها التأويلات المنبثقة عنها، وقد سقطت النظرية فعلا، وقد تأكد فيما بعد عدم صحة هذا الفرض، وإن نهضة الأمة منوط بتربية أجيال على علم وتحمل المسئولية وما اختلت موازين الأمة، وفسد أبناؤها إلا حينما ضاع الأبناء بين أب مفرط لا يعلم عن حال أبنائه، ولا في أي مرحلة يدرسون، ولا مع من يذهبون ويجالسون، ولا عن مستواهم التحصيلي في الدراسة وبين مدرس خان الأمانة، وتهاون في واجبه، ولم يدرك مسؤوليته، فإن دور الأسرة عظيم في غرس هذه القيم في نفوس أبنائها فهم مسئولون عنهم يوم القيامة.
التعليقات