اعتادت الدول على مدار التاريخ أن تعتمد على العنصر البشري في تحقيق الأمن السيبراني، عبر جمع المعلومات وتشديد الرقابة ومطاردة التهديدات وسد الثغرات، والاستجابة لأي احتمالات بشأن وقوع حوادث سيبرانية، ولكن في العقد الأخير تطور الذكاء الاصطناعي بشكل سريع، محققاً فوائد كبيرة للدفاع السيبراني عبر أتمتة العناصر الأساسية للعمل (استخدام الحاسوب والأجهزة المعتمدة على المعالجات والبرمجيات)، وتحويله إلى عملية مبسطة ومستقلة تعمل على تسريع المعالجة وزيادة حماية الأمن القومي للدول. ومع ذلك، تواجه الدول تحديات عديدة في سعيها لتحقيق الذكاء الاصطناعي السيادي، وتشمل هذه التحديات، الحاجة إلى استثمارات ضخمة في البحث والتطوير، والنقص العالمي في المواهب والخبرات المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى ذلك يعتبر التعاون الدولي مهماً لتبادل المعرفة والخبرات، رغم أن الدول تسعى لتحقيق السيادة في هذا المجال.
وساهمت التطبيقات السيبرانية للذكاء الاصطناعي في تقديم مزايا للحكومات وقادة الأعمال، بتوفير حماية للأنظمة والمجتمعات من الخصوم السيبرانيين، بقياس مدى خطورة الهجمات الإلكترونية والتعرف على نقاط الضعف، وتعزيز الأمن والاستجابة للحوادث المحتملة، ما يساعد في اتخاذ القرار المناسب أثناء البحث والتحليل للتهديدات السيبرانية بصورة أشمل وأدق. ويدعم الذكاء الاصطناعي زيادة القدرات البشرية في مهمة الحفاظ على الأمن السيبراني في وكالات الدفاع والأمن القومي بالدول، ما يتطلب من قادة الأمن السيبراني استكشاف نطاق استخدام الذكاء الاصطناعي والتطبيقات المحتملة لهذه المهمة، التي تقضي على الأخطاء الافتراضية السلبية
وتعزز النظام الأمني وتؤسس بنية تحتية قوية لمواجهة أي أنشطة إلكترونية ضارة، بجانب تسريع التحقيقات وأتمتة آليات الاستجابة واتخاذ تدابير استباقية لحماية الأصول الرقمية من أي خطر محتمل، خاصة وأن خسائر الهجمات السيبرانية حول العالم بلغت أكثر من تريليون دولار في 2023.الأمن المجتمعي في أوروبا ـ طرق استخدام الذكاء الاصطناعي
ترتكز أسس الذكاء الاصطناعي على استيعاب كمية كبيرة من البيانات المصنفة، وتحليلها بحثاً عن الأنماط والارتباط بين بعضها البعض، للتوصل إلى تنبؤات بالحالات والاحتمالات المستقبلية، عبر استخدام التعلم الآلي والبرامج المتخصصة لكتابة وتدريب الخوارزميات، ما يسمح بتغذية روبوت الدردشة بأمثلة نصية حتى يستطيع الإجابة عن أسئلة المستخدمين وإنشاء تبادلات واقعية معهم، والتعرف على الصور وإنشاء موسيقى ووسائط أخرى متعددة واقعية.
وتتلخص خطوات عمل الذكاء الاصطناعي في خطوات أساسية هم، التعلم لإنشاء القواعد وتحويلها لمعلومات قابلة للتنفيذ وفقاً لبرمجة الذكاء الاصطناعي، والمنطق الذي يركز على اختيار الخوارزمية الصحيحة للوصول لنتيجة مرجوة، وتصحيح الذات لضبط الخوارزميات بشكل مستمر والتأكد منها لتوفر أكثر النتائج دقة، والإبداع بالاعتماد على القواعد والإحصائيات والتقنيات التكنولوجية لإنشاء وسائط متعددة جديدة. أن تطوير الذكاء الاصطناعي المحلي ليس مجرد خيار، بل ضرورة استراتيجية لضمان السيادة الرقمية للدول. “علينا التفكير في بناء نماذج تتماشى مع متطلباتنا وتُظهر قدرتنا على المنافسة عالميًا مع الحفاظ على خصوصية بياناتنا.” لم تغفل الدولة المصرية على مدار السنوات الأخيرة الماضية، هذه العبارة، التي تٌعني في مضمونها عملية حماية الأنظمة والبيانات والاتصالات والشبكات الموجودة والمتصلة بالإنترنت ضد الهجمات الرقمية، فعملت على تأسيس بنية تحتية قوية ووفق المعايير والمواصفات العالمية.
«الأمن السيبراني أصبح مهما جدا إذ تمثل الهجمات السيبرانية تهديدات للمجتمع».. بهذه الكلمات وضح الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الأهمية القصوى لتعزيز الأمن السيبراني، خلال مناقشة برنامج الحكومة الجديدة أمام اللجنة البرلمانية الخاصة بدراسة البرنامج، مؤكداً عى تعزيز جهود الرصد والاستجابة لخلق بنية تحتية رقمية آمنة، وتعزيز الدفاعات السيبرالية.
ومن ضمن الجهود العمل على تدريب الكوادر البشرية ورفع الوعي عند المواطن المصري، وتعزيز التعاون مع الدول الصديقة في الأمن السيبراني، وتعزيز القوى الناعمة لمصر من خلال الاعتماد على الوسائل الرقمية.
مسارات تعزيز الأمن السيبراني
عززت مصر من الأمن السيبراني وفق 3 مسارات مُهمة، الأول مسار البنية التحتية، التي تمثل في إنشاءات ضخمة، على سبيل المثال وليس الحصر، مركز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية «P1»، الذي يعتبر أحد المشروعات القومية الكبرى التي نفذتها الدولة، لتمثل «عقل إلكتروني» للدولة المصرية.
وفق البيانات الرسمية المُعلنة سابقاً، يتيح المركز تجميع وتخزين واسترجاع وتحليل مختلف المعلومات الخاصة بالجهات الحكومية، مع تحليلها، فضلاً عن تحليل إدارة الدولة للأزمات المختلفة، للوقوف على النقاط المطلوب التركيز عليها.
ضمن المسار الأول، إنشاء مدير مركز التحكم والسيطرة والدعم الفني بالحي الحكومي بالعاصمة الإدارية الجديدة وفق أعلى المعايير القياسية، بما يُتيح بنية تكنولوجية تمنع دخول أي جهاز أو معدة أو مستخدم دون أن يكون مسموحًا له بذلك مسبقًا، وعملت على ربط الوزارات والجهات الحكومية بمركز البيانات الرئيسي للدولة، لتلقي الخدمات التكنولوجية والعمل على التطبيقات التشاركية والتخصصية.
برامج متخصصة
المسار الثاني الذي انتهجته الدولة، هو توفير برامج متخصصة في الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، كلية علوم الحاسب بجامعة مصر للمعلوماتية، والتي تتيح لطلابها دراسة العلوم الحديثة، مثل علوم الحاسب، والأمن السيبراني، والرسم بالحاسب والذكاء الاصطناعي.
برنامج الأمن السيبراني بالكلية يعتبر جزءً لا يتجزأ من أي معلوماتية رقمية أو شبكة أو سيستم، والذي يؤهل الطلاب على كيفية تحقيق الأمان الكامل لأي نظام أو شبكة، ضمن المسار الثاني، توفير عدد كبير من البرامج المتخصصة في الجامعات الأهلية، ففي جامعة أسيوط الأهلية توجد كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي التي تضمن برامج متنوعة مثل علوم الحاسب ونظم المعلومات والذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، وفق وزارة التعليم العالي، وكلية الهندسة ببرنامج «هندسة الذكاء الاصطناعي» بجامعة الإسماعيلية الجديدة الأهلية.
جامعات متخصصة
كما أنشأت الدولة جامعة الإسكندرية الأهلية، وبها كلية علوم الحاسب والبيانات وتوفر برنامجي «الأمن السيبراني، الأنظمة الذكية»، وجامعة بني سويف الأهلية والتي تضمن كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي وبها برامج «الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، هندسة الأمن السيبراني».
جاء المسار الثالث الذي انتهجته الدولة، هو التحول الرقمي والتوسع فيه لتيسير الخدمات رقمياً، الأمر الذي استلزم تدريب الكوادر البشرية على أعلى مستوى، أهمية التحول السحابي وبناء السحابة الوطنية حيث توفر مميزات أمنية تساعد الشركات على الامتثال للوائح ومعايير الأمن السيبراني الوطنية فضلاً عن توفيرها لمجموعة من المميزات الأخرى كإدارة الوصول والتشفير والمراقبة والاستجابة والنسخ الاحتياطية كما يتضمن التحول السحابي توفر الخدمة بشكل دائم مع توفير الكثير من الوقت والمال والمميزات الأمنية الجاهزة للاستخدام.
أن مفهوم البصمة الرقمية هو السلوك الذي يمكن تتبعه في العالم الرقمي بما في ذلك المحتوى الذي نقوم بنشره ويمكن أن نقول إنه الأثر الذي نتركه عند استخدام الفضاء الإلكتروني وهناك أنواع للبصمة الرقمية منها البصمة النشطة والبصمة السلبية والبصمة الشخصية والبصمة المهنية. و أن البصمة الرقمية تكون بإنشاء بريد إلكتروني أو حساب على مواقع التواصل أو تصفح المواقع الإلكترونية أو التسوق أو التسجيل في التطبيقات وغيرها من الأنشطة على شبكة الإنترنت مؤكدا أهمية التحكم بالبصمة الرقمية حيث يمكن للتقنيات الحديثة مشاركة المعلومات مع شرائح واسعة من المجتمع ومتابعة كافة نشاطات الأفراد ومن هنا يجب على الأفراد حماية بصمتهم الرقمية وإدراك الانطباع الذي يتركونه عند الآخرين في العالم الرقمي.
—
التعليقات