الإثنين - الموافق 23 ديسمبر 2024م

((البــــلاء سُنَّة الله الجارية في خلقه)) أعده وكتبه/الشيخ/طه أبو بكر طه عبدالمعطي

فهناك من يُبتلى بنقمة أو مرض أو ضيق في الرزق أو حتى بنعمة .. فقد قضى الله عزَّ وجلَّ على كل إنسان نصيبه من البــــلاء؛ قال تعالى {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 2,3] .. فمنهم من سيفهم حكمة الله تعالى في ابتلاءه، فيهون عليه الأمر .. ومنهم من سيجزع ويتسخَّط، فيزداد الأمر سوءًا عليه ..

يذكر الإمام ابن القيم رحمه الله
((الأسباب المعينة على الصبر على البلاء.))..
“فهذه الأسباب ونحوها تثمرُ الصبرَ على البلاء؛ فإن قويت أثمرت الرضا والشكر؛ فنسأل الله أن يسترنا بعافيته، ولا يفضحنا بابتلائه، بمنّه وكرمه
((قال رحمه الله تعالي))
أحدها: شهودُ جزائِها وثوابها.
الثاني: شهودُ تكفيرها للسيئات ومَحْوِهَا لها.
الثالث: شهودُ القَدَرِ السابق الجاري بها وأنها مقدَّرةٌ في أمِّ الكتاب قبل أن يُخْلَقَ؛ فلا بدَّ منها؛ فجزَعُه لا يزيده إلا بلاء.
الرابع: شهودُه حقَّ الله عليه في تلك البلوى، وواجبَه فيها الصبر بلا خلاف بين الأمة، أو الصبر والرضا على أحد القولين؛ فهو مأمور بأداء حقِّ الله وعبوديته عليه في تلك البلوى؛ فلا بد له منه وإلا تضاعفت عليه.
الخامس: شهود ترتّبها عليه بذنبه؛ كما قالَ الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى من الآية:30] فهذا عامٌّ في كل مصيبة دقيقةٍ وجليلة؛ فيشْغَلُه شهودَ هذا السببِ بالاستغفارِ .
السادس: أن يعلمَ أن الله قد ارتضاها له واختارها وقسَمَها، وأنَّ العبودية تقتضي رضاه بما رَضِيَ له به سيده ومولاه؛ فإن لم يوفِ قدْرَ المقَامِ حقَّه فهو لضَعْفِهِ؛ فلينزلْ إلى مقامِ الصبر عليها؛ فإن نزلَ عنه نزلَ إلى مقامِ الظلم وتعدِّي الحقّ.

السابع: أن يعلمَ أن هذه المصيبة هي داءِ نافع ساقَه إليه الطبيبُ العليم بمصلحته الرحيم به؛ فليصبرْ على تجرُّعِه ولا يتقيَّأه بتسخُّطِه وشكْوَاه فيذهبُ نفْعُه باطلًا.
الثامن: أن يعلم أن في عُقْبَى هذا الدواء من الشفاء والعافية والصحة وزوال الألم ما لم تحصل بدونه؛ فإذا طالعتْ نفسُه كراهةَ هذا الدواءِ ومرارَتَه؛ فلينظرْ إلى عاقبته وحُسْنِ تأثيره، قال تعالى: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة من الآية:216]، وقال الله تعالى: {فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّـهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء من الآية:19]،ِالتاسع: أن يعلمَ أن المصيبةَ ما جاءَتْ لتهلِكَه وتقتُلَه، وإنما جاءت لِتَمْتَحِنَ صبْرَه وتبْتَلِيَه؛ فيتبيّن حينئذ هل يصلح لاستخدامه؟ وجعْلِه من أوليائه وحزبه أم لا؟

العاشر: أن يعلم أن الله يربّي عبدَه على السراء والضراء والنعمة والبلاء؛ فيستخرج منه عبوديَّته في جميع الأحوال؛ فإن العبدَ على الحقيقة من قام بعبودية الله على اختلاف الأحوال، وأما عبدُ السرَّاء والعافيةِ الذي يعبد الله على حرفٍ؛ فإن أصابه خير اطمأنَّ به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه؛ فليس من عبيده الذين اختارهم لعبوديته؛
فهذه الأسباب ونحوها تثمرُ الصبرَ على البلاء؛ فإن قويت أثمرت الرضا والشكر؛ فنسأل الله أن يسترنا بعافيته، ولا يفضحنا بابتلائه، بمنّه وكرمه”.
((اعلم إنك لن تتحصل على الصبر إلا بالتدريب ))
. قال رسول الله “.. من يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء هو خير وأوسع من الصبر” [متفق عليه] .. وعلى قدر استعدادك، يكن صبرك على المشاكل والابتلاءات التي تعتريك في الطريق ..
فعليك أن تستعد بأخذ الأسباب وخطوات التصبر التالية؛ حنى يهون عليك البلاء وتنال عظيم الثواب:
أولاً: معرفة الحكمة من البـــلاء .. فالله سبحانه وتعالى يبتلي ليُهذب لا ليُعذب .. فعليك أن تفهم لماذا يبتليك الله تعالى ..

1) البلاء في حق المؤمن كفارة وطهور .. فقد نُبتلي بذنوبنا ومعاصينا؛ كي يُكفِّرها الله عزَّ وجلَّ عنا فلا نقابله بها، ويوم القيامة ستتمنى لو أنه قد أعطاك المزيد من الابتلاءات في الدنيـــا ..
عن النبي قال “ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه” [متفق عليه] ..
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله يقول “ما ابتلى الله عبدًا ببلاء وهو على طريقة يكرهها، إلا جعل الله ذلك البلاء كفارة وطهورا ما لم ينزل ما أصابه من البلاء بغير الله عزَّ وجلَّ أو يدعو غير الله في كشفه” [رواه ابن أبي الدنيا وحسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (3401)]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله “ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة” [رواه الترمذي وصححه الألباني، صحيح الجامع (5815)]

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك