كتبت: هند درويش
الطبيعة هي المعلم الأول للإنسان، ومعظم الاختراعات هي في أصلها تقليداً لها. واليوم يعود العلماء لاستلهامها في ابتكاراتهم بعد عقود من العزوف عنها، وربما نسي الإنسان أن الاختراعات الحديثة هي في أصلها مستمدة من الطبيعة ، البيوميماتيك biomimetic” أو علم “محاكاة الطبيعة: هو العلم الجديد الذي يدرس النماذج الطبيعة وعملياتها ومن ثم يستلهم منها لحل مشاكل البشرية.
نماذج من محاكاة الطبيعة :
– الخلايا الشمسية مستوحاة من أوراق الشجر.
– استشعار الحرائق بتقليد طريقة إحدى أنواع الخنافس.
– تقنيّة تجنب حوادث السيارات مستوحاة من الجَراد.
– عصا للمكفوفين مستلهمة من الوطواط.
– حسّاسات لتحديد مصدر التلوث الكيميائي في الماء مستلهمة من الكركند.
– جهاز استقبال أخبار الفيضانات والزلازل لقد استنبطوه من اعضاء سمكة قنديل البحر وهى شديدة الحساسية حتى لتحس بالذبذبات تحت الصوتية.
– طائرات وقوارب تستخدم تقنيّات منخفضة السحب لتوفير الطاقة بتقليد بعض أنواع الطيور والأسماك.
– مقدمة قطار ياباني سريع و هادئ استُلهِم تصميمها من منقار طائر الرفراف.
– تصميم لسيارة Mercedes Benz تصل الى 70 ميل للغالون الواحد مستَلهَم من شكل سمكة Boxfish
– صنع كاميرات معقدة استوحيت فكرته من عيون الحشرات بنظام يشمل مجموعة من العدسات الصغيرة، المطاطية مع سيليكون. هذه المكونات تشكل كاميرا رقمية تحقق رؤية بانوارمية.
فالتفكر في الطبيعة التي هي من صنع الله ” صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ” [النمل: 88]. يساعد في بناء العقل المفكر المبدع الذي يستطيع الكشف عن السنن الكونية، فالاكتشافات العلمية في الحضارة الإسلامية قامت على أساس التفكر في الطبيعة وتسخيرها في خدمة الإنسان امتثالاً لقوله تعالى ” وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” [الجاثية: 13].
وفي الوقت الذي توصل الفكر الإسلامي إلى كشوف عظيمة الجدوى في علوم الرياضة والطبيعة والفلك، الذي كان يمنح للمسلم حرية الفكر والبحث، كانت أوربا ترهب كل من يحمل فكرا جديدا ومثال على ذلك العالم الشهير ” جاليليو ” الذي عوقب بالقتل لأنه اعتقد دوران الأرض حول الشمس، وحبس ” دى رومنس ” في روما حتى مات لأنه قال إن ” قوس قزح ” ليس قوساً حربية بيد الله ينتقم بها من عباده إذا أراد، بل هي من انعكاس ضوء الشمس في نقاط الماء، والذي حمى المجتمع الإسلامي من الوقوع في هذه الشانئة يعود الفضل إلى القرآن الكريم الذي ربط الإنسان بالكون ،حيث جعل الإيمان نتيجة التأمل في آفاقه (محمد الغزالي، الإسلام والطاقات المعطلة).
ويعد العالم الشهير الحسن ابن الهيثم أول من اخترع آلة التصوير (الكاميرا )، من خلال التفكر في ميكانيكية العين البشرية، ويعتبر عباس بن فرناس أول مخترع للطيران، فلقد استطاع أن يصنع أول طائرة تطير في الهواء محاكاة للطيور ، وله يعود الفضل في تقدم علوم الفضاء حتى تمكن ” الأخوان رايت ” من الطيران بواسطة الطيران الآلي سنة 1903.
ومن المستشرقين من يرى من خلال تحليلهم للعصر الذهبي للحضارة الإسلامية، أنه توجد سمة مشتركة بين علماء هذا العصر ألا وهى التفكر في الكون واستنباط السنن الكونية، وفي ذلك تقول المستشرقة الالمانية زيغريد هونكه أن ” سر تقدم العلوم في العصور الإسلامية الأولى اتباع العلماء المسلمين لنهج سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ” ؛ قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(آل عمران: 190-191).
ولقد اعترف بذلك مؤرخو العلم والحضارة من أمثال بريفولت وجورج سارتون وغيرهم، إن الارتباط بين مداومة الفكر في كون الله الواسع كعبادة راقية وبين تقدم العلم، أمر يؤكده تاريخ تقدم العلم التجريبي للأمة الإسلامية، ولا صلاح ولا سعادة للبشرية إلا إذا أقامت نهضاتها بجناحين متوازنين بين الجهد البشرى العلمي وهدى السماء (مالك البدري، 1981).
لذا نناشد القائمين على العملية التعليمية، بضرورة الاستفادة من علم محاكاة الطبيعة واضافته ضمن المناهج الدراسية لجميع المراحل التعليمية، مما يحفز القدرة على الإبداع لدى التلاميذ في سن مبكر، والتقليل من الحشو الزائد للمناهج الدراسية التي تقتل روح الإبداع لدى التلاميذ تدريجيا، ويتحول إلي مجرد متلقي للمعرفة ولا يستطيع الأتيان بجديد.
المراجع :
– زيغريد هونكه، شمس العرب تسطع على الغرب، 1993.
– محمد الغزالي، الإسلام والطاقات المعطلة، 2005.
– http://www.dw.com/
– https://asknature.org/
التعليقات