تتقدم الأمم والحضارات والمجتمعات من مرحلة إلى مرحلة أكثر تطوراً على الأقل في جانبه التقني والعُمراني والثقافي، وتظل هذه الثّقافة فيها شيء من التجديد ونحن لو تقصّينا مراحل التطور في عالمنا العربي ومنها منطقة الخليج سوف نرى عجباً ..! تطوارات أثر تطورات، ولكن يظل هُناك شيء مُشابه يتعلّق باللغة والدين والعادات والتقاليد، والذي نريد التركيز عليه هنا بشكل مُحدّد ومُكثّف هو العادات والتقاليد التي تمايز بعض الشعوب دون الشعوب الأخرى وهي أشبه بمقياس دقيق يقيس مستوى التطور لأي مجتمع، بل وتُمثّل نَسَقَاً واضحاً يُبرز مصدره وحقيقته . وقد رَصدْتُ الكثير من العادات والتقاليد العربية، سواءً الإيجابية أو السلبية، ولكنني ارتأينا أن نبرز الجانب السلبي لها لخطورتها وتأثيرها على فكر ومزاج الإنسان العربي، ومن هذه العادات عادة إشكالية التصنيفبكل أشكالها ومستوياتها الثقافية والفكرية والقَبَلِيَّة والفِئَويَّة والطبقية والعِرْقيَّة، ولكن أكثرها كارثيّة هي التصنيفات الطائفيّة والعَقَديَّة والتي تُعْتَبر التحدي الأكبر الذي يضع العالم العربي على فوّهة بُرْكان يغلي، قد تحْرقُ حِمَمُهُ الطائفية المُسْتعرة كل تاريخ وحضارة، بل ووجود هذا العالم الذي يمر بظروف استثنائية خطيرة لا مثيل لها خلال مسيرته الطويلة، هذه العادة التصنيفية قد تُدخلنا في مَعْمَعة الأسئلة! لماذا التركيز على هذا التصنيف في هذا الوقت؟، حتى الأطفال في المدارس يسألون عن أشياء وأشياء تتعلق بخصوصيَّة الآخر معتقده وأصله وفصله..!!، والمتفحّص للمشاركات على وسائل التواصل الاجتماعي يرى العجب العُجاب، مُشاركات تنحو منحى التصنيفات لدرجة تهميش وتكفير وحتى تفجير الآخر ..!هكذا يتم تصنيفك علماني أو ليبرالي أو ……الخ، لأنّك تقول شيئاً لا يوافق ما يريدون، والأدهى أنه يردّد أقوالاً وأقوالاً دون وعي فكري أو قاعدة علمية رصينة، والذي يرجع إلى عشرين سنة أو ثلاثين سنة الماضية أو ألف سنة من تاريخ سحيق، فيه الكثير من الأقوال والقصص والأحداث التي أحياناً تعجز العقول على تقبّلها كماضٍ ..!! وإذا رجعنا إلى سنوات ماضيات إلى الوراء قليلاً وتحديداً إلى الأحياء “والفرجان” القديمة كانيتعايش فيه الكثيرون والمختلفون في بعض الأشياء، اللون والقبيلة والمذهب ولكنهم أسرة واحدة يحبّون بعضهم البعض ويبعدون عن التصنيف المُقيت، لهذا كان مجتمعاً جميلاً ومازالت ذكرياته تستلهم الكثيرين، لأن التعايش السلمي والتسامح وتقبّل الآخر قيم إنسانية عُليا، والاختلاف شيء طبيعي تراه في جميع الكائنات بشراً، حيواناً، جماداً، .. فهذا الاختلاف وُجد لأن الله ربّ العزّ’ والجلالة هو الخالق الفرد الصمد ، فالأسود ما دَخْلُهُ في لونه ، والأصفر والأبيض .. وهلمّ جراً .. فثقافة إحترام الآخر وخصوصيته مسؤولية البيت والمدرسة والمجتمع لزرع ثقافة راقية أن الإنسان -أي الإنسان- لا يحقّ له بأي حالٍ من الأحوال تصنيف الآخرين على هواه وما يُريد لأن حريّته تقف عند التعدّي على حريّات وخصوصيّات الآخرين لأنهم القانون والحق والعدالة معهم دوماً …
طالب غلوم طالب
25/10/2016م
التعليقات