السبت - الموافق 22 فبراير 2025م

التضخم هزم هاريس ..بقلم الدكتور عادل عامر

عوامل عدة وراء خسارة كامالا هاريس، ومنها أهمية مسألتي الهجرة والتضخم، وتأييد رجال بيض أو سود أو من أميركا اللاتينية لترمب، ودخولها المتأخر السباق الانتخابي، وعدم النأي بنفسها بما فيه الكفاية من جو بايدن، وفي ما يأتي أبرز الأسباب التي قد تفسر هزيمتها. وبشكل عام، لا يدرك الأشخاص الذين يقولون مثل هذه الأشياء كيف يعمل مكتب إحصاءات العمل على جمع بيانات الأسعار ومدى صعوبة تزوير الأرقام. ولكن إلى جانب ذلك، هناك العديد من المصادر المستقلة للأدلة على التضخم، وكلها تؤكد في الأساس صورة رحلة ذهاب وعودة كاملة (ارتفاع التضخم ثم انخفاضه) إلى حد ما.

ومن بين المفسدين الرئيسيين الآخرين للاحتفال بتراجع التضخم أولئك الذين يقولون إن انخفاض التضخم لا يكفي، بل يتعين علينا أن نعيد مستوى الأسعار إلى ما كان عليه في الماضي. وكمثل العديد من خبراء الاقتصاد، حاولت دون جدوى أن أزعم أن هذه فكرة سيئة حقاً. ولكن دعوني أحاول مرة أخرى، بالحديث عن الأجور. منذ عام 2019، وهو العام الذي يستشهد به الناس عادة عندما يقولون إن الأمور كانت أفضل في الماضي، ارتفعت أسعار المستهلك بنسبة 22.6%، وهو ما أثار انزعاج كثيرين. ولكن متوسط الأجور بالساعة ارتفع بنسبة 25.3%، في حين ارتفعت أجور العمال غير المشرفين (الموظفون الذين لا يتحملون مسؤوليات إدارية أو إشرافية في وظائفهم) بنسبة 28.2%. وإذا كنت تريد أن ترى الأسعار تنخفض بشكل كبير، فهل أيضا تؤيد انخفاض الأجور بشكل كبير؟ وإذا لم تكن تؤيد، فكيف تعتقد أن من الممكن إحداث انخفاض كبير في الأسعار من المستويات الحالية؟

التضخم

أولى كبير المسؤولين عن الحملة الانتخابية لبيل كلينتون، جيم كارفيل، أهمية مطلقة لمسألة الاقتصاد، مما سمح في رأيه بفوز المرشح الديمقراطي عام 1992، وبعد 30 عاماً على رئاسة كلينتون ارتدت مشكلات التضخم بعد جائحة “كوفيد-19″، وارتفاع أسعار الوقود والمنتجات الأولية سلباً على حملة هاريس وولاية بايدن، في حين ما انفك الجمهوري دونالد ترمب خلال حملته يتعهد بحلها.

ولفت الخبير الاقتصادي في “أكسفورد إيكونوميكس” برنارد ياروس إلى أن مسألة “التضخم أدت دوراً بارزاً حتى لو سجل بعض التباطؤ، إذ يبدو أن ذلك لم ينعكس إيجاباً على الحزب الحاكم”.

الهجرة

وواظب الرئيس المنتخب طوال حملته الانتخابية على التنديد بالهجرة غير النظامية لملايين المجرمين، متعهداً بطردهم بأعداد كبيرة. ولا شك في أن هذه السردية لقيت آذاناً صاغية في أوساط قاعدته الانتخابية التي اتسع نطاقها، ورأى الأستاذ المحاضر في الحقوق في جامعة ريتشموند كارل توبياس أن “مسألة الهجرة كانت من دون شك عاملاً حاسماً لفوز ترمب، وهو موضوع يشدد عليه منذ عام 2016 مع خطابات عن الجدار الحدودي والاجتياح والتهديدات المحدقة بالعمالة الأميركية”، وقد وجه سهامه مباشرة إلى كامالا هاريس التي كانت مكلفة سياسة الهجرة في البلد بصفتها نائبة الرئيس الأميركي.

السود واللاتينيون

وأظهر استطلاعان للرأي أجريا بعد خروج الناخبين من مراكز الاقتراع بمبادرة من مركز “إديسون” البحثي و”سي إن إن”، أن دعم الأميركيين من أصول أفريقية لترمب ازداد من ثمانية إلى 13 في المئة بين عامي 2020 و2024، وفي أوسط الأميركيين من أصول أميركية لاتينية ارتفع من 32 إلى 45 في المئة، في مؤشر خطر إلى الديموغرافيا المتغيرة للقاعدة الانتخابية للديموقراطيين. وأورد الأستاذ المحاضر في جامعة كاليفورنيا الجنوبية روبرتو سورو “لاحظنا فعلاً في أوساط الأميركيين من أصول مكسيكية (المسيحيون) والإنجيليين غير الحائزين شهادات جامعية، والمنتمين إلى الطبقة العاملة، ميولاً مطردة نحو ترمب في كل استحقاق انتخابي تلو آخر”، وخصوصاً أنهم من المحافظين تقليداً في المسائل الاجتماعية.

تتمثل إحدى العقبات المهمة التي تواجهها هاريس في ارتباط التضخم بالإدارة الحالية، ورغم أنها لا تدير السياسة الاقتصادية بشكل مباشر، فإن القرب من الرئيس بايدن يعني أنها تتقاسم المسؤولية في نظر الجمهور.

ويميل الناخبون إلى ربط التضخم بالقيادة الحالية، حتى عندما تكون العوامل العالمية، مثل اضطرابات سلسلة التوريد ونقص الطاقة، وعدم السيطرة على المشهد العالمي.

تُظهِر استطلاعات الرأي أن التضخم يُصنَّف باستمرار باعتباره مصدر قلق كبير بين الناخبين، وخاصة بين أولئك من الأسر ذات الدخل المتوسط، الذين غالبًا ما يتحملون وطأة ارتفاع الأسعار. كلما طال أمد التضخم، كلما أصبح من الصعب على هاريس أن تنأى بنفسها عنه.

لقد بدأ الجمهوريون بالفعل في استخدام التضخم باعتباره النتيجة المباشرة لسياسات إدارة بايدن، مثل حزم التحفيز والمبادرات المالية الأخرى المصممة لمكافحة التأثيرات الاقتصادية لكوفيد-19، ويتردد صدى هذا السرد، سواء كان دقيقًا تمامًا أم لا، لدى العديد من الناخبين الذين يشعرون بالضائقة الاقتصادية. في حين اتخذت إدارة بايدن خطوات لمكافحة التضخم، بما في ذلك السماح لمجلس الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة بقوة، فإن التصور العام يتخلف عن التدابير السياسية الفعلية. غالبًا ما يكون التعافي الاقتصادي عملية بطيئة ومعقدة، ويسعى الناخبون عمومًا إلى نتائج فورية، قد تجد هاريس نفسها في موقف صعب.

قد لا يخفف التركيز الذي توليه الإدارة على استثمارات البنية التحتية ومشاريع الطاقة الخضراء، في حين أنها حلول طويلة الأجل للتحديات الاقتصادية، من الضغوط الفورية للتضخم. قد تؤدي هذه المبادرات حتى إلى ارتفاع التكاليف في الأمد القريب، حيث تتكيف القطاعات مع اللوائح الجديدة والتحولات في إنتاج الطاقة.

ثبتت صحة كل التكهنات والاستطلاعات التي أشارت على مدى الأشهر الماضية إلى أن انتخابات الرئاسة الأميركية ستحسمها الولايات المتأرجحة. ورغم أنها كانت حذرة جداً في تأكيد من الذي سيفوز: دونالد ترمب أم كمالا هاريس، فإن كثيراً من الخبراء عدّ الأمر مؤشراً على أن ترمب قد يكون في طريقه لتحقيق الفوز، في ظل عجز هاريس عن إحداث اختراق حقيقي في استطلاعات الرأي يكسر على الأقل هامش الخطأ الذي كان يلغي عملياً صعود أرقامها وهبوطها.

وعلى ما يبدو أن وعد ترامب لقي صدىً، فقد شهدت الولايات التي حقق فيها ترامب أكبر قدر من التحسن في نسبته من التصويت بعضاً من أكبر الانخفاضات في الأجور الحقيقية خلال عهد بايدن. فالزيادات الاسمية للأجور تآكلت مع ارتفاع تكاليف المعيشة في هذه الولايات.

كان ارتفاع التضخم خلال العامين الأولين من ولاية الرئيس جو بايدن سبباً في تقليص شعبيته بشكل كبير، وربما كانت ذكرى تلك الحلقة التضخمية هي السبب الرئيسي وراء إظهار استطلاعات الرأي، على الأقل حتى وقت قريب، لتفوق دونالد ترامب فيما يتعلق بالاقتصاد. لكن أحدث استطلاعات الرأي التي رأيتها تُظهر أن هذه الميزة تقلصت بشكل كبير، بل إن هناك مسحين، أحدهما أجرته صحيفة فاينانشال تايمز والمسح المنتظم لميول المستهلكين في ميتشيجان، يظهران أن نائبة الرئيس كامالا هاريس أكثر ثقة إلى حد ما من ترامب في إدارة الاقتصاد في المستقبل. يعكس بعض هذا بالتأكيد انسحاب بايدن من السباق الرئاسي، فعلى الرغم من كونها جزءاً من فريقه، فقد لا تحمل هاريس بعض أعباء التضخم.

ولكن من الصحيح أيضا، كما أكد بايدن في خطابه في المؤتمر ليلة الاثنين، أن التضخم انخفض كثيراً – وقد بدأ الناخبون أخيرا في ملاحظة ذلك. كان التغيير على مدى العامين الماضيين مذهلاً. فقد بلغ تضخم أسعار المستهلك ذروته عند 9%، وهو الآن أقل من 3%. ويمكن القول إن صورة التضخم الحقيقية أفضل. إذ أن أرقام التضخم في الولايات المتحدة تضع ثقلاً كبيراً على سعر لا يدفعه أحد وهو الإيجار المقدر على المساكن المملوكة (الإيجار الذي قد يتلقاه مالك المنزل إذا كان سيؤجر منزله، أو بدلاً من ذلك، الإيجار الذي سيدفعه إذا استأجر منزلا)، والذي يتخلف كثيراً عن أسعار الإيجار في السوق من بين أمور أخرى. وإذا قسنا التضخم بالطريقة التي تتبعها البلدان الأخرى، فبدون هذه الطريقة في الحساب، فإننا نصل إلى مستوى التضخم قبل الجائحة. لذا فقد قمنا في الأساس برحلة ذهاب وعودة كاملة بشأن التضخم (ارتفاعه ثم انخفاضه). ولكن ما الذي أدى إلى انخفاضه؟ قبل أن أفسر ذلك، دعونا نتحدث عن نوعين من الناس الذين يرفضون الاعتراف بهذه الأخبار الطيبة. أولاً، هناك من يزعمون أن الأرقام الرسمية لا يمكن الوثوق بها، وأن التضخم ليس في انخفاض حقيقي.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك