الأربعاء - الموافق 03 يوليو 2024م

الجوانب القانونية للوظيفة العامة الدولية …بقلم الدكتور عادل عامر

أن نظام الحماية القضائية للموظفين الدوليين بصورته الراهنة تعيقه عوامل عدة عن تطوره وتحقيق أهدافه, لعل أبرزها تلك المتعلقة بنطاقه الذي تسعى القواعد التي تضعها هذه المنظمات إلى حصره من حيث الأشخاص والموضوع والزمن.

علاوة على ذلك العائق المتمثل باعتبار أن القانون والقضاء الإداري الدولي يُعدان فرعين للقانون والقضاء الدولي التقليدي فيما بين الدول , ومن ثم محاولة تطبيق القواعد السارية في المحيط الدولي بشأنهما وإغفال حقيقة علاقتهما الوثيقة بالقانون والقضاء الداخلي للدول.

وهي العلاقة التي تتمثل بشدة تشابههما لدرجة التماثل, وتُفسِر ذلك حقيقة أن غالبية القواعد الحالية لنظام الحماية القضائية الدولية إنما هي مستقاة من نظيره لدى الأنظمة الداخلية للدول.

إن حاجة المجتمع الدولي إلى الهيئات والمنظمات الدولية كأشخاص قانونية معنوية تساهم إلى جانب الدول والفاعلين الدوليين في مباشرة وإدارة العلاقات الدولية بهدف حفظ النظام العام الدولي وتحقيق المصلحة العامة على ضوء الشرعية الدولية، قد أوجد الموظف الدولي الذي تباشر الإدارة الدولية من خلاله مهامها المناطة بها وفقا لقانونها الأساسي وتدير به أجهزتها الرئيسية والفرعية،

وبالنظر لطبيعة وأهمية الوظيفة التي يؤديها هذا الموظف وخصوصيتها واحتمالية تعسف الإدارة الدولية في حقوق الموظف الدولي عند مباشرة الوظيفة،

فإننا نتساءل عن الحماية القانونية التي يمنحها القانون الأساسي لموظفي الأمم المتحدة للموظف داخل الهيئات والمنظمات الدولية الأممية بمناسبة تأديته لمهامه الوظيفية؟

أن فكرة الموظف الدولي بدأت في الظهور على الساحة الدولية مع بزوغ فكرة استعانة الدول بالطاقة البشرية لتنظم اجتماعات ومؤتمرات دولية، بغرض بحث مسألة تحقق مصلحة دولية مشتركة، وتبلورت تلك الفكرة وتطورت في صورة أكثر تنظيما لتكون لها خصوصيتها تتمتع فيها الوظيفة الدولية بالأهمية البالغة.

يعد الموظف الدولي الشريان الرئيسي الذي تعمل المنظمة الدولية من خلاله على تحقيق أهدافها والاضطلاع بمسؤولياتها. وعليه يتوقف مدى نجاح تلك المنظمة بالوصول للهدف المنشئة لأجله. وقد اختلف الفقهاء في وضع تعريف محدد للموظف الدولي إذ يرى اغلبهم ان مصطلح الموظف الدولي لا يصدق على كافة العاملين في المنظمات الدولية، لصعوبة أدراج جميع العاملين تحت هذا المصطلح. وبهذا يتميز عما يشتبه به كالمستخدم الدولي وممثلي الدول الأعضاء. ولإضفاء صفة الموظف الدولي على العامل في المنظمة الدولية

لابد أن يخضع لنظام قانوني دولي، وان ينفذ تعليمات المنظمة وليس لأي جهة أخرى حق في توجيهه في عمله وان يعمل بصفة دائمة ومستمرة، وان التطور الذي حصل في ازدياد عدد الموظفين الدوليين وتنوع مهامهم وتعدد الأنشطة التي تقوم بها المنظمات جعل من تكييف تلك العلاقة محط أنظار الفقه والقضاء الدولي وقد اختلف بشأن تكييفها إلى ثلاثة اتجاهات الأول يقول ان العلاقة تعاقدية والثاني يرى أنها تنظيمية أما الثالث فيعتقد أنها علاقة ذات طبيعة مزدوجة عقدية وتنظيمية ولكل منهم حججهم وأراءهم ما بين مؤيد ومعارض لتلك النظريات.

المنظمة الدولية تتمتع بإرادة مستقلة ومتميزة عن إرادة الدول الأعضاء فيها إلا أنها لا تستطيع ان تعبر عن تلك الإرادة إلا من خلال العاملين فيها من الموظفين الدوليين، إذ يعملون باسم المنظمة ولحسابها وفق تعليمات الأجهزة التابعين لها. وتتنوع فئات الموظفين من فنيين وإداريين وخبراء يعملون أما بصفة دائمة أو مؤقتة. ويعد الموظف الدولي الأداة الرئيسية للمنظمة المسؤول عن تحقيق أهدافها. إذ اتسعت تلك الأهداف وتنوعت لتشمل كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية فضلاً عن أهدافها السياسية.

تنشأ المنظمة الدولية ولها أهداف تسعى إلى تحقيقها من خلال تنفيذ أنشطتها فتستعين لهذا الغرض بمجموعة من الأشخاص الطبيعيين يطلق عليهم وصف الموظفين الدوليين الذين يؤدون مهام وإعمال وظيفية مختلفة في شتى المجالات من اجل تسيير الإعمال اليومية للمنظمة ونظراً

لأهمية الدور الذي يلعبه هؤلاء كان لابد من تعريفهم أولاً وتمييزهم عن غيرهم مما يشتبه بهم ثانياً كالمستخدم الدولي ومندوبو الدول الأعضاء في المنظمات الدولية فهؤلاء يؤدون مهام معينة أيضا في داخل المنظمة الدولية، كما وجدنا أن من المهم أن نميز بين الموظف الدولي والموظف في القانون الداخلي.

لم يكن للقضاء الدولي قبل قيام منظمة الأمم المتحدة أي رأي بشأن المفهوم القانوني للموظف الدولي، وسبب ذلك واضح لأنه لم تعرض أي مسألة بشأن موظفي المنظمات الدولية على الجهاز القضائي لعصبة الأمم المتمثلة بالمحكمة الإدارية التي تنظر في منازعات العصبة مع موظفيها. فلذلك لم نجد لها أي رأي بشأن تحديد مصطلح الموظف الدولي ونرجع ذلك أما لقلة ممارستها في مجال منازعات الموظفين الدوليين، أو يكون السبب عدم وجود قضية معروضة إمامها تستدعي منها بيان المقصود بالموظف الدولي. أنه يجب على الدول أن تحترم التزاماتها الخاصة بتوفير المعاملة الحسنة لكل موظفي المنظمات الدولية،

أن العلاقة بين الموظف والمنظمة الدولية هي علاقة تنظيمية إذ يخضع الموظف للنظام القانوني للمنظمة الدولية وهذا النظام يشبه النظام القانوني الذي يخضع له الموظف في القانون الداخلي وتشكل مواثيق المنظمات الدولية الأساس في حكم هذه العلاقة

وهذا الاتجاه يتفق مع مفهوم الجزاء التأديبي القائم على وجود سلطة رئاسية تحدد حقوق والتزامات الموظفين الدوليين ، وبالتالي يخضع هؤلاء لمبدأ التدرج الوظيفي ، وقد جرى العمل في المحاكم الإدارية الدولية ومنها المحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية على أن العلاقة بين الجامعة وموظفيها هي علاقة تنظيمية وليس تعاقدية إذ يخضع الموظف الدولي لسلطة المنظمة ويعمل لصالحها ثم تكون للجامعة العربية الحرية في تغيير مركز منتسبيها وفقا لسير العمل داخل المنظمة

أن أعباء المنظمات الدولية تجاه موظفيها فيما يخص الحق في الحماية القضائية تعد أكثر مما هو عليه حال حكومات الدول على الصعيد الوطني, فبالإضافة إلى أن المنظمات الدولية مطالبة بمراعاة مبدأ المشروعية في هذا الخصوص, ينبغي عليها أيضاً مراعاة مبادئ تفرضها الطبيعة الخاصة بالوظيفة العامة الدولية, كمبدأ التوزيع الجغرافي للوظائف, والذي لأجله تلجأ هذه المنظمات للاستعانة بطائفة الموظفين محددي المدة كي تحافظ على التوازن الجغرافي في الوظائف بما يدفعها, من وقت لأخر, للاستغناء عن بعضهم لتستقطب غيرهم من دول غير مستوفاة لحصتها في تلك الوظائف.

مما يؤدي في كثير من الأحيان بأولئك المستغنى عنهم لمقاضاة هذه المنظمات, وهو ما يُحمّل موازناتها المالية أعباءً إضافية جراء الحكم لهم بمبالغ التعويضات, علاوة على ما يسببه ذلك من عدم استقرار وظيفي بالدرجة التي عليها في صعيد الوظيفة العامة الوطنية

وعليه فقد حان الوقت لاعتراف المنظمات الدولية بهذه الحقيقة, ومن ثم الإقرار لموظفيها بنفس القدر من الضمانات المكفولة للموظفين العموميين المقررة لدى تلك الأنظمة, وهو ما يعتقد الباحث أن ملامحه قد اجتازت منعطفاً هاماً تمثل بإقرار كبرى تلك المنظمات – الأمم المتحدة – مؤخراً بضمانة الطعن بطريق الاستئناف ضد الأحكام الصادرة عن محكمتها الإدارية على غرار ما تقره قواعد الوظيفة العامة الوطنية.

وهي الآلية التي يفتقر إليها القضاء الدولي التقليدي فيما بين الدول , وفي ذلك دليل على اختلاف هذا القضاء عن القضاء الإداري الدولي , خاصة مع إدراك حقيقة أن الجهاز الإداري للمنظمات الدولية إنما هو جهاز احترافي ويغلب عليه الطابع الفردي أكثر من الدولي , بما يجعله مختلفاً عن بقية الأجهزة المكونة لهذه المنظمات , وهو ما يتضح أكثر بترك مهمة تنظيم قواعده ولوائحه للأمين العام للمنظمة باعتباره رئيسها الإداري .

 

 

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك