يعتبر الغزو الثقافي من اخطر التحديات التي تواجه المجتمعات العربية والإسلامية في الوقت الراهن, ويصنفه بعض المختصين بأنه أكثر خطورة من التحدي السياسي والتحدي الاقتصادي, وذلك لما له من علاقة وطيدة تنسحب على المجتمع ذاته، وعلى أهم مكنوناته الاجتماعية، فالثقافة والفكر هما حجر الأساس الذي تقوم عليه كل المجتمعات والشعوب.
ولا شك أن هذا الميدان يزيد على ميدان التعليم حيث يمتد مع مجالات الحياة المختلفة، وفي هذا المجال العريض والواسع، انطلق الغربيون يغزون المسلمين غزواً مركزاً، حتى يحققوا ما يهدفون إليه من صرف المسلمين عن دينهم صرفاً تاماً، وقد تعددت أساليب هذا الغزو الثقافي وتنوعت ونقتصر منها على ما يلي:
1- قيام الغزاة بطبع ونشر سيل من الكتب والمطبوعات المتنوعة من المقالات والبحوث التي تمجد أوروبا، وتصف حضارتها وتطورها، وكيف وصلت إلى هذا كله عبر الصراع مع الكنيسة ورجال الدين، وعزلهم عن الحياة، والدعوة -تصريحاً أو تلميحاً- إلى سحب هذا المعنى على كل دين، باعتباره طوراً متخلفاً من أطوار الحياة أدى دوره في القرون الوسطى، ولا يصلح لمجاراة العصر الحاضر بتقدمه العلمي إلى آخر ما يزعمون.
لكن هذه المطبوعات لن يتحقق لها الانتشار إلا بعد أن يتم الترويج لها والكتابة عنها في وسائل الإعلام، ولم يكن هناك أجدى من الصحافة في هذا الوقت، وكانت الصحافة من أخطر الأدوات العصرية التي اعتمدوا عليها باعتبارها أكثر شيوعاً وأبعد تأثيراً، سواء كانت محلية أو مستوردة مجلوبة من وراء البحار والحدود، تحمل للمسلمين قيماً جديدة، وتحفل بضروب من الأفكار المخربة، وأحاديث الجنس الفاضحة، والصور العارية، والقصص البذيئة، والمقالات والبحوث التي تتناول كثيراً من المقدسات الدينية بالنقض والتجريح في غير ما حرج
وإذا كانت الكتابة بصفة عامة زاد المثقفين، فإن الصحافة زاد شامل، يشمل المثقفين وأنصاف المثقفين، كما يشمل العامة حتى الذين لا يقرؤون منهم حيث كانوا يتحلقون حول من يقرأ لهم الصحيفة في أعماق الريف بمصر.
ففي مصر بالذات قامت الصحافة بدور خطير لعله أخطر الأدوار، إذ كانت مصر في نظر الغزاة هي مركز التوجيه الروحي والثقافي؛ بسبب موقعها الجغرافي ومكانتها التاريخية، وبسبب وجود الأزهر فيها، فإذا أمكن إفسادها من الناحية الإسلامية كان ذلك عوناً كبيراً للذين يخططون لإفساد العالم الإسلامي كله، وليس من قبيل الصدف أن تنشأ الصحافة في مصر – قلب العالم الإسلامي وبلد الأزهر – على يد الموارنة النصارى:
فدار الأهرام على يد آل تقلا، ودار الهلال على يد آل زيدان، ودار المقطم على يد آل صروف. وقد لقي القائمون على هذه الدور الحماية الكاملة على يد المستعمرين حتى ذاع صيتها وانتشرت، وقامت بدور كبير في تشويه وإفساد القيم الإسلامية
وليس معنى ذلك أن كل دور الصحافة في فترة الاحتلال البريطاني في مصر كانت عميلة للاستعمار الغربي، وإنما كانت هناك صحف يطلق عليها الصحافة الوطنية الإسلامية مثل جريدة (اللواء) وجريدة (المؤيد)، وجريدة (العروة الوثقى)، وقد حاولت هذه الصحف أن تقاوم أثر الصحف المأجورة، لكن الاستعمار قام بمصادرتها واضطهاد كتابها وأصحابها
وليس من شك في أن الصحافة وأمثالها أسلحة عظيمة في نهضات الأمم وتطورها في العصر الحاضر، ولكنها في ظل الاحتلال وعلى يد تلاميذه تحولت إلى أسلحة فاسدة، مرتدة إلى صدور أمتنا اجتماعياً وفكريا ودينياً.
فقد لعبت الصحافة دوراً كبيراً وخطيراً في إفساد العقيدة وتدمير الأخلاق، وتزوير التاريخ، وعلى سبيل المثال: قد أصدرت “دار الهلال” عدداً كبيراً من المجلات التي أثرت تأثيراً كبيراً في المصريين والعرب، ويكفي أن نتذكر الدور الذي قام به مؤسس تلك الدار “جورجي زيدان” من تشويه لتاريخ الإسلام وطعن فيه، وذلك في “روايات تاريخ الإسلام”، حيث قدم فيها جوانب من التاريخ الإسلامي معروضة بأسلوب قصصي يغري بالقراءة والمتابعة، ولكنه يحوي قدراً كبيراً من المغالطة والافتراء.
إن الغزو الفكري هو أبشع وسائل الغزو، هذا الغزو يبني ويهدم أمم و يُشير الغزو الفكري إلى أنّه تطلّع أمّة ما إلى محاولة بسط نفوذها وسيطرتها على أمّة أخرى والاستيلاء عليها للتحكم بها وتوجيهها نحو طريق معين. يُعّد الغزو الفكري أكثر خطورةً وأعمق تأثيراً من الغزو العسكري وذلك نظراً لتركيز الغزو الفكري على استهداف سلوك وعقيدة الفرد وأفكاره وأخلاقه، وبالتالي ضياع أمته بأسرها نتيجة انتقال عدوى الغزو الفكري بطريقةٍ واسعة وذلك لاعتبارها ذات تأثير قوي جداً.
يبدأ الغزو الفكري بالتفشّي بجسم الأمة المستهدفة شيئاً فشيئاً دون الشعور بذلك، فيبدأ بتحقيق مبتغاه وأهدافه، فيقع الأفراد ضحية هذا الغزو وينقادون له ولأفكاره لتحقيق أهدافه المنشودة وبذلك تصبح الأمة مسيطر عليها فكرياً، ومن الجدير ذكره أنّ الغزو الفكري يُدمّر البنية التحتية لسلوكيات الأفراد في أمة ما، ويُشار إلى أنّ الغزو الفكري يستهدف غالباً الأمم المسلمة سعياً لتحقيق انسلاخها عن عقيدتها وطريق الحقّ ودثر الهوية الإسلامية وتشويهها.
تتطور أساليب الغزو الفكري والثقافي للمجتمعات العربية والمسلمة، وقد تختلف من دولة إلى أخرى، كما يختلف حجم ومدى التأثر بها، وفق درجة حصانة ومناعة المجتمع، وقدرته على المقاومة والتصدي لمظاهر هذا الغزو الذي يستهدف الهوية العربية والإسلامية. وكانت تلك المظاهر هى اهم أدوات الغزو الفكري لمجتمعنا .
1- محاولة تشويه القرآن الكريم، والحط من شأنه، وهو أسلوب قديم حديث، فكان كفار قريش يقولون: إنه شعر، وإن الرسول صلى الله عليه وسلم شاعر وساحر، وحديثاً يقومون بحرق نسخ منه في الدنمارك والسويد وهولندا، في محاولة للإساءة إلى خاتم الكتب السماوية.
2- الطعن في السُّنة النبوية، والدفع بأقلام علمانية للنيل من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وسُنته المطهرة، والقول بعدم صحتها، وإثارة الشكوك حولها، والدعوة إلى مراجعتها، وعدم الأخذ بها.
3- تشويه التاريخ الإسلامي، وترديد الأكاذيب، والادعاء بأن الإسلام انتشر بحد السيف، وأن الفتوحات الإسلامية فتوحات غزو واستعمار، وأن المسلمين دعاة عنف وإرهاب.
4- مهاجمة الحدود وأحكام الشريعة الإسلامية، ووصفها بالرجعية، وأنها ضد مبادئ حقوق الإنسان، مثل حد قطع يد السارق مثلاً، كذلك ما يتصل بالرجم والجلد.
5- إحياء النزعات الجاهلية مثل الدعوة إلى القومية، والفرعونية، وإثارة النعرات الطائفية، مما يتنافى مع الإسلام.
6- الدعوة إلى التحرر والإباحية وحرية الجنس، وإطلاق دعوات حقوق المرأة، وحقوق المثليين، وغير ذلك، مما يدمر أخلاقيات الأمة وقيمها، وينشر الرذيلة والفحشاء بين الناس.
7- إبعاد العلماء والدعاة عن الحكم والقيادة، وقصر دورهم على الخطابة والوعظ، بل دفع غير المختصين إلى ذلك المجال، بما أضر بهيبة العلماء، وأشاع فوضى الإفتاء.
8- تجاهل اللغة العربية، والدعوة إلى العامية، وتدريس العلوم بلغات غير العربية، وتأسيس مدارس أجنبية لنشر اللغات الأخرى، واعتماد الإنجليزية لغة للترقي والتوظيف، يقول القس زويمر: «المدارس أحسن ما يعول عليه المبشرون في التحكم بالمسلمين»!
9- نشر الفن الهابط، والأعمال السينمائية الخادشة للحياء، والمروجة للفاحشة، ومنحها الجوائز العالمية، وخفض إنتاج الأعمال الدينية والتاريخية البناءة، مع زيادة مسلسلات الحب، ومسرحيات الهزل.
10- تنامي الإرساليات التنصيرية، خاصة في مناطق النزاع والحروب، واستغلال الخدمات الاجتماعية، والمخيمات، والمستشفيات، ووكالات الإغاثة، في ترويج ما يمت للثقافة الغربية، ونشر أفكار الإلحاد والشذوذ وغيره.
التعليقات