محمد زكى
يحكى أن قرويا جاء إلى بغداد لأول مرة في حياته. فمر بدكان لبيع الحلوى ، وقد إنذهل القروي حين رأى تلك الحلوى اللذيذة مصفوفة في واجهة الدكان وصاحب الدكان جالس بجانبها ساكنا لا يأكل منها شيئا!
ظن القروي أن صاحب الدكان أعمى لا يرى هذه اللذات المتراكمة حوله.
ولكنه وجد بعد الفحص أنه ليس أعمى. فإشتدت به الدهشة !
أنه لا يستطيع أن يتصور إنسانا يجلس بجانب الحلوى ولا يأكل منها !
وسبب ذلك أن هذه الحلوى نادرة في القرية التي جاء منها. ولعله لم يأكل منها إلا مرة واحدة في حياته وذلك في عرس إبن الشيخ حفظه الله.
ولا شك بأنه شعر بلذة قصوى حين أكل منها. وقد دفعته سذاجته إلى الظن بأن الحلوى تعطي آكلها لذة قصوى كل ما أكل منها.
ولا فرق في ذلك بين من يأكل منها قليلا أو كثيرا.
ولهذا وجدناه مذهولا عند رؤية رجل يجلس بجانب تلك الحلوى وهو ساكن وهادئ، لا يسيل لعابه كأنه جالس بجانب الطين والقصب!
وما حدث لهذا القروي الساذج يحدث لكل منا في وقت من الأوقات. فإذا رأى أحدنا فتاة جميلة تتدلل وهي تمشي بالشارع ظن أنه سيكون أسعد الناس إذا إقترن بها أو قبلها على أقل تقدير. أنه يتوهم ذلك في الوقت الذي نجد فيه زوج الفتاة قد مل منها وكاد يلفظها لفظ النواة.
إن أحدنا ينظر إلى هذه الفتاة الجميلة بعين المنظار الذي نظر به ذلك القروي إلى دكان الحلوى. لا يدري كيف سيكون حاله بعدما يقترن بتلك الفتاة ويراها بين يديه صباح ومساء ، حيث تصبح حينذاك كالبقلاوة التي يأكل منها القروي أكلاً شديدا متواليا يوما بعد يوم.
” لهذا ليس في هذه الدنيا شئ يمكن أن يتلذذ به الإنسان تلذذا مستمرا. فكل لذة مهما كانت عظيمة تتناقص تدريجيا عند تعاطيها. وهذا ما يعرف في علم الإقتصاد الحديث بقانون (المنفعة المتناقصة) “.
التعليقات