تأتي أهمية التصنيع المحلى وضرورة تشجيعه، لكن من الصعب أن يستطيع التصنيع المحلى ملء الفجوة الناتجة عن تقليص التصدير بين عشية وضحاها، حيث إن زيادة التصنيع المحلى يتطلب فتح مصانع جديدة، وهو ما يتطلب فترة زمنية قد تصل لسنة وربما أكثر فى بعض الصناعات. التصنيع المحلى أيضا ليس منعزلا عن العالم الخارجى، حيث يعتمد على الكثير من المواد الخام ومستلزمات الإنتاج المستوردة، ومما لا شك فيه أن عوائق الاستيراد المتعددة تؤثر على استيراد الكثير من تلك الخامات والمستلزمات مما يؤثر سلبا على الطاقة الحقيقة للإنتاج المحلى. من ناحية أخرى،
فإن التصنيع المحلى يواجه مشكلة كبيرة تتلخص فى تباطؤ نمو الاقتصاد العالمى خاصة فى أوروبا، التى تعتبر الشريك الاقتصادى الأهم لمصر. بالإضافة إلى ذلك، فإن موجة انخفاض العملات عالميا خاصة اليورو تجعل الجنيه أعلى من قيمته الحقيقية، وتقلل من الطلب على الصادرات المصرية. ولنا أن نُضيف أن تغييراً ما فى نمط استهلاك المواطن المصرى يبقى أمامنا هو المُساعد بالأول وبشكل أساسى فى حل مشكلة ندرة الدولار في مصر، فلنبدأ من الآن فى سن القوانين واللوائح المُلزمة للمصانع لتغيير شكل وحجم عبواتها الحافظة للسلع الاستهلاكية ومن ثم- تقليل الفائض منها- الذى هو المُسبب الأول لتوحش مشكلة القمامة، وفى ذات الوقت هيا بنا إلى تبنى ثقافة ترشيد الاستهلاك وهى الثقافة التى نادى بها الرئيس مُبارك فى بدايات حكمه لو تتذكرون.
بناء على ذلك، النهوض بالتصنيع المحلى لإحلال الواردات، يتطلب استراتيجية متوازنة ترتكز على عدة مسارات. الأول: وجود خريطة تنمية صناعية تركز على الصناعات التى تتمتع مصر فيها بميزة تنافسية عالمية والتى لا تعتمد على حماية من المنافسة عن طريق رفع الجمارك. الثانى: عوائق الاستيراد يجب أن تفرض على المنتجات التى لها بدائل واضحة فى السوق المحلى وبجودة مماثلة وبكميات كافية لسد الطلب. الثالث: يجب استثناء المواد الخام من عمليات ترشيد الاستيراد ليس فقط على الورق ولكن على أرض الواقع. وأخيرا: لابد من إتاحة فترة زمنية منطقية للتصنيع المحلى حتى يستطيع إحلال بعض الواردات.
تأخرت الشركات الزراعية متعددة الجنسية، المسيطرة على هذا النظام الغذائي والمستفيدة منه، في اقتراح حلول للأزمة الراهنة. لكن مع امتداد المخاوف بشأن أزمة المناخ تدريجياً إلى قطاع الغذاء، تغير الوضع بحيث أعلنت معظم هذه الشركات الكبرى، منذ بضع سنوات، عن خطط ” صافي صفر انبعاثات”، ودخلت في شراكة مع حكومات ومنظمات دولية في إطار برامج للحد من الانبعاثات في الزراعة. تتمحور كل مبادرات المقاولات هذه حول أساليب وتقنيات من شأنها، حسب زعمها، جعل الاستغلاليات الفلاحية أشد فعالية، وتفترض جميعها إمكان الحفاظ على الإنتاج والاستهلاك. في الواقع، تستند جميع نماذج المقاولات هذه على توقعات نمو مبيعاتها من المنتجات عالية الانبعاثات، مسلطة الضوء على رسالة مضللة مفادها أن هذه المنتجات يمكن أن تكون “محايدة كربونيا” و”خضراء” و”غير مدمرة للغابات”. لهذا، ليس غريبا أن تستند التزامات شركات الغذاء متعددة الجنسية بـ “صافي الصفر” بشكل كبير إلى التعويضات الكربونية يعتبر تحقيق كفاءة وترشيد استهلاك الطاقة بؤرة اهتمام الحكومة ، لتقليل آثار التغير المناخي، والانتقال إلى اقتصاد أخضر، قادر على خلق فرص عمل جديدة، ومزيد من المنتجات والخدمات المستدامة.
كان الاستهلاك دائما ولا يزال هو الغاية النهائية للنشاط الاقتصادي، فلا يمكن الحديث عن إنتاج سلع أو خدمات في غياب أفراد مستعدين لاستهلاكها من أجل إشباع حاجاتهم.
ويبقى الاستهلاك والإنتاج نشاطين ومفهومين قرينين لا غناء لأحدهما عن الآخر، إذ أن الاستهلاك هو الباعث والمحفز على ممارسة أي نشاط إنتاجي، ولا استهلاك على العموم من دون سلع وخدمات يتعاون المجتمع على إنتاجها. جلي أن هذا الأمر لن ينجح، لكنه أيضا ليس ضروريا ولا مرغوبا فيه. الحقيقة هي أن النظام الغذائي الصناعي يتمحور حول أرباح الشركات الكبرى، وليس حول تخصيص الموارد المحدودة (والانبعاثات) من أجل ضمان حصول ثمانية مليار شخص في هذا الكوكب على ما يكفي من الأطعمة المغذية. يعتمد نظامنا الغذائي العالمي على الإنتاج الكثيف لبعض المحاصيل الأساسية لتصنيع اللحوم ومنتجات الحليب وأغذية مصنعة، فضلا عن تموين منتظم للأغنياء بسلع فاخرة (مثل الشوكولاته أو الزهور أو الفراولة)+
تنتج كافةً انبعاثات ضخمة دون إتاحة بالمقابل لعناصر غذائية كثيرة. يعتمد الاقتصاد الاستهلاكي على تعزيز وزيادة استهلاك السلع والخدمات، لتؤثر عادات الاستهلاك على الاقتصاد من خلال تحديد الطلب على المنتجات وبالتالي يؤثر على الإنتاج والوظائف، بينما لا يتوقف الأمر عند ذلك، بل يؤثر أيضًا على البيئة من خلال زيادة الانبعاثات والاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية، ما يستدعي تحسين الوعي بأثر الاستهلاك واتباع عادات أكثر استدامة تسهم في تقليل الأثر البيئي وتحسين الاقتصاد بشكل عام. يعـد موضــوع الاســتهلاك مــن الموضـوعات الحديثــة فـي علــم الاجتمــاع حيــث لــم يحظى بالاهتمام السيوسولوجي إلا منذ ثمانينيات القرن العشرين ، مما لا شـك أن تلـك التحـولات التـي مـر بها المجتمع المصري عبر تاريخه ألقت بتأثيراتها على كافة المجالات والفئات الاجتماعية ، وعلي وجه الخصوص الأسرة المصرية . فلقد تأثرت الأسـرة المـصرية خـلال فتـرة الـسبعينات بالعديـد مـن التحولات الاقتصادية التي شهدها المجتمع ، وتحديدا . فقلـد ً بعد تطبيق سياسة الانفتـاح الاقتـصادي للأوضاع المعيشية للأسرة ، كما لحقت تباعدت الهوة بين الدخل والأسعار الأمر الذي يعد تهديدا بها العديد من التغيرات في الأنماط السلوكية المتعلقة بالإنفاق والاستهلاك
تــؤثر سياســات التكيــف الهيكلـي فـي المجــال الاقتــصادي بــصورة مباشـرة علــي الأســرة فــي المجتمـع المـصري حيـث تـنعكس هـذه الـسياسات فـي المـستويات الـدخول والأوضـاع المعيـشية فقـد استطاعت تلك الأسر التي تكاملت مع هذه السياسات وانخرطت في تنظيماتها وأنـشطتها أن تخلـق قفزة كبيرة في مستويات الـدخول وتغييـر واضـح فـي أوضـاع المعيـشية أم تلـك الأسـر التـي لـم تـسنح لها فرصة المشاركة في تلك الأنشطة والاستفادة من هـذه الامتيـازات التـي صـاحبتها لقـد عانـت مـن وطـأة مـا تفرضـه عليهـا مـن ضـغوط معيـشية فـي مجـالات تجميـع الـدخل والاسـتفادة مـن الخـدمات العامة مما جعلها عاجزة عن مجـاراة مـا ارتـبط بهـذه الـسياسات مـن ممارسـات حديثـة ، وتتزايـد حـدة
الشعور بهذا العجز في إطار تلك الرواسب الخاصة بالتقليـد والمحاكـاة ويفـرض ذلـك ضـغوط ملحـة ١ علي رب الأسرة في مجال تجميع الدخل واللهث وراء توفير احتياجات الأسرة المتزايدة . هذا وتؤدي برامج الإصلاح الاقتصادي إلي خفض الأجور الحقيقية نظراً للزيادة الكبيرة في دعم وترك الأسعار تتحدد طبقاً أسعار السلع والخدمات نتيجة إلغاء الأليات الـسوق بالإضـافة إلـي خفـض الإنفـاق العـام الموجـة للخـدمات ممـا يترتـب عليـه أن تقلـل الأسـرة مـن اسـتهلاكها مـن الـسلع والخـدمات المختلفـة أو نـستبدلها بالأقـل جـودة أو تعجـز عـن الحـول عليهـا كمـا تقـوم الأسـرة بإعـادة ترتيب أولويات إنفاقها لصالح السلع الأساسية الأكثر ضرورة لإشباع الحاجات الأشد إلحاحاً وتأتي في مقدمتها بطبيعة الحال السلع الغذائية
و تشير إحدى الدراسات إلي أن ارتفاع الأسعار جعل الأسرة مهما كان دخلها تخفض كمية الغـــذاء الـــذي تــــشتريه ( %٧١.١) مــــن الأســـر قللــــت كميـــة الطعـــام الـــذي تـــستهلكه و %١٤.٣ استهلكت سلعاً غذائية سعرا %٨.٧ ،ويعنـي ذلـك أن ارتفـاع أسـعار الـسلع الغذائيـة قـد ً و بدائل سعرا ٢ قاد بالفعل إلي تغيير العادة الغذائية للأسر بغض النظر عن طبيعة عمل أربابها . كمـا تعـد سياسـيات تحريـر الأسـعار بـصفة عامـة مـن أهـم سياسـات الإصـلاح الاقتـصادي التي تهدف إلي تحويل الموارد لي القطاعات السلعية ، ولقد اهتمت دراسات أثر خفض العام بإزالة الدعم علي الرفاهية بثلاث مجموعـات وهـي أسـعار الكهربـاء والطاقـة والنقـل والمواصـلات باعتبارهـا من العوامل الأساسية لحصول الفرد علي بقية الخدمات والسلع بالإضـافة إلـي اعتبارهـا مـن وسـائل ٣ المعيشة الأساسية . كما تعد سياسات خفض الإنفاق في مجال الخدمات الاجتماعية وبخاصـة الـصحة والتعلـيم من أكثر السياسات التي أثرت علي استهلاك الأسرة
. إن ارتفاع تكلفة التعليم بعد التراجع عن سياسية مجانية التعلـيم وتعـدد الرسـوم التـي تفـرض علي الطلبة في المراحل المختلفة فضلاً عن تكلفة الدروس الخصوصي والمتطلبـات الأخـرى وثمـن الملابس المدرسية وأجور المواصلات وغيرها ، فإن ما تتحمله الأسر الفقيرة مـن الزيـادة قفـي تكلفـة الفرد التعليمية يساوي ما يزيد علي عشرة أمثال ما كانت تدفع غي أوائل الثمانينـات وأقـل قلـيلاً مـن . وقـد تـؤدي ذلـك إلـي عـدم المـساواة بـشكل ٤ ضـعف الزيـادة التـي تتحملهـا الأسـر المتوسـطة والعليـا ٥ كبير في توزيع فرص التعليم بين الفقراء والأغنياء وسكان الريف وسكان الحضر .
التعليقات