تقرير – محمد عيد
وصل الرئيس عبد الفتاح السيسي، مساء أمس، إلى ألمانيا للمشاركة في القمة التي تنظمها مجموعة العشرين للشراكة مع إفريقيا تحت شعار “الاستثمار في مستقبل مشترك”، فضلًا عن حضور الجلسة الافتتاحية للمنتدى الاقتصادي المصري الألماني.
ويلتقي السيسي خلال الزيارة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، وعدد من الوزراء الألمان من بينهم وزير الخارجية الألماني زيجمار جابرييل، بالإضافة إلى زعيم الأغلبية بالبرلمان الألماني (البوندستاج) لمناقشة سبل تطوير العلاقات بين البلدين على مختلف المستويات.
فمن جديد تعود لغة الاقتصاد كداعم أساسي ورئيسي في العلاقات المصرية الألمانية، وكعامل مهم في تدعيم كافة أوجه التعاون سواء كانت دبلوماسية أم علمية أو حتى أمنية.
زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى ألمانيا تؤكد أن لغة الاقتصاد قادرة على إذابة جليد السياسة، وتغيير المواقف من النقيض إلي النقيض، إذ أن لغة المصالح هى الأصل في العلاقات الدولية.
الأكيد أن الزيارة الحالية تختلف عن سابقتها التي قام بها الرئيس إلي برلين في يونيو 2015 وشهدت إشارات سلبية غير خافية، من الجانب الألماني، الذي ظل موقفه ملتبسا تجاه تداعيات ثورة 30 يونيو 2013 والإطاحة بحكم جماعة الإخوان.
وقال السفير المصري في ألمانيا، بدر عبد العاطي، إن زيارة الرئيس السيسي لبرلين ستعطي دفعة جديدة للعلاقات الثنائية التي أخذت منحى متميزا خلال العامين ونصف العام الماضيين، حيث التقى الرئيس السيسي والمستشارة أنجيلا ميركل خلال هذه الفترة ست مرات، كان آخرها في مارس الماضي، وهي الزيارة التي شهدت افتتاح ثلاث محطات عملاقة للطاقة الكهربائية تنفذها شركة سيمنز في مصر، كما شهدت اجتماع ممثلي مجتمع الأعمال المصري الألماني”.
ولفت عبد العاطي إلى إن أوروبا بشكل عام وألمانيا بوجه خاص بدأت تشعر بقلق شديد من تدفق اللاجئين والمهاجرين خاصة من القارة الأفريقية، وتزايدت المخاوف مؤخرا بعد أن أصبحت ليبيا معبرا للاجئين، الأمر الذي تعتقد معه برلين أن مصر يمكن أن تشكل خط دفاع أيضا لحمايتها من الهجرة غير المشروعة.
وأوضح أن مشروع مصر لإنشاء وكالة لعلوم الفضاء، يمكن أن تساهم فيه ألمانيا بتقديم المساعدات والخبرات المهمة.
وتوقع عبد العاطي، زيادة السياحة الألمانية لمصر خلال الفترة المقبلة، لتصل إلى مليون سائح بنهاية العام الحالي، خاصة وأن ألمانيا هي الدولة الوحيدة في أوروبا التي لم تحظر السفر إلى مصر بعد حادث الطائرة الروسية.
وبلغ حجم التبادل التجاري خلال عام 2016 بين مصر وألمانيا، خمسة مليارات و ٥٦٧ مليون يورو بزيادة ١٠ % عن عام ٢٠١٥، كما بلغت الاستثمارات الألمانية في مصر حتى يناير الماضي نحو ٢ر٦١٩ مليون دولار وتحتل ألمانيا المركز العشرين في قائمة الدول المستثمرة في السوق المصرية.
وفي سياق قريب الصلة، كشف السفير بدر عبد العاطي، في تصريحات لوكالة انباء الشرق الأوسط، أن أجهزة الاستخبارات الألمانية بدأت في تعقب ورصد تحركات وأنشطة مريبة لجماعة الإخوان في القطاع الشرقي من ألمانيا، وأن النظرة الألمانية لـ”الإخوان” تغيرت من اعتبارها حزبا سياسيا معارضا إلى الاقتناع بأنها جماعة متطرفة.
ومن بين أوجه الاختلاف بين زيارتي ٢٠١٥ و ٢٠١٧ أن الجانب الألماني أدرك بشكل كبير حقيقة الأوضاع في مصر، واستوعب أبعاد الصورة كاملة، وأدرك أيضا أن ثمة تحديات ضخمة تواجه القاهرة سواء في الملف الاقتصادي أو في مكافحة الإرهاب.
ويمكن القول أن العلاقات المصرية الألمانية شهدت وسوف تشهد المزيد من الانسجام خلال الفترة المقبلة، فإذا علمنا أن عدد المرات التي التقي فيها الرئيس السيسى المستشار الألمانية أنجيلا ميركل بلغ ست مرات، منها واحدة في القاهرة في مارس الماضي، فإن الحديث عن مزيد من التقارب يبدو منطقيا.
الصورة الإيجابية التي تبدو عليها العلاقات بوضعها الحالي تؤكدها تصريحات عبد العاطي التي شدد فيها على أن “الجانبين أدركا أن هناك احتياجا مشتركا من جانب كل طرف للآخر، حيث تحتاج مصر إلى الاستثمارات والسياحة الألمانية إلى جانب توطين التكنولوجيا والمساعدة في التعليم الفني وبرامج التدريب وتأهيل الأيدي العاملة، بينما تحتاج ألمانيا مصر كداعم للاستقرار في المنطقة وكخط دفاع أول ضد الإرهاب”.
ملفا مكافحة الإرهاب والاقتصاد يمكن القول أنهما جناحان ساهما في تطور العلاقات المصرية الألمانية بشكل كبير، فملف مكافحة الإرهاب من بين الملفات الهامة التي أجاد الجانب المصري عرضها أمام المسئولين الألمان، ما أسهم بشكل أو آخر في تغيير الموقف الألماني تجاه مصر، وهو ما يوضحه سفير مصر في برلين بأن “الجانب الألماني أصبح لأول مرة مقتنعا بالطرح المصري فيما يتعلق بخطورة أفكار الإرهابيين وسبل مواجهة التطرف ووقف تمويله، وأن ما تقوم به مصر من التصدي لأنشطة الإرهابيين في ليبيا يصب في مصلحة ألمانيا وأوروبا بشكل عام، وأن الكلمة التي ألقاها الرئيس السيسي في قمة الرياض حول الإرهاب كانت بمثابة خطة عمل واضحة لمكافحة الإرهاب.”
كذلك لاقت زيارة شيخ الأزهر لألمانيا مرتين خلال العام الحالي، ومبادرته بتقديم منح لتدريب أئمة المساجد في ألمانيا بالأزهر لتبني الإسلام الوسطي والابتعاد عن الأفكار المتطرفة تقديرا كبيرا.
الملف الاقتصادي هو الآخر لا يقل أهمية، فبحسب رئيس مجلس الأعمال المصري الألماني الدكتور نادر رياض فإن الملف الاقتصادي سيتصدر مباحثات الرئيس عبدالفتاح السيسي إلي ألمانيا، وليس سرا أن صفقة “سيمنس” الكبرى التي تم توقيعها مع مصر، لتوريد توربينات محطات كهرباء بقيمة 8 مليارات يورو، وهي الصفقة الأضخم في تاريخ الشركة الألمانية، أسهمت بشكل كبير في استعادة دفء العلاقات بين القاهرة وبرلين، وهو ما دعا رئيس مجلس الأعمال المصري الألماني للتأكيد على أن مصر أصبحت تركز الآن في علاقتها مع ألمانيا وأوروبا على مفهوم “الشراكة”، وليس مفهوم “المانح والمتلقي”.
ملفات الطاقة والزراعة والتدريب والتعليم الفني ستكون أيضا من بين أبرز الملفات التي سيطرحها الرئيس خلال الزيارة، خاصة أنه سيشارك في منتدى الأعمال المصري الألماني، ومن المخطط أن تتضمن الاتفاقات مع الجانب الألماني الحصول على تمويل بحوالى 207 مليون يورو فى المجالات المذكورة.
الأرقام تؤكد تلك الحقيقية، حيث تحتل الاستثمارات الألمانية المرتبة الـ20 ضمن الاستثمارات القائمة بمصر ويبلغ عدد الشركات الألمانية نحو 1039 شركة ومؤسسة. وتتمثل أبرز الاستثمارات بقطاعات السياحة، التشييد والعقارات، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الزراعة، التمويل”. بحسب بيانات وزارة الاستثمار، بينما يبلغ اجمالي التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 5 مليارات دولار، منها صادرات مصرية بـ1.75 مليار دولار وواردات ألمانية بـ3.5 مليار دولار وفقا لأرقام وزارة التجارة والصناعة.
في ظل التطور الواضح واللافت في علاقة مصر بإحدى أهم وأكبر دولة أوروبا، ينبغى على مصر أن تستغل الزخم الحالي في العلاقات للاستفادة من اللاعب الألماني في دعم الاقتصاد المصري بصورة أكبر، خاصة بعد إقرار قانون الاستثمار الجديد، وفي دعم الدولة في مكافحة الإرهاب سواء عبر التعاون الأمني أو دعم العمليات التي تتبناها الدولة ضد الإرهاب، كما ينبغي أيضا أن تستغل مصر هذه العلاقة في توسيع دائرة العلاقات مع دول أوروبية أخري عبر بوابة ألمانيا والحصول على دعم مماثل.
التعليقات