كتب :- محمد زكي
منذ تولي السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان مقاليد الحكم في السبعينيات وحتى الآن وعلى مدار ستة وأربعون عاماً، سعى إلى إطلاق فكرة إقامة التعاون الإقليمي باعتباره يعزز الكتلة الخليجية في الجوانب
السياسية والاقتصادية والأمنية، وباتت تلك الرسالة العمانية بشأن التعاون الإقليمي، أحد العناصر الرئيسية للسياسة العمانية التي كان يقودها ويمثلها شخصيا السلطان وهو ما عبر عنه بقوله في حديث لمجلة المصور المصرية عام 1973م: “نحن جميعا نهتم باستقرار الأمن في المنطقة كسياسة عامة، ولا ريب اننا إذا حققنا الأمن في المنطقة وتعاونا جميعا في هذا السبيل فإننا نكون بذلك قد حصنا أنفسنا ضد أي خطر خارجي، ولا ريب كذلك في الاتحاد قوة، وهو إذا ما أمكن تحقيقه فإنه سيكون الدرع الواقي للمنطقة”
وأكد السلطان قابوس على ذلك في حديث آخر لجريدة الأنوار اللبنانية عام 1974م بقوله: “سنسعى إلى المزيد من التضامن والاتحاد بيننا وبين إخواننا في الخليج لأننا نعتبر أنفسنا وحدة كاملة والمستقبل كفيل بوضع اللمسات الأخيرة لأي نوع من الوحدة أو الاتحاد”.
ودعا في عام 1976 لعقد اجتماع لوزراء خارجية دول الخليج بالإضافة إلى إيران والعراق، لمناقشة قضايا الأمن الإقليمي ورغم ان الاجتماع لم يسفر عن اتفاق إلا أنه كان بداية الدعوة لبناء اتحاد إقليمي في المنطقة تبنته السلطنة، وأكد في جلسة افتتاح هذا الاجتماع بمسقط: ” إن سلطنة عمان تؤكد على أهمية التفاهم للوصول إلى صيغة متفق عليها للتعاون بين دول منطقتنا ويهم عمان حكومة وشعبا أن تشهد منطقتنا استقرارا وأمنا دائمين يمهدان لها السبيل لتثبيت دعائم التنمية ودفع عجلتها إلى الأمام”. مؤكدا في كلمته أن “سلطنة عمان تعرف كما يعرف العدو بأنها خط الدفاع الأول للمنطقة باعتبار موقعها الاستراتيجي وإنها المنفذ الرئيسي لها”.
واستمرت المساعي العمانية – بتوجيهات السلطان قابوس – قائمة وتعززت دعوتها لإقامة ترتيبات أو إطار للتعاون الإقليمي شيئا فشيئا عن طريق الاتفاقيات الثنائية والبرامج المشتركة في المجالات التخصصية.
عُمان والبناء على الإيجابيات
واقتصرت أهداف النظام الأساسي للمجلس في أربعة أهداف وهي: تعميق صلات التعاون القائمة بين الشعوب الخليجية في مختلف المجالات، وتحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء، بما يؤدي في النهاية إلى وحدتها، ووضع نظم متماثلة في مختلف الميادين (الاقتصادية والتجارية والجمركية والتعليمية والثقافية والصحية والإعلامية والسياحية والتشريعية والمواصلات)، وأخيراً دعم عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية وإنشاء مراكز بحوث علمية ومشروعات مشتركة وتشجيع التعاون بين مكونات القطاع الخاص.
ورغم أن هذه الأهداف جاءت أهدافاً عامة، إذ لم يوضّح النظام الأساسي المبادئ والآليات الواجب اتباعها في سبيل تحقيق الأهداف، فإن السياسة العمانية ومبادئها، تقوم على:
ـ البناء على الإيجابيات وعلى الموضوعات المتفق عليها، أما القضايا الخلافية فكانت تترك للتطورات والمعطيات، مع الاستمرار في تدارسها حتى يمكن التوصل إلى توافق بين الأطراف المختلفة. وفي هذا السياق جاء حديث للسلطان قابوس قال فيه: “نبدأ بما تم الاتفاق عليه حتى لا تتعطل المسيرة، وفي الوقت نفسه يتم البحث في النقاط التي لم يتفق عليها، لسنا في عجلة، فما لم يتحقق تنفيذه في هذا العام يمكن أن يتحقق في العام الذي يليه أو في مرحلة أخرى”.
ـ كون التعاون هو الأساس الذي قامت عليه فكرة إنشاء المجلس، حيث يجب أن يكون شاملاً ومتطوراً وغير محدود، وألا ينظر إلى المجلس على أساس أنه تجمع أنظمه سياسية بقدر ما هو تجمع إرادات سياسية، تبحث عن التعاون، وتسعى إلى إقامته، وفي هذا ورد قول السلطان قابوس: “الرؤية العمانية هي الاسم نفسه للمجلس، المجلس هو للتعاون، وهو ليس اتحاداً… إنما يتطور بعد ذلك إلى شيء اسمه وحدة”.
– عدم تحويل المجلس إلى منظمة إقليمية أو شبه إقليمية، تمارس من خلالها بعض الدول الأعضاء نفوذاً على دول الجوار، وعدم استخدام الأوضاع والترتيبات الجماعية ذريعة للانتقاص من السيادة الوطنية للدول الأعضاء، أو التعدي عليها، وذلك ارتكازاً إلى المبدأ العام الذي يرى ” أن الدول لا تتنازل عن سيادتها عندما تنتمي إلى مؤسسة إقليمية، مثل: مجلس التعاون أو الجامعة العربية أو الأمم المتحدة”.
أسس الرؤية العُمانية لأمن الخليج العربي
كان لسلطنة عُمان نظرة أمنية متفردة لدول مجلس التعاون، وقد تشكلت تلك النظرة العمانية تجاه القضية الأمنية في الخليج العربي من مصدرين: أولهما: هو ما فرضته الحقائق الجيواستراتيجية، المتمثلة بموقع سلطنة عُمان على مدخل الخليج العربي (مضيق هرمز)، حيث إنها تشرف على الجهة الغربية من هذا المدخل، وهي الجهة المؤثرة والمهمة، حيث يمر فيها معظم خطوط الملاحة الدولية العابرة لهذا المضيق، الأمر الذي حمّل سلطنة عُمان مسؤولية أمنية وسياسية إقليمية كان عليها أن تتعامل إزاءها بكل وعي، لحماية مصالحها الوطنية أولاً، وإسهاماً منها في حماية الملاحة الدولية ثانياً.
وثانيهما: هو تلك الخبرة التاريخية التي تكونت لدى السلطنة من خلال تجاربها مع القوى الدولية والإقليمية في مياه الخليج العربي والمحيط الهندي، بحكم موقعها الجغرافي.
وتقوم الرؤية العُمانية لأمن الخليج العربي على مجموعة من الأسس: الأوّل يتحقق عن طريق بناء القوّة وإقامة التعاون والتنسيق بين دول الخليج، متسلحة بالإرادة السياسية التي تدفع نحو هذا التوجّه من دون أن تكون الاستراتيجية قائمة على تشكيل الأحلاف، وعلى أن تكون البداية بالتركيز على الدائرة المباشرة، أي التي تضم الدول ذات النظم السياسية والاجتماعية المتشابهة.
أما الأساس الثاني فمؤداه إيجاد مساحات من التفاهم والتعاون بين دول الخليج العربية، وكذلك بين هذه الدول والدول الأخرى ذات المصالح الحيوية في المنطقة، التي يهمها أصلاً أمن الخليج العربي واستقراره. وقد راعت دول الخليج، وخاصة سلطنة عُمان مصالح هذه الدول، ورأت أن مشاركتها في بناء الأمن لا تعني انفرادها به، بل أكدت دول الخليج العربية وفي مقدمتها السلطنة أن أمن الخليج لا يمكن أن يبنيه إلا دوله، وهي التي تقرره وتصونه.
الحكمة والعقلانية
وقد أثبتت تطورات الأحداث في الخليج والمنطقة العربية أن سلطنة عُمان قد أخذت بمفهوم التكتل والتوحد والتجمع المشترك أساسا لمبادراتها، وأسست سياستها الخارجية على أساس ثابت، هو إقامة علاقات سلمية وتعاونية بكل دول العالم، مدركة أهمية موقعها الجيوستراتيجي، والتبعات التي تترتب على ذلك من مسؤوليات وأعباء في حماية مضيق هرمز، الذي تعد مياهه من أهم المياه الدولية، وفي الممارسة السياسية، انطلقت في تعاملاتها من القضايا المتفق عليها، وتركت الأمور الخلافية منها إلى التطورات مع الاستمرار، حتى يمكن التوصل إلى تفاهمات وقناعات حولها لدى جميع الأطراف.
وقد استثمرت سلطنة عُمان جميع إمكانياتها وقدراتها في سبيل إيصال التعاون الخليجي إلى أهدافه، وأثبتت قدرة كبيرة في قيادة الكثير من التوجهات الخليجية في فض المنازعات، لا سيما ما تعلق منها بأزمات أو قضايا، كما استطاعت أن تفرض منهجيتها الهادئة في حل المنازعات الخليجية.
التعليقات