إن استهداف النائب العام في شهر رمضان واغتياله أثناء صيامه، عمل مشين يبين مدى ظلامية هذه الجهات الإرهابية التي لا تراعي حرمة الشهر المعظم ولا النفس المؤمنة الصائمة، سائلا المولى عز وجل أن
يسكن الشهيد فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء. أن مثل هذه الأعمال الآثمة لن تنجح في إثناء الشعب المصري العظيم وقيادته الحكيمة المتمثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي عن المضي قدما نحو العودة بمصر إلى مكانتها الرائدة كقلب للأمة العربية،أن مثل هذه العمليات الإرهابية الغادرة والحقيرة لا تعبر إلا عن دناءة وخسة فاعلها ، الذي يقدم على فعل وضيع ، لا يقره دين ولا ضمير ولا خلق ولا إنسانية تحت أي مبرر أو غطاء .
أن الإخوان اختاروا هذا التوقيت بالتحديد ليعكروا صفو الاحتفال بذكرى 30 يونيو فقد أرادوا توصيل رسالة إلى الشعب بأنكم لن تجنوا ثمار ثورة 30 يونيو، وهناك مطالبات عامة للدولة من أجل تكثيف الحراسة وتأمين المنشآت القضائية وضمان وسائل انتقال مؤمنة لكل القضاة وعلى الدولة ضرورة فعل هذا فنحن نقدر الظروف المادية للبلد لكن عليها البدء في عمليات التأمين. أنّ هذا الحادث يَفضح كل محاولات الخديعة التي تحاول هذه الجماعة الإرهابية أنْ تُمارسها عبر عناصرها، وحلفائها في المنطقة وخارجها. أنّ استهداف رموز القضاء بهذه الجريمة هو امتداد للتاريخ الأسود لجماعة الإخوان بداية من اغتيالهم للقاضي أحمد الخازندار الذي كان يتولى النظر في جرائم القتل والإحراق التي اقترفوها، وصولاً إلى اغتيال ثلاثة من شباب القضاة في مدينة العريش.
أن الجماعة أصل كل التنظيمات المتطرفة حول العالم، ما يجعل من تنظيمات مثل تنظيم داعش، جزءا من الفكرة الإخوانية، لان الجهاد والقوة من أدوات التنظيم في التمكين لأفكاره يراها ضمن حزمة أدوات في حين تعتبرها بعض التنظيمات الجهادية الأخرى هي الأداة الوحيدة. وهكذا استمرّت (جماعة الإخوان )على أصالة منهجها على رغم عظم التّحديّات، ولكن يبدو من خلال تتبّع تاريخ الجماعة وإلى الآن أنّ أقوى المرشدين الذين ثبتوا في وجه العواصف يأتي أولهم (الهضيبي) ثم (التّلمساني) فمثل هذه القامات حفظت أصالة المنهج على رغم فضاضة النّظام وأخطائه الكارثيّة. “.ومن هنا يتضح الأساس الفكري لتقسيم المجتمع الذي تسعى له جماعة الإخوان، فإما أن تكون “مؤمنا” بدعوتهم، أو يُـصنف كمتحامل أو نفعي أو متردد على أحسن الأحوال، ويلاحظ هنا تعمد خلط المصطلحات الدينية بالسياسية، فـاختيار البنا لمفردة “المؤمن” بدلالاتها الدينية لوصف من يتبع أفكاره تم عن قصد ليتم ترسيخ فكرة أن جماعته والمتبعين لفكره هم “المؤمنين” إذا غيرهم إما متحامل على “المؤمنين” أو متردد عن الانضمام لهم وهو خلط يهدف لترسيخ عقيدة الإخوان، بأنهم الممثل الشرعي للدين الإسلامي وجماعتهم هي القيمة عليه، وتظهر هذه المفاهيم واضحة في بقية رسائل البنا. وتتوالى الرسائل التي توضح أحلام البنا وأهدافه في الزعامة، بل إنه ذهب إلى تأثيم كل المسلمين الذين لا يشاركونه في تحقيق أحلامه كما يمكننا نقرأ ما قاله في رسالته عن الأهداف العامة للجماعة: “أهدافنا العامة
.. أن تقوم في هذا الوطن دولة إسلامية تعمل بأحكام الإسلام وتطبق نظامه الاجتماعي وتعلن مبادئه القويمة وتبلغ دعوته الحكيمة للناس، وما لم تقم هذه الدولة فإن المسلمين جميعا آثمون”.بالرغم منعدم وجود فراغ تشريعى من حيث الجانب العقابى فقانون العقوبات فى المادة 86 ومكرراتها تتعرض لهذه المسأله، إلا أن ذلك لا يمنع من ضروره التسارع فى العمل من خلال القانون الجديد لمكافحة الإرهاب. أن الإصلاح التشريعى قطعا شوطا فيما يتعلق بالتشريعات المتعلقة بمكافحة الإرهاب، من خلال إعداد قانون الكيانات الإرهابية والذى أصدره الرئيس مؤخراً،
إن الفكر المتطرف متأصل في هذه الجماعات ويتطور بشكل مستمر والتاريخ لا يكذب وشواهده لا يتسع المقام لذكرها ، فابن لادن والظواهري يعرف الجميع بانتمائهم للجماعة وتأثرهم الكبير بنهجها وبفكر مُلهم الجماعة سيد قطب الذي يُعد مرجعا فكريا وتكفيريا لجميع الجماعات المتطرفة اليوم ، وتجسد الجماعات المتطرفة اليوم على أرض الواقع أهداف التنظيم السري العسكري للإخوان المسلمين والذي أسسه حسن البنا ورسم نهجه وحقق أهدافه القيادي في تنظيم الإخوان عبدالرحمن السندي ، واليوم فقط تغيرت الأسماء التي تؤدي ذلك الدور وتحقق تلك الأهداف التي رسمها تنظيم الإخوان المسلمين وخطها في دستوره. تشكلت حركات الإسلام السياسي وسط تذبذبات وانعطافات حادة، ترتبت على إرهاصات النهوض والانكسارات في ضوء القيود والعوائق الذاتية الناجمة عن انحطاط عميق ومديد داخل العالم الإسلامي، واصطدمت مع الأنظمة الوطنية، وتعرضت لقمع شديد أخرجها من المعادلة السياسية في بعض الدول، لكن القمع الشديد لم يفقدها مبررات الوجود والانتشار كلما أتاحت الظروف ذلك.
العنف الذي مارسته دولة ما بعد الاستعمار -خاصة في نسختها العسكرية الوحشية في مواجهة الحركات الإسلامية، وعنفها في تبني القيم الغربية والتنكر للتقاليد الإسلامية- هو الذي قاد إلى التساؤل حول شرعيتها من جانب التيارات الفكرية الإسلامية التي ظهرت في مصر في فترة السبعينات، وكما هو معلوم فإن فكر جماعة التكفير لم يقدر له الاستمرار والصمود، بل كان كموضة خاطفة ظهرت ثم ذوت بسرعة؛ لأن فكر التكفير يحمل في طياته بذور فنائه .
وبينما كان الإخوان قد حسموا موقفهم من المواجهة مع النظم السياسية -مستفيدين من الخبرة القاسية التي تعرضوا لها- كان الشباب الجديد في الجامعات -والذي يزاوج بين الفكر السلفي والجهادي- مدفوعاً في هذا بقلة خبرته من ناحية، وبعواطفه من ناحية أخرى إلى التمهيد لمواجهة مع نظام السادات، وذلك لينجز ما اعتبره عبئاً تاريخياً للاقتصاص من دولة الحداثة الغربية التي نكلت بالحركة الإسلامية، والتي بالغت في الاندماج في تقاليد الغرب والولاء له، ثم التي مدت يدها لليهود الأعداء التقليديين والتاريخيين للمسلمين . ولم تقدر الدولة المصرية أن الأولاد الصغار قادرون على منازلتها ومغافلتها بتوجيه ضربة لرأس نظامها السياسي، وهو ما جعل (جيلز كيبل) يتحدث عن قتل الفرعون. فالنظر إلى جماعة الإخوان المسلمين على أنها جماعة إرهابية له دلالات قانونية وسياسية واجتماعية، فهو يعني من الناحية القانونية عدم شرعيتها، بل واستملاك أصولها إن أمكن، وعدم الدخول معها في أي صورة من صور التعامل أو التفاوض. ومن الجانب السياسي يعني العمل الدائم على إقصاء الجماعة وتقليص نشاطها، بل والسعي نحو القضاء عليه تماماً، ومن الجانب الاجتماعي يعني القطيعة والتباعد بين أعضاء الجماعة والمجتمع. من الذين اهتموا بالتغيير الذي لحق بوجه الإرهاب في الفترة الأخيرة، ومغالاته في القتل، وسفك الدماء، إلى حد ذبح الرؤوس، والتمثيل بالجثث، في انتهاك صريح وساخر لكل تعاليم الإسلام، إن عقيدة الجماعة توحشت، وتمددت على حساب العقيدة الدينية، التي يرفعها التنظيم شعارا له، بحيث أخذت عقيدة الجماعة، تفرز تفسيرات، تبرر بها هذا الخروج على أصل الدين الإسلامي نفسه.
بسم الله الرحمن الرحيم
” مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا “
صدق الله العظيم
التعليقات