محمد بن اسماعيل البخارى اسم شهير وعلم كبير ، حظى بمكانة لائقه بين جنبات التاريخ الاسلامى ، أثره يدوى فى كل مكان ، يعرفه القاصى والدانى ، اذ تعرفه العرب حق المعرفه
بالرغم من كونه ليس عربيا ، وتعرفه فارس فقد خرج من رحمها ، ويعرفه كذلك سائر من حولها ، ارتقى بعلم الحديث أيما ارتقاء بعد أن اقتطع من حياته ستة عشر عاما فى تدوين كتابه الذائع صحيح البخارى ، الذى يعد بحق أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى باجماع آراء العلماء المتقدمين والمتأخرين ، وقد قال هو عنه ما وضعت فى كتاب الصحيح حديثا الا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين ، لله در الامام البخارى أمير أهل الحديث فى كل زمان ومكان من لدن الصحابه أجمعين ، هو الامام الجليل والمحدث العظيم الذى انبرى لتدوين الحديث الشريف بعد فحص وتمحيص ليخرجه فى أبهى صورة من الصحة والدقه ، لقد شهد له شيوخه وأقرانه وتلاميذه وهى خصلة فريده قلما توفرت فى أحد غيره من العلماء الا قليل ، ان شهرة البخارى رحمه الله لم تقتصر عند حدود العلماء والمثقفين فحسب وانما عرفته العامه والبسطاء لدرجة أن اسمه يستدعى فى الحال عبارة صارت تقليدا فى أفواه الأجيال * هو احنا غلطنا فى البخارى * ، والحق فان حياة البخارى رحمه الله انما تمثل دروس وعبر من الصبر على البلاء وتجاوز الأعباء ، فقد نشأ يتيما وتكفلت به أمه وقامت على تربيته أحسن تربيه ، ثم ابتلاه ربه فى صباه بفقدان بصره حتى أن أمه الصالحه كانت تتودد الى ربها بالدعاء ليل نهار ، راجية أن يرد على صبيها بصره ويشاء الله أن يسمع دعاءها فيأتيها ابراهيم عليه السلام يبشرها فى المنام يقول لها ، يا هذه قد رد الله على ابنك بصره لكثرة دعائك ، ثم جاء الدور الحقيقى والمحورى للأم الصالحة العابده فى تهيئة ابنها الصبى محمد ابن اسماعيل البخارى ، اذ غرست فى نفسه محبة الله وحضته على طلب العلم وأخذته وهو ابن ستة عشر عاما هو وأخا له يدعى أحمد الى مكة للحج ، فلما أدوا جميعا الحج رجعت أمه وأخوه الى بخارى فيما بقى هو فى مكه بغيه المكوث فى حلقات العلم ، ليأخذ العلم بلسان العرب ومن منبعه ورافده الأول ،ةوظل بمكه ستة أعوام ينهل من شيوخه وعلمائه حتى برع بشده فتهيأت أمامه فرصه التنقل بين حواضر العالم الاسلامى ، فقصد بغداد والبصرة والكوفة ودمشق وخراسان ونيسابور وهراه ومصر وغيرها ، حتى بلغ ذروة العلم ولاسيما علم الحديث الذى اتقنه دراية وروايه ، وكان من أعظم ثمراته فى هذا المضمار تخريجه لأعظم كتب الحديث على الاطلاق ، وهو صحيح البخارى الذى يحمل بين دفتيه 7275 حديثا ، اختارها البخارى من بين ستمائة ألف حديث كانت تحت يديه ، وبينما كان البخارى علم كالنجم الساطع يقره ويبجله أهل العلم فى كل وقت وحين ، الا أن الرجل لم يسلم فى أى عصر من افتراء واجتراء شر ذمة الجاهلين والحاقدين ، فقد نزلت به فى حياته محنة خلق القرآن على يد الخليفة العباسى ، وفى زمننا المعاصر يقوم شرذمة من سفهاء وجهلاء القوم فى مختلف الأمصار ، بالتنظير لحملات مسمومه للقدح والذم فى أحاديث البخارى متبعين فى ذلك رهطا يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ، ما أروع البخارى وهو يشهد له الجميع بسعة المعرفة وغزارة العلم فيقول عنه ابن خزيمه ، ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن اسماعيل البخارى ، وقال له تلميذه مسلم بن الحجاج صاحب صحيح مسلم ، دعنى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث فى علله ، وقال شيخه أحمد ابن حنبل ، ما أخرجت خراسان مثل محمد بن اسماعيل البخارى ، وقال ابن كثير البخارى امام أهل الحديث فى زمانه والمفتدى به فى أوانه والمقدم على سائر أضرابه وأقرانه ، رحم الله الامام الجليل محمد ابن اسماعيل البخارى أمير أهل الحديث ***
التعليقات