السبت - الموافق 07 سبتمبر 2024م

صعوبات البحث العلمي في مصر ,,, بقلم الدكتور عادل عامر

يواجه البحث العلمي في مصر مجموعة من المشكلات المعقدة والمتشابكة، وكلها وإن تفاوتت تأثيرها ودرجاتها ومدى تداخلها لا يمكن النظر إليها منفردة أو منفصلة عن بعضها البعض، ولا يمكن أيضاً التعامل معها بعيداً عن النظام السياسي الحاكم وعن الأوضاع الثقافية والنفسية والسلوكية السائدة في المجتمع ،

ومن أهم تلك المشكلات: عدم تبلور سياسة واضحة المعالم للبحث والتخبط في السياسة وعدم الاستقرار عليها من حين لآخر وتبدلها مع تتبدل الوزير المسئول عن التعليم والبحث العلمي في الدولة

كذلك ضعف الميزانية المرصودة للبحث العلمي حيث أن معدل الإنفاق على البحث العلمي في مصر لم يتعدى .23 من الناتج المحلي الإجمالي، وأن هذه النسبة ثابتة منذ عام 2007 وإن كانت الحكومة ترغب وتعمل على زيادة هذه النسبة إلى 1 % خلال خمس سنوات

إن البحث العلمي ونتائجه من أهم المظاهر الرئيسية المميزة للقرن الحادي والعشرين، فالدول لم تتعد تتباهى إلا بثروتها المعرفية والتقنية، أي تتباهى الدول بما لديها من باحثين وعلماء ومثقفين وما لديها من مؤسسات بحثية وجامعات مميزة، لأن الدول أدركت أن مصيرها في مختلف الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحضارية مرتبط أساساً بعطاء هؤلاء العلماء والمفكرين،

وبمعنى آخر فإن ما يعرف بالفجوة التقنية ” أي التكنولوجيا ” بين الدول المتقدمة والدول النامية، ليس سوى مسألة فروق في مستوى البحث العلمي والتطور والجهود التي تبذل في هذا المجال، فمثلاً هناك ست دول هي: أمريكا، ورابطة الدول المستقلة ” الاتحاد السوفيتي سابقاً “، واليابان، وألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا تحتكر 85 % من الموارد المخصصة للبحث العلمي في العالم حيث أن أمريكا بمفردها تحتل ما نسبته 35 % من هذه النسبة و50% للدول المتبقية،

ومن هذا المنظور تأتي أهمية البحث العلمي وجعله في مقدمة الأولويات فالجامعات هي القاعدة التي تنشأ فيها البحوث العلمية بما يتوفر لديها من كفاءات بشرية وتجهيزات ومكتبات ومعامل متخصصة ومناخ علمي متميز. لقد أصبحت الجامعات من خلال أهدافها ووظائفها الأساسية المتمثلة بالتعليم الأكاديمي والبحث العلمي وخدمة المجتمع تعد أحد أهم العناصر الداخلة في بناء وتطور حضارة العصر الذي نعيش فيه، فهي المؤسسة التعليمية الأكبر، وهي عقل الأمة وروحها، وهي قلبها النابض الذي يغذيها بالعلماء المبدعين، والقادة الأفذاذ، والساسة والمفكرين، والقوى العاملة المدربة في مختلف المجالات الذين بدورهم يشكلون أداة الرقي والتقدم والازدهار

ومما لا شك أن البحث العلمي يمثل إحدى أهم المهام الأساسية التي تميز الجامعات بعضها عن بعض، بل وتحظى بالتقدير والمكانة بين مؤسسات المجتمع الأخرى، وفضلاً عن ذلك أصبح أحد الوسائل الرئيسة لتتبوأ الدولة مكاناً مرموقاً في هذا العالم وأحد المعايير التي يقاس بها مدى تقدم الأمم. إن البحث العلمي أصبح شرطاً هاماً لتقدم المجتمع، ويشتمل على مناحي الحياة ، كافة بما فيها العلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية

، فالجامعات ومؤسسات التعليم العالي هي المكان المناسب لحل جميع الصعوبات الاجتماعية والصناعية الزراعية والطبية والإدارية والاقتصادية وغيرها على المستوى الوطني، وهذا يتطلب تأمين احتياجات البحث العلمي من مراكز بحثية وأدوات ومخابر ومعامل ومراجع وأجهزة تقنية متطورة وأموال كافية

، فالجامعات ومؤسسات التعليم العالي، هي مراكز إشعاع لأي مجتمع من المجتمعات، ولا يخرج عملها عن إطار وظائفها الثلاث وهي” التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع “، وهذه المهمات لا تخرج عن إطار مهمات كليات التربية فهي المعنية بالأدوار الاجتماعية وببناء الإنسان، كما أن هذه الوظائف العامة لا تختلف باختلاف الزمان أو المكان، وهي بمثابة محور الارتكاز الذي تدور حوله أهداف الجامعة وسياساتها واستراتيجياتها وخطط عملها

معنى ذلك أن البحث العلمي لم يعد مقتصراً على الباحثين وعلى طلاب الدراسات العليا فقط بل أصبح ضرورة لكل إنسان مهما كان عمله أو مركزه، فالمعوقات والمشكلات التي نراها ونتعرض لها في الحياة اليومية تتطلب تفكيراً علمياً منهجياً لحلها، لذلك لم يعد مناسباً استخدام الطرق غير العلمية واللجوء إلى المحاولة والخطأ في مواجهة هذه المشكلات

، إذ يعد عصرنا الحالي بحق عصر العلم والتكنولوجيا، وقد أصبحا مصدراً رئيساً لقوة الإنسان المعاصر، لاسيما وأن الثورة العلمية والتقنية مستمرة، وتزداد عمقاً في مجمل مناحي الحياة، وتمثل التكنولوجيا عاملاً هاماً في تحديد صورة المجتمع،

ومن ثم فإن نجاح عملية تحديث المجتمع وجسر الهوة التي تفصل المجتمعات التي هي في طريق النمو عن العالم المتقدم، لن تتم إلاَّ بإحداث تحولات جذرية في تبني العلم والبحث العلمي واستثمار التقدم الهائل في التكنولوجيا ومعطيات العلم الحديث. فإذا ما أردنا أن نلحق بركب التكنولوجيا الذي لا ينفصل عن الثقافة فلا بد من تهيئة المناخ الاقتصادي والسياسي والعلمي والعودة مرة ثانية إلى ريادة العلم للحاق بركب الحضارة في ضوء الاحتياجات الضرورية والملحة للنهوض بالبحث العلمي في مصر وحل مشكلات البحث العلمي في الجامعات وبناء على نتائج الدراسة الميدانية فإنه يمكن تحديد عدد من التوصيات في نواحي مختلفة تستهدف جميعها النهوض بالبحث العلمي بمصر وذلك على النحو التالي:

•وضع تصور عام لخطط البحث العلمي بالجامعة وعلى مستوى الأقسام والكليات وفقا للاحتياجات التي تتطلبها في كافة المؤسسات.

•دعم البحوث والباحثين من خلال المنح والهبات والجوائز العلمية التي تزيد وتعزز من عمل البحث العلمي

•إمداد الجامعات بالأجهزة العلمية المتقدمة بما يساعد الباحثين على النهوض بمهامهم ووضع خطة لإمداد مراكز البحوث والكليات بالكتب والدوريات العلمية والأبحاث وتلقي في الندوات العلمية.

•زيادة الميزانيات المخصصة للبحث العلمي بشكل عام وتسهيل الإجراءات الإدارية في المخصصات اللازمة لتمويل الأبحاث العلمية.

•توفير تمويل البحث العلمي اللازم لتجهيز المختبرات وتحديثها.

•تبادل المعلومات البحثية بين المتخصصين.

•توفير المراجع والمصادر الحديثة المختلفة.

•التعاون والتواصل بين الجامعة والجامعات الأخرى والجهات المعنية بالبحث .

•التعاون بين الزملاء وأعضاء هيئة التدريس في إجراء بحوث مشتركة.

•تفريغ عضو الهيئة التدريسية في أثناء إعداد البحث.

•إجراء دراسة مماثلة للوقوف على المشكلات التي تواجه الكليات في مجال البحث العلمي .

•تنمية قدرات الباحثين وتعزيز المهارات البحثية وذلك بتبادل الخبرات وزيادة المشاركة في الدورات والندوات والمؤتمرات وورش العمل.

•تعزيز التواصل بين الباحثين والجهات المستفيدة من البحث العلمي مثل” الوزارات – الجامعات – مراكز البحوث – القطاع الخاص – الشركات” .

•مكافآت مالية جيدة للباحثين تناسب جهودهم البحثية وتعزز نشاطهم وتشجعهم على مواصلة البحث العلمي.

•تطوير نشر الأبحاث والدراسات في مجلات محكمة ووضعها على شبكة الأنترنت للاستفادة منها .

•ضرورة إيجاد السبل الكفيلة للحد من هجرة العقول والكفاءات العلمية المتخصصة.

•ضرورة وضع خطط بحثية مركزية ملائمة لكل كلية للنهوض بالبحث العلمي.

•تفعيل الاتفاقيات الثقافية للتبادل العلمي مع الجامعات الأخرى.

•التنسيق والتعاون بين الكليات المختلفة في الجامعة الواحدة ونظائرها في الجامعات الأخرى. •إلزام الوزارات والمؤسسات والجهات المستفيدة من البحث العلمي بالتعاون مع الجامعات في مجال البحث العلمي.

•وضع خطط بحثية على مستوى الكلية عامة والأقسام العلمية بصفة خاصة.

•ضرورة تحديث المعامل وتزويدها بفنيين متخصصين للمساهمة في إخراج الأبحاث المطلوبة ومساعدة الباحث.

•وضع استراتيجية شاملة للبحث العلمي على مستوى الجامعة والكليات.

•تشجيع أعضاء هيئة التدريس والباحثين لإجراء البحوث المشتركة.

•ضرورة أن يشعر الباحث بأن الجامعة توظف نتائج بحثه.

•عقد مؤتمرات في الجامعة لإعلان نتائج البحوث العلمية الجيدة.

•إكساب عضو هيئة التدريس المهارات اللازمة لإجراء البحوث العلمية وتثقيفه بمعايير البحث العلمي.

•إيفاد أعضاء هيئة التدريس بالجامعات إلى مراكز البحوث العلمية بشكل دوري.

•تكريم الباحثين على مستوى الكليات في عيد الجامعة.

•الاهتمام بتدريس مناهج وقواعد البحث العلمي في المرحل الجامعية ” البكالوريوس” .

•الاهتمام بتدريب المشرفين ومساعدتهم على تنمية قدراتهم الإشرافية والبحثية والتدريسية من خلال إقامة الندوات والمؤتمرات العلمية والدورات التدريبية.

•ضرورة تحويل الجامعات إلى مراكز استشارية تقدم المشورة بما يتعلق بمصلحة الدولة وتكون هي المستشار الأول للدولة في كل المجالات الممكنة فالجامعات هي النواة الرئيسية للبحث العلمي ومن الضروري أن تكون الجامعات أول المبادرين لاتخاذ دورها الفاعل في البحث العلمي وفي المشاركة باتخاذ القرار.

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك