الإثنين - الموافق 17 مارس 2025م

صفحات مشرقات من التاريخ مطويات ١٦ … بقلم: أحمد العش

كانت حياة اللهو والمجون هى الصورة الذهنية المنطبعة عن أكثر أبناء الملوك والحكام فى التاريخ قاطبة، أما الزهد والتقشف والسؤدد والنبل فى أسمى معانيه، فهذا هو النقيض القليل المستثنى،،،
لقد ارتبط بحياة عمر بن عبدالعزيز أعظم خلفاء الدولة الأموية وأحد أبرز وجهاء العدل فى التاريخ؛ ابناً عظيماً كريماً، صالحاً فاضلاً، ولأبيه وزيراً وناصحاً، ولكن أبى التاريخ والمؤرخون أن يضعوه فى مصاف العظماء، وهو جدير بذلك نحرير كذلك، إنه عبدالملك بن عمر بن عبدالعزيز، أصغر وزير فى الإسلام، وأحد أعظم رجالات التاريخ بالرغم من صغر سنه…
كان عبدالملك بن عمر بن عبدالعزيز قوالاً بالحق، مقداماً بالصدق، ألمعياً أحوذياً بالسبق،،
قال لأبيه يوماً يا أبت أقم الحق ولو ساعة من نهار ..
ووعظه يوماً آخر يا أبى ما منعك أن تمضى لما تريد من العدل؟
فوالله ما كنت أبالى لو غلت بى وبك القدور فى ذلك!!!
قد عرفنا أن عمر بن عبدالعزيز كان وسيظل مقروناً بإقامة العدل بين الرعية، فكيف بابنه وهو يشدُ من أزره ويربطُ على كتفه، لنشر العدل وإقامة الحق .. رحم الله عمر بن عبدالعزيز، ورحم الله ابنه عبدالملك أصغر وزير فى الإسلام، العابد الزاهد، المقدام الهمام، الذى مات بالطاعون وهو ابن تسعة عشر سنة، والذى لم يذكره التاريخ إلا ذكراً ثانوياً لا يليق بجلائل مناقبه وشمائل محاسنه ..
ومثلما أفل نجم عبدالملك بن عمر بن عبدالعزيز، بالرغم من غزارة علمه وورعه، ورصانته وحصافته، قياساً بالشهرة الذائفة لبعض أمراء بنى عمومته من الدولة الأموية، فها هو أحمد السبتى أحد أبناء هارون الرشيد، يلقَى مصير عبدالملك بن عمر بن عبدالعزيز، فى تغافل مكارمه وتجاهل محاسنه،،،
كان هارون الرشيد هو رجل دولة بنى العباس الأول فى كل تاريخها، مثل عمر بن عبدالعزيز فى الدولة الأموية، وبالرغم من الشهرة الثلاثية لهارون الرشيد وبنيه الأمين والمأمون، فإن أحمد بن هارون الرشيد كان أتقى من أبيه الذى كان يحج عاماً ويغزو الآخر، ومن أخويه، اللذين تقاتلا على الخلافة،،
عاش أحمد بن هارون الرشيد فى البصرة، مع أمه التى تزوجها الرشيد، وبلغ من الزهد والتواضع والايثار، ما يجعله يتسمى بأحمد السبتى، ذلك لأنه كان يعمل يوماً واحداً فى الأسبوع هو السبت، فيما كان يتعبد بقية أيام الأسبوع،،
انصرف عن حياة أبيه وأبهة الخلافة وانضوى وانزوى عن التطلع حتى للإمارة والوزارة، وظل أسيراً للبصرة، يعمل فاعلاً أجيراً فى الطين، ورأس ماله مجرفة يجمع بها التراب، ولما حضرت أمه الوفاة أعطته الخاتم الذى تزوجها به هارون الرشيد، فظل معه حتى إذا أدركته الوفاة، أخرج الخاتم وأعطاه لرجل وحمله رسالة لهارون الرشيد مفادها
اذهب إلى هارون الرشيد وقل له صاحب هذا الخاتم يقول لك إياك أن تموت فى سكرتك هذه، فتندم حيث لا ينفع نادماً ندمه، واحذر انصرافك من بين يدى الله إلى الدارين، فإن ما أنت فيه لو دام لغيرك لم يصل إليك، وسيصير إلى غيرك وقد بلغك خبر من مضى،،،
فبكى هارون الرشيد بكاءً مريراً حتى ذهب لقبر ابنه يدعو له بالرحمة والمغفرة،،،
عاش هارون فى عز وزهوة الخلافة وعاش معه بنوه الأمين والمأمون أميرين ثم خليفتين بعد أن قتل أحدهما الآخر، وعاش أخيهم من أبيهم أحمد السبتى حياة الزهد والتعبد مجرداً من ولع الإمارة والخلافة، ثم ماتوا جميعاً، وتركوا الدنيا، وأظن أن أربحهم حظاً فى الآخرة سيكون أحمد السبتى، الذى عاش فقيراً معدماً فى الدنيا، ومات مقبلاً على الآخرة بهمة عالية ،،،
رحم الله عبدالملك بن عمر بن عبدالعزيز أصغر وزير فى الإسلام، ورحم الله أحمد السبتى بن هارون الرشيد، الزاهد العابد!!
فأين هذا وأين ذاك من صفحات المؤرخين؟
وأيم الله لو لم تبلغ شهرتهما حد العشرة أشخاص، فإن مناقبهما ترجح بملايين الرجال ،،،
أولئك آبائى وفخرى واعتزازى
البقية فى المقالات القادمة

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك