اقتطعت الحروب الصليبية رَدحاً طويلاً من الزمن، وتكالبت كثير من الأسر الإسلامية، فى الزود عن حصون وقلاع وأراض المسلمين، وظلت راية الجهاد ضد الصليبيين فى ديمومة لم تنقطع، استهلها السلاجقة وسلموها لبنى زنكى ثم للأيوبيين ومنهم إلى المماليك، وفى ظل التمجيد المستحق لصلاح الدين خاصة فى الإيقاع بالصليبيين، وارتباطه تحديداً بهزيمة الصليبيين فى موقعة حطين ١١٨٧م، غفل التاريخ وتغافل المؤرخون عن ذكر المشرعين الأول فى مجابهة الصليبيين، ولأن لكل شىء سبباً فأتبع سبباً، فإن لكل نهاية أصلٌ وبداية، وكانت بداية تحدى الصليبيين تتمحور فى ذلكم الأمير مودود بن التونتكين رحمه الله تعالى، فهو الأمير السلجوقى الذى أوكل إليه محمد السلجوقى مهمة إزاحة جاولى سقاو حاكم الموصل، بعد أن اشتد طغيانه وعنفوانه لأهل الموصل، فلما نجح فى مهمته أقره على الموصل، ثم ما لبث أن استغاث به طغنتكين أمير دمشق، ليخلصه من تربص الصليبيين، الذين أسسوا إماراتهم الصليبية الأربعة فى بلاد الشام، ولا غرو أن تدب حمية الإسلام فى مودود بن التونتكين، الذى شد الرحل إلى الرُها وبيت المقدس وأنطاكية وطرابلس، قاطعاً ألف كم٢، ليحقق أول نصر على الصليبيين فى موقعة الصنبرة التى دارت رحاها عام ١١١٣م، والتى تمخضت عن هزيمة نكراء لحاكم بيت المقدس بلدوين الأول، وكذلك مقتل ألف فارس صليبى، وبينما دخل البطل الصائم ممدود بن التونتكين المسجد ليصلى، إذ تتبعته يد الغدر الباطنية الخبيثة، فقتلته وهو في بيت الله، وأبى أن يشرب قطرة ماء وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة قائلاً ( لا لقيت الله إلا صائماً ) ومن الطريف الباكى أن بلدوين الأول كتب رسالة لطغنتكين يقول فيها ( إن أمة قتلت عميدها فى يوم عيدها وفى بيت معبودها حقيق على الله أن يبيدها ) يقصد بذلك الباطنية المنتسبين للإسلام ، وكيف قتلوا مودود بن التونتكين ومن قبله نظام الملك وزير السلاجقة….
مات البطل ممدود بن التونتكين بعد ملحمة فائقة من الشجاعة والبسالة، ليأتى من بعده على ذات منواله ودربه نجم الدين إيلغازى بن أرتق، الذى لم يختلف عن سلفه قيد أنمله، وقد أبلى فى جهاد الصليبيين بلاءً حسناً، تكلل بإنزال الهزيمة بهم فى معركة ساحة الدم عام ١١١٩م، تلك الموقعة العظيمة التى قادها أمير حلب نجم الدين إيلغازى الأرتقى، والتى قتل فيها روجر أمير أنطاكية الصليبى ،،،
كانت موقعة الصنبرة ١١١٣م
وموقعة ساحة الدم ١١١٩م
نصرين عظيمين جديرين، لبطلين أوليين فى مشروع الجهاد الصليبى، هما ممدود بن التونتكين ونجم الدين إيلغازى بن أرتق، فكانا الرجلين خير قدوة فى هذا المضمار، لكل من جاء بعدهما عماد الدين زنكى وابنه نور الدين محمود، وصلاح الدين الأيوبي وحفيده الكامل محمد ميافارقين، والظاهر بيبرس والاشرف خليل بن قلاوون …
كم كان التاريخ منصفاً فى بعض حقباته وتصنيفاته ومع بعض أعلامه، وجائراً فى مواطن أخرى بتجافى كثير من أبطاله وصناديده،،،
حقيق على التاريخ إعادة البلورة والصياغة، فكم من عظمائه الكثيرين منسيين…
رحم الله مودود بن التونتكين صاحب أول مسمار فى نعش الصليبيين..
ورحم الله صنوه وخليفته نجم الدين إيلغازى الأرتقى
صدقت ربى حقا كنتم خير أمة أخرجت للناس …
أولئك آبائى وفخرى واعتزازى
البقية فى المقالات القادمة

التعليقات