كتب : أ . سُوف عبيد ـ تونس
كانت الصّلات الثقافية بين المغاربة والمشارقة وطيدة عبر كل العصور تأثرا وتأثيرا منذ عهد الفراعنة والأمازيغ ومنذ عهد الفينيقيين بين صور وقرطاج إلى عصور التاريخ العربي الإسلامي ببن الحجاز وإفريقية حينا ثم بين القيروان والأندلس حينا وبين دمشق وبغداد في طور آخر ولعل التفاعل بين المشرق والمغرب الذي شهد التمازج الأكبر قد تجلى في بناء مدينة القاهرة في مصر إبان عصر الفاطميين الذين جابت أساطيلهم ضفاف المتوسط وجالت قوافلهم في شتى المناطق العربية مغربا ومشرقا وقد تواصل ذلك التفاعل الثقافي على مدى العصور اللاحقة وإلى الثلث الأول من القرن العشرين عندما رحل بعض الأدباء والشيوخ التونسيين مثل عبد العزيز الثعالبي والخضر حسين إلى بغداد والقاهرة وساهم أبو القاسم الشابي في حركة أبولو هناك من خلال نشر قصائده بمجلتها التي طلب صاحبها أحمد زكي أبو شادي من الشابي أن يكتب له مقدمة ديوانه وكأن التاريخ يعيد نفسه أحيانا ولكن بصورة عكسية فقد صدر أخيرا بمصر وعن دار نشر ليبية ديوان الشاعرة التونسية زليخة عوني بمقدمة لصديقنا الدكتور حسن عبد العليم يوسف مما يؤكد التواصل الأدبي بين المشرق والمغرب عصرا بعد عصر وجيلا بعد جيل
ديوان ( هويتي عشقي )
ـ ورد في نحو 44 قصيدة توزعت على 150 صفحة ضمن غلاف ورديّ صقيل كأنه يوحي من قبل القراءة بَوْحًا بالعشق يصل إلى حدود المكاشفة والحلول بل إلى تخوم الجنون في بعض القصائد كقول الشاعرة في قصيدة عيار العشق ص ” 105 ”
( حواء رحماك
رحماك
أشهد أن العشق
عيار جنون
فلتة شوق
من سيدة الخرافات )
فكأن الشاعرة زليخة عوني تواصل سيرة العشاق والعاشقات القدامى من عنترة وعبلة إلى قيس وليلى إلى ولادة ابن زيدون ولكن بأكثر جرأة وإفصاحا وهذا يعود إلى العصر التحرري الذي تعيشه المرأة التونسية خاصة والمرأة العربية عامة بفضل انتشار التعليم وتمكنها من اكتساب قرارها الخاص في مصيرها ضمن حركات التحرر الاجتماعي والسياسي التي ظهرت في السنوات الأخيرة وأضحت واقعا ملموسا في أوائل القرن الحادي والعشرين وأصبحنا نلمس آثاره بوضوح في كتابات الأديبات حتى في البلدان العربية التي تُعتبر محافظة أكثر من غيرها
قصائد الديوان
إن قصائد هذا الديوان تمثل خلجات الأنثى في تعبيرها بوضوح عن وجدان عارم بالأشواق إلى عالم الجمال والصفاء ذلك الذي تراه لا يتحقق إلا بالتناغم والانسجام مع النصف الآخر فترسم أحوال نفسها في معاناتها من الغيرة والشوق والقسوة والرغبة والرهبة والقلق… غير أن حبها الأكبر ربما يظل للحرف فهو الصوت والصدى وهو الملاذ والحمى وهو الإبداع في أروع تجلياته عندما لا تجد سواه رفيقا وأنيسا حيث تقول في قصيد ـ الحرف سفري وترحالي ـ ص “139 ”
( الحرف
سرّ الحياة
زخرفة المشتاق
روح البساطة
يؤججها لهفة
يضمّد جراحها
يسكب أريج الريحان
الحرف
رفيق الحيران
ينبئ أعينكم عن حالي
هو سفري وترحالي )
زليخة عوني تطرق بوابة الشعر
الشاعرة زليخة عوني تطرق بوابة الشعر بروح العزم والمثابرة بفضل وجدانها الصادق وتوقها إلى الأفضل في نصوصها الجديدة التي أرجو ان تسرع بنشرها لتكون إضافة في مدوّنة الشعر العربي الحديث هذا الشعر الذي يينع في كثير من البلاد العربية على لسان حواء…حواء الجديدة .
التعليقات