إن الدولة المصرية عندما تحولت إلي النظام الرأسمالي الاقتصاد الحر الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج ( العمل أساس الملكية ) : حيث يرى كارل ماركس أنه ينبغي إلغاء الملكية الخاصة عن طريق التأميم و تحويلها إلى ملكية جماعية تحت شعار الكل يملك ولا أحد يملك ، والهدف من هذا المبدأ هو القضاء على كل أشكال التمييز و الفوارق الطبقية أي خلق مبدأ تكافؤ الفرص وتحقيق العدالة الاجتماعية
فقد ولى العالم وجهه شطر الاشتراكية فلم يجنى سوى الخراب والانهيار، وقد زالت الاشتراكية وماتت وهى في عمر 72 عاماً (من 1917 – 1989م)، وبعد انهيار الاشتراكية فُتِحَ الباب على مصراعيه للمد الرأسمالي، فباتت أغلب دول العالم تحت مظلة الرأسمالية، ولكنها لم تلبث أن وقعت في براثن الأزمات، خاصة أن الاقتصاد الرأسمالي بطبيعته هو اقتصاد الأزمة، أي أنه يمر بدورات ومن ثم أزمات من حين لآخر، وليس أدل على ذلك من أزمة دول شرق آسيا 1997 وأزمة شركات الاتصالات مطلع الألفية وأزمة دول أوروبا مطلع الألفية أيضاً وأزمة الغذاء العالمي 2007م وأخيراً الأزمة العالمية الطاحنة 2008م والتي لا نزال نعيش توابعها إلى الآن، وخير مثال أزمة منطقة اليورو …الخ.
ربما يبادر البعض بالقول لما لا يُنص في الدستور على أن النظام الاقتصادي لمصر هو النظام الاقتصادي الإسلامي، وهذه في رأى ليست أكثر من كلمات حق يراد بها باطل. فهل لدينا نظام علمي متكامل يسمى النظام الاقتصادي الإسلامي؟ هل هناك نظام اقتصادي إسلامي ونظام اقتصادي مسيحي ونظام اقتصادي يهودي؟! هل اتفقت الأمة الإسلامية على كافة القضايا الخلافية، وخلصت إلى رؤية موحدة بشأن كل تلك القضايا ومن أبرزها قضية الربا.
فما يعد ربا في السعودية لا يعتبره مجمع البحوث الإسلامية ربا…وهكذا. الحقيقة أن ما لدينا الآن لا يعدو أن يكون مجرد اجتهادات فقهية متناثرة لا ترقى إلى مستوى النظام الاقتصادي المتكامل الأركان الذي نتمناه.
مؤكد أنني في مقدمة من يأملون في أن تقدم الأمة الإسلامية نفسها للعالم برؤية موحدة وواضحة المعالم، تنقذ البشرية مما هي فيه من ضياع ودمار تحت راية الاشتراكية تارة وتحت راية الرأسمالية تارة أخرى. ورغم نقدنا اللاذع للرأسمالية إلا أنها تبقى أقرب الأنظمة أو الرؤى إلى الواقع والفطرة الإنسانية. فالرأسمالية ليست نظاماً مسيحياً أو يهودياً ولكنه نظام صاغه علماء الاقتصاد من الواقع، فهو ليس اختراع أو ابتكار ولكنه تنظيم وتجسيد علمي لواقع حقيقي.
فقد نص الدستور المصري الجديد المقومات الاقتصادية للدولة المصري (يهدف النظام الاقتصادي إلى تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، ورفع مستوى المعيشة، وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة، والقضاء على الفقر. ويلتزم النظام الاقتصادي بمعايير الشفافية والحوكمة، ودعم محاور التنافس وتشجيع الاستثمار، والنمو المتوازن جغرافيا وقطاعيا وبيئيا، ومنع الممارسات الاحتكارية، مع مراعاة الاتزان المالي والتجاري والنظام الضريبي العادل، وضبط آليات السوق، وكفالة الأنواع المختلفة للملكية، والتوازن بين مصالح الأطراف المختلفة، بما يحفظ حقوق العاملين ويحمى المستهلك.)
ويلتزم النظام الاقتصادي اجتماعيًا بضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية وتقليل الفوارق بين الدخول والالتزام بحد أدنى للأجور والمعاشات يضمن الحياة الكريمة، وبحد أقصى في أجهزة الدولة لكل من يعمل بأجر وفقًا للقانون.
فأكرر دائماً “أنه مهما كانت تكلفة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية فإن هذه التكلفة لا يمكن أن تقارن بتكلفة ترك العنان للقطاع الخاص، وأعتقد أن التاريخ الاقتصادي خير معلم في هذا الخصوص
إذاً وجود نص قاطع بشأن نظام اقتصادي بعينه في الدستور ليس قدراً محتوماً! فهذا ليس قرآن، خاصة أن العالم جرب النظامين ولم يجنى سوى الفشل الذريع تحت لوائهما. لذا الأفضل عدم النص صراحة على نظام بعينه بحيث يضمن باب المسار الاقتصادي لمصر نصوصاً واضحة، توازن بين دور الدولة في الحياة الاقتصادية ودور القطاع الخاص باعتباره قائد لقاطرة التنمية.. – تدخل الدولة في الأنشطة الاقتصادية ( التخطيط المركزي ) : أي على الدولة أن تقوم بالتخطيط والتوجيه ووضع برامج تنموية لجميع القطاعات ، كما أنها هي التي تسير الشؤون الاقتصادية وذلك من خلال تحديد كمية و نوع المنتج وسعره و أجور العمال، و هذا المبدأ يهدف إلى تجنب الأزمات الاقتصادية و تلبية الحاجات الضرورية لأفراد المجتمع كالغذاء و اللباس و السكن ، الصحة والتعليم.
إذن أفضل نظام اقتصادي الذي يحقق الرخاء هو الاقتصاد الموجه حيث قيل ” إن الحياة الاقتصادية المزدهرة لا تتحقق إلا في ظل سياسة اقتصادية موجهة ترعاها الدولة “.
إن النظرية الاشتراكية ورغم الإيجابيات التي جاءت بها إلا أنها تنطوي على عدة سلبيات و نقائص لذلك وجهت لها مجموعة من الاعتراضات والانتقادات ومن بينها نذكر : إن هذه النظرية ناقضت الطبيعة الإنسانية المحبة للتملك بإلغائها للملكية الفردية حيث أدى هذا إلى القضاء على روح المبادرة لدى الفرد وقتل المواهب والتشجيع على الكسل و الخمول. كما أنها ساهمت في ظهور آفات اجتماعية كالرشوة والمحسوبية و البيروقراطية و البطالة المقنعة والاتكال و السرقة واللامبالاة. و فضلا عن هذا كله فإن منتجات النظام الاشتراكي تتميز بالرداءة.
إن الاقتصاد الحر الذي تمثله الرأسمالية والاقتصاد الموجه الذي تمثله الفلسفة الاشتراكية وإن اختلفا في المبادئ إلا أنهما يتفقان في نقطة أساسية فكلاهما ركز على الجانب المادي في الحياة الاقتصادية وأهمل القيم الروحية و الأخلاقية.
الملكية الخاصة أو الفردية لوسائل الإنتاج (الملكية هي أساس العمل ): كقاعدة عامة في هذا الاقتصاد ، وحق مشروع لكل فرد في كل أنواع الثروة ، وعلى القانون حمايتها ، وتمكين أصحابها منها بغرض تنميتها وتوجيهها بحرية كاملة. بمعنى أن الفرد لديه الحرية التامة في امتلاك ما يريد ومتى يشاء من أراضي زراعية و عقارات وآلات مصانع ووسائل نقل ، انطلاقا من مبدأ الملكية أساس العمل ، وهذا المبدأ يتماشى مع الطبيعة الإنسانية المحبة للتملك فمن خلاله يحافظ الإنسان على بقائه و استمراريته حيث قيل : ” إن الملكية تضاعف جهد العامل و تجعله يحافظ عليها “.
– الحرية الاقتصادية : أي أن الفرد له الحرية المطلقة في اختيار النشاط الاقتصادي الذي يقوم به من عمل وإنتاج و استثمار وتسويق ، طبقا لشعار هذا النظام الاقتصادي “دعي الطبيعة تفعل ما تشاء دعه يعمل أتركه يمر “. كما أن المنافسة الحرة بين المنتجين تؤدي من الناحية النظرية والناحية الإجرائية على حد سواء إلى توفير الإنتاج في السوق كما ونوعا ، وجعله حتى في متناول المواطن ، إنه منطلق التنافس الذي هو أساس كل تنافس وحركة اقتصادية لأن هذا النظام لا يتعاطف أبدا مع المتهاونين والمتكاسلين وخير معبر عن هذا هو شعار الرأسمالية ذاته ” لكل حسب قدرته ” ويقول باستيا : ” إن قتل التنافس معناه إلغاء للعقل و الفكر و الإنسان “.- قانون العرض و الطلب( قانون السوق) :
كما أن الدولة ينبغي أن لا تتدخل في تحديد الأسعار و الأجور لكون هذه الأخيرة تخضع لقانون السوق فهو الذي ينظم حركة الأسعار والأجور فإذا زاد العرض يقل الطلب فتنخفض الأسعار و الأجور و إذا قل العرض زاد الطلب فترتفع الأسعار و الأجور وفي هذا السياق يرى آدم سميث في كتابه” بحث في الطبيعة وأسباب ثروة الأمم ”
إن السوق تحكمه قوانين موضوعية وطبيعية وإذا حدث إن ارتفع سعر بضاعة ما فإنها ستصبح مربحة في السوق الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من إنتاجها فيرتفع العرض وتزيد في السوق وهذا ما يؤدي إلى انخفاض ثمنها ، فهذا المبدأ يهدف إلى تحقيق التوازن الاقتصادي وبالتالي تجنب الأزمات الاقتصادية ويقول آدم سميث : ” إن سبب الأزمات يعود إلى تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية “.
والواقع اليوم يبين لنا أن الدول المتقدمة اقتصاديا والمتحكمة في السوق والتي حققت الرفاهية و الرخاء الاقتصادي هي الدول التي اعتمدت على النظام الرأسمالي كالولايات المتحدة الأمريكية واليابان و الاتحاد الأوروبي حيث تتميز منتجاتهم بالنوعية والجودة.
إن هذا يعني أن هناك خططاً (برامج) سياسية واقتصادية ومالية متعمدة من أجل خلق اللاتوازن بين التيار السلعي والتيار النقدي، لصالح التيار الثاني بهدف الحصول على الأرباح الخيالية والمتأتية من المضاربات المالية الفارغة، وهذا هو الجوهر الرئيس للرأسمالية المالية المتوحشة، فحقاً أن الرأسمالية وفي مرحلتها المتقدمة الامبريالية هي احتكارية وطفيلية ومحتضرة وعدوانية وإجرامية.
تنامي معدلات الاستهلاك الشخصي لدى الغالبية العظمى من المجتمع الأمريكي، وهذا الإفراط في الاستهلاك يفوق الإمكانيات المادية للمواطن الأمريكي فهو مضطر للاستدانة، أي الحصول على القروض من اجل سد الاستهلاك الشخصي، وهذا يتم على حساب خلق الإنتاج المادي، ومن خلال الاستيراد للسلع والخدمات المختلفة، وبالتالي افرز هذا النمط الاستهلاكي خللاً في الاقتصاد وتحول الاقتصاد والمجتمع من إنتاجي إلى مجتمع استهلاكي وبامتياز، أي ظهور نزعة استهلاكية مفرطة،
التعليقات