الجمعة - الموافق 27 ديسمبر 2024م

فى طريق النور ومع المفسدين فى الأرض ” الجزء الثامن ” إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثامن مع المفسدين فى الأرض، وإن لأهمية الأخلاق في الإسلام كانت الفترة الزمنية المكية من بعثة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم منصبة على غرس القيم والأخلاق في أفراد المجتمع واستمرت هذه الفترة ثلاثة عشر عاما لم ينزل فيها أوامر أو نواهي أو تكاليف وهذه هي الرسالة الأخلاقية التي أصاغها جعفر بن أبي طالب رضى الله عنهن للنجاشي ملك الحبشة ولو إننا لو نظرنا إلى الدين الإسلامي لوجدناه ينقسم إلى ثلاثة أقسام، هى عقيدة وتتمثل في توحيد الله تعالى، وشريعة، وتتمثل في العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج وغيرها، وأخلاق وتتمثل في الأخلاق الفاضلة في التعامل مع الآخرين وكل قسم من هذه الأقسام الثلاثة يمثل ثلث الإسلام، فالعقيدة تمثل ثلث الإسلام، لذلك كانت سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن لاشتمالها على الجانب العقدي، وكذلك العبادات تعدل ثلث الإسلام، والأخلاق التي يظن البعض أن لا علاقة لها بالدين فإنها تعدل ثلث الإسلام، بل الإسلام كله، بل إنه صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الهدف من بعثته هو غرس مكارم الأخلاق في أفراد المجتمع فقال صلى الله عليه وسلم ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” رواه أحمد والبيهقي والحاكم، وقال المناوي، أي أرسلت لأجل أن أكمل الأخلاق بعد ما كانت ناقصة، وأجمعها بعد التفرقة، وقد وقف العلماء عند هذا الحديث قائلين لماذا حصر النبي صلى الله عليه وسلم.
بعثته في مكارم الأخلاق مع أنه بعث بالتوحيد والعبادات وهي أرفع منزلة وأهم من الأخلاق؟ وهوأن التوحيد والعبادات شرعت من أجل ترسيخ مكارم الأخلاق بين أفراد المجتمع، فالغاية والحكمة الجليلة من تشريع العبادات هي غرس الأخلاق الفاضة وتهذيب النفوس، كما هو معلوم في الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها، وإن التمسك بالأخلاق الفاضلة من الأمانة، من الصدق، ومن الوفاء، ومن الإخلاص، ومن جميع صور الأمانات، حتى يصل إلى المرتبة العليا في الجنة، وقد سئل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال صلى الله عليه وسلم “تقوى الله، وحسن الخلق، وإن المرء ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم” وكذلك فإن المحرمات ينبغي أن نجتنبها جميعا من الربا بجميع صوره، وعدم البيع والشراء بالمحرمات، والتجارة بالمحرمات، والاحتكار، وأن يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه، وكذلك التراحم، والتعاطف، وأن يحس المؤمن بالآم إخوانه المسلمين، وألا يظلمهم فقال صلى الله عليه وسلم “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يحقره، بحسب أمريء من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه” وكذلك حسن اختيار العاملين فينبغي، علينا أن نختار الأكفاء إذا أردنا أن نوظف في دائرة أو في مؤسسة كبرت أو صغرت، أن نختار الأكفاء الذين يكونون أمناء.
لا يحابون ولا يجاملون ولا يغشون ولا يزورون ولا يأكلون أموال الناس بالباطل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مَن ولّى على المسلمين رجلا وهو يعلم أن في المسلمين أكفأ منه فقد خان الله ورسوله” فينبغي أن نختار الأكفاء، حتى تكون مؤسساتنا وحتى تكون دوائرنا مبنية على الأمانة والصدق والإخلاص ومراقبة المولى عز وجل، ولقد حارب الإسلام الفساد بجميع صوره حتى يبتعد المسلمون عن هذه الخصل الدنيئة التي لا تليق بالمسلمين فلذلك جعل عقاب المفسدين قاسيا، وهى القتل وهذه العقوبة الشديدة للمفسدين في الأرض بجميع صور الفساد، وأن التحذير منه جاء عاما في الآيات القرآنية، والتحذير من كل صور الفساد، فلم يخصص نوعا من أنواع الفساد، حتى يبتعد المسلمون عن جميع الصور، وأن الله تعالى جعل العاقبة الحسنى لمن ابتعد عن الفساد وكان أمينا مخلصا في هذه الحياة الدنيا، فالذين ابتعدوا عن الفساد بجميع صوره هم الذين لهم الدرجات العلى في الجنة، ونسأل الله ألا يحرمنا ذلك، فينبغي أن نتعاون جميعا على محاربة الفساد، وأن نجعله قضية اجتماعية، فإن البلاء إذا نزل يعم الصالح والطالح، فيقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “مَثَل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فكان قوم في أعلاها وقوم في أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا أرادوا الماء مروا على الذين في أعلاها، فقال الذين في أسفلها لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا بدل أن نؤذي مَن فوقنا”
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم “فلو أنهم تركوهم وما أرادوا لهلكوا وهلكوا جميعا، ولو أنهم أخذوا على أيديهم لنجوا ونجوا جميعا” فعندما نسكت عن المفسدين ولا نبلغ عنهم ولا ننهاهم، ولا نرفع أمرهم ونتركهم ونسكت عنهم ونجاملهم فإن البلاء سينزل بنا جميعا، فينبغي ألا نجامل أحدا إذا رأينا مفسدا يستغل الوظيفة أو المؤسسة يحتال، يرتشي، أو يجامل، أو يسرق، أو يفعل أي صورة من صور الفساد أن نبلغ عنه معذرة إلى الله سبحانه وتعالى حتى لا ينزل بنا العذاب، فإن رأينا مفسدا، فينبغي أن نبلغ عنه بعد أن نتثبت ونتأكد أنه مفسد في وظيفته، أو أنه مفسد في مؤسسته، أو أنه مفسد في مسؤوليته، أن نبلغ عنه فنكون ممن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان” فينبغي علينا أن نحارب الفساد سرا وجهرا بجميع الصور وبجميع الوسائل، وأن لا نجامل، وأن نعد هذه كارثة ومصيبة، إذا نزل البلاء فإنه يعم الصالح والطالح، وإن الدين الإسلامي الحنيف حارب الفساد منذ اليوم الأول لبعثة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم, فالإسلام ذاته ثورة ضد الفساد, بدءا من فساد العقيدة، فقد جاء ليحرر الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد, وجاء ليقضى على الأخلاق الذميمة والعصبيات الجاهلية, وينشر بدلا منها, الأخلاق القويمة الحميدة.
وتكون العصبية للدين وحده, جاء ليقضى على كل مظاهر الفساد الاقتصادية والاجتماعية ويؤصل بدلا منها كل ما هو حسن وكل ما من شأنه أن ينهض بالأمة ويجعلها رائدة العالم كله، ولقد جاءت الشريعة الإسلامية السمحة لتحقيق مصالح العباد ودفع المفاسد عنهم، وهذا هو الهدف من بعثة الأنبياء عليهم السلام، حيث كان الإصلاح هو سبيل أئمة المصلحين من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وهو منهجهم، وأضاف الله الإفساد إلى المنافق وقد اختلف أهل التأويل في معنى الإفساد الّذي أضافه الله عز وجل إلي هذا المنافق، فقال تأويله ما قلنا فيه من قطعه الطريق، وإخافته السبيل كما حدث من الأخنس بن شريق، وقال بعضهم بل معنى ذلك قطع الرحم وسفك دماء المسلمين، وقد يدخل في الإفساد جميع المعاصي، وذلك أن العمل بالمعاصي إفساد في الأرض، فلم يخصص الله تعالى وصفه ببعض معاني الإفساد دون بعض، وفي سياق التشريع القانوني وضعت أشد عقوبة وأقساها في الإسلام ضد المفسدين في الأرض، ولهذا قاوم الرسول صلى الله عليه وسلم المفسدين ونكل بهم وعاقبه أشد العقوبة، فعن أنس بن مالك قال سألني الحجاج قال، أخبرني عن أشد عقوبة عاقب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال قلت قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من عرينة من البحرين، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لقوا من بطونهم.
وقد اصفرت ألوانهم وضمرت بطونهم، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها، حتى إذا رجعت إليهم ألوانهم وانخمصت بطونهم عمدوا إلى الراعي فقتلوه واستاقوا الإبل، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ثم ألقاهم في الرمضاء حتى ماتوا” رواه البخاري ومسلم، وهذا في سياق من يقطعون الطريق أمام إعمار الأرض وإصلاحها وازدهارها، ويسعون في الأرض فسادا، فلقد أوجب الإسلام على كل مسلم أن يسعى للإصلاح في الأرض لا للإفساد فيها، وهذا أمر الله عز وجل، وجاءت سنة النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم قال “إذا أتيت على راع فناد ثلاث مرات، فإن أجابك وإلا فاشرب من غير أن تفسد، وإذا أتيت على حائط بستان فناد صاحب البستان ثلاث مرات، فإن أجابك وإلا فكل من غير أن تفسد” أحمد والحاكم، وفي مجال الإنفاق حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدم الإفساد في النفقة فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا ” رواه البخاري ومسلم.
وفي مجال الزواج حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، على التيسير في الزواج وحسن الاختيار حفاظا على الأعراض ودرءا لمفاسد العنوسة وتأخر الزواج وسدا لأبواب الحرام والفواحش، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض” رواه الترمذي، كما حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، على إصلاح ذات البين وحذرنا من فسادها لأنها تحلق الحسنات وتدمر المجتمع، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة” قالوا بلى، قال صلى الله عليه وسلم صلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة” رواه أبو داود والترمذي، وغير ذلك كثير من الأحاديث التي حفلت بها السنة المطهرة والتي تدعو إلى الإصلاح وتنهى عن الفساد في كل مجالات الحياة، فإن الإفساد في الأرض أمر يجب التحذير منه والتنبه له، لأنه أمر مخالف لدعوة الأنبياء والرسل الكرام عليهم السلام الذين جاءوا بالإصلاح في الأرض، وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله عز وجل، وجاءوا ليسعدوا الناس، ولينشروا الخير بينهم، والفلاح والصلاح، وإن الإفساد في الأرض له ضرر عظيم على البلاد والعباد، وحتى على الحيوانات، والبر والبحر والطيور والدواب، فكل يتضرر من إفساد العباد في الأرض.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك