ونكمل الجزء السابع مع الحق فى القرآن الكريم، ويمكن الإجابة عن سؤال ما هو مفهوم الحق، بشكل سهل ومبسط بأنه مبادئ الحرية أو الاستحقاق القانونى، الاجتماعى، أو الأخلاقى، والحقوق هي القواعد المعيارية الأساسية بما هو مسموح للأفراد أو ما هم ملتزمون به، تبعا لبعض النظم القانونية، الاتفاقيات الاجتماعية، أو النظريات الأخلاقية، وإن الحق يقوم على عنصرين، العنصر الأول موضوعي، وهو المصلحة أو المنفعة التي تعود على صاحب الحق وهذه المصلحة قد تكون مادية أو أدبية أو معنوية، والعنصر الثانى وهو شكلي وهو عنصر الحماية القانونية أي الدعوى القضائية بمنحها لحماية الحق، وهكذا تكون قد تمت الإجابة عن سؤال ما هو مفهوم الحق؟ وتنقسم الحقوق بصفة عامة إلى حقوق سياسية وحقوق مدنية، أما الحقوق التي يتمتع بها المواطن دون الأجانب والجنسية هي معيار ثبوت تلك الحقوق، ومن الحقوق السياسية هو حق الانتخاب مع توفر شرط السن القانونى وحق الترشح، ويقابل هذه الحقوق واجبات كالخدمة الوطنية والدفاع عن الوطن والولاء له، وأما الحقوق المدنية فهي حقوق يتمتع بها الفرد كإنسان، ويستوي فى ذلك الوطني والأجنبى، وتنقسم الحقوق المدنية إلى حقوق عامة وحقوق خاصة، فالحقوق العامة ثبت لكل الناس بغض النظر عن انتمائهم إلى وطن أو دولة، ومثاله حق الحياة وغيرها من الحقوق، أما الحقوق الخاصة، فإنها لا تثبت لكافة الناس بالمساواة، وإنما يوجد تفاوت في بعض الحقوق بين الأفراد بحسب الحالة الشخصية والمدنية، وتنقسم الحقوق الخاصة إلى حقوق عائلية.
وحقوق مالية، وعينية و شخصية معنوية، وتنقسم إلى عينية وشخصية معنوية، ويتميز الحق بخاصيتين، أولا خاصية الذاتية والاستئثار وثانيا خاصية الشرعية والحماية القانونية، فإن الفرع الأول هو خاصية الذاتية والاستئثار، ويقصد بالذاتية كون الحق مرتبط بشخص معين بالذات وبالصفات، ومصطلح الخاص أو الخصوصية وهى الآثار المترتبة عن ذاتية الحق، أما عنصر الاستئثار فيعني انفراد صاحب الحق بالشيء محل الحق، ومثل هاتين الخاصيتين هي جوهر التمييز بين القاعدة القانونية والحق، فإذا كانت القاعدة القانونية تتميز أساسا بأنها عامة ومجردة فإن القاعدة المكرسة للحق وعكس ذلك تتميز بخاصية الذاتية، أو أنها مشخصة في شخص معين يستأثر بالحق، وتتجلى خاصية الذاتية في الخطاب المستعمل من طرف الأشخاص بقولهم هذا لي أو من حقي كذا، ومعنى ذلك أن الحق يختص بواقعة محددة بعينها وبشخص معين بذاته، وتتطلب هذه الخاصية تغير الشروط اللازمة في الواقعة أو التصرف القانوني أو أي مصدر آخر للحق حسب طبيعة الشيء محل الحق وحسب طبيعة الشخص الذى تخاطبه وكذا صفته، وتجدر الإشارة إلى أن خاصية الذاتية قد لا تكون واضحة في البداية، بل تظهر عند حدوث الواقعة، أي عند التطبيق كحالة المسؤولية التقصيرية فإن حق التعويض ينطبق على شخص معين بالذات يتمتع بصفة المتضرر، وأما عن الفرع الثانى، وهو خاصية الشرعية والحماية القانونية، ويقصد بالشرعية اعتراف القانون بالحق وانتسابه إلى صاحبه، أما الحماية القانونية.
فهى تعني توفر صاحب الحق على وسائل قانونية لحماية حقه تجاه أى اعتداء يقع عليه من قبل الغير، وهدف الشرعية والحماية القانونية تحقيق الاستقرار في المجتمع عن طريق وضع قواعد سلوك توجه الأفراد نحو الحقوق المشروعة وتنأى بهم عن الكسب غير المشروع المخالف للنظام العام والآداب العامة، أى لا تشكل العوائد الناتجة عن أعمال إجرامية حقوقا في نظر القانون، وبالتالي لا تستفيد من الحماية، حيث أن الحماية تقتصر على الحق المشروع، وتكون هذه الحماية مقترنة بدعوى قضائية تكون نتيجتها توقيع جزاء مادى من قبل السلطة العمومية على كل شخص ينتهك أو يلحق الضرر بمصلحة صاحب الحق، وهو بذلك يعد كقصاص يتيح لصاحب الحق استرجاع حقه أو الحصول على تعويض يناسبه، وهذه الحماية تعد في الواقع كضغط لإكراه الغير واجباره على احترام حقوق الأشخاص وينجم عن خاصية الشرعية والحماية القانونية، وهى ربط حماية الحق بالسلطة العمومية ممثلة في الدولة، وتحديدا السلطة القضائية، وكذلك امكانية توقيع الجزاء على كل منتهك لحق من الحقوق المشروعة للأشخاص، وقد يفرض هذا الجزاء عن طريق دعوى مدنية كما قد يفرض عن طريق دعوى عمومية، وعموما تتميز الحماية القانونية بأنها مادية وملموسة وحالة والجزاء المترتب عنها توقعه سلطة عمومية، ويتخذ هذا الجزاء صور ثلاث، وهى الجزاء المباشر أو العينى كما نص عليه القانون المدني بقولها أنه يجبر المدين بعد اعذاره على تنفيذ التزامه تنفيذا عينيا متى كان ذلك ممكنا، فإذا امتنع المدين يمكن إجباره على ذلك.
والتعويض ويتمثل في إلزام المخطئ بالتعويض لفائدة صاحب الحق المتضرر، كما قد يحكم بالتعويض فى حالة ما إذا كان التنفيذ مستحيلا أو غير مجديا، كما تقضي بذلك المادة من القانون المدنى، وأيضا إعادة الحالة إلى ما كانت عليها قبل حدوث المخالفة أو رد الشيء إلى أصله، ولقد فطر الله تبارك وتعالى العباد على قبول الحق والانقياد له، والطمأنينة به، والسكون إليه، ومحبته، وفطرها كذلك على بغض الباطل والكذب، والنفور عنه، وعدم السكون إليه، ولو بقيت الفطر على حالها لما آثرت على الحق سواه، ولما سكنت إلا إليه، ولا اطمأنت إلا به، ولا أحبت غيره، ومن تدبر القرآن الكريم أيقن أنه حق وصدق، بل أحق كل حق، وأن الذى جاء به أصدق خلق الله، وأبرهم، وأتقاهم، وأعلمهم, ولهذا ندب الله تعالى عباده إلى تدبر القرآن الكريم, فقال سبحانه وتعالى فى سورة محمد ” أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها” فلو رفعت الأثقال عن القلوب لباشرتها حقائق القرآن، واستنارت فيها مصابيح الهدى والإيمان، وعلمت أنه الحق، وما سواه باطل, فقال سبحانه وتعالى فى سورة سبأ ” ويرى الذين أوتوا العلم الذى أنزل إليك من ربك الحق ويهدى إلى صراط العزيز الحميد” فهذه القلوب هى التي تنقاد لحكم الله، وتسلم لأمره, وإن الله تبارك وتعالى خلق مخلوقاته كلها بسبب الحق، ولأجل الحق فقال سبحانه وتعالى فى سورة الدخان ” وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين، ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون” والحق هو الحكم والغايات التي لأجلها خلق الله ذلك كله، وهي كثيرة.
ومنها أن يُعرف الله بأسمائه وصفاته، وأفعاله وآياته، ومنها أن يحب ويُعبد، ويُذكر ويُشكر، ويُطاع فلا يُعصى، ومنها أن يأمر وينهى، ويشرع الشرائع، ويدبر الأمر، ويتصرف في ملكه بما يشاء، ومنها أن يثيب ويعاقب، فيجازي المحسن بإحسانه، ويعاقب المسيء بإساءته، فيظهر أثر عدله وفضله لعباده، فيحمد على ذلك ويُشكر، ومنها أن يعلم خلقه أنه لا إله لغيره، ولا رب سواه، ومنها ظهور آثار أسمائه وصفاته على تنوعها وكثرتها جلية في مخلوقاته، ومنها أنه سبحانه وتعالى يحب أن يجود وينعم، ويعفو ويغفر، ويسامح ويصفح، ولا بد من لوازم ذلك عقلا وشرعا، ومنها أنه يحب أن يثنى عليه، ويُمدح ويُمجّد، ويُسبّح ويُعظم، وغير ذلك من الحكم التي تضمنها الخلق، وكل من عُرض عليه الحق فرده ولم يقبله عُوقب بفساد قلبه وعقله ورأيه, فقال سبحانه وتعالى فى سورة الصف ” فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدى القوم الفاسقين” ومن كفر بالحق بعد أن عمله كان سببا لطبع الله على قلبه, فقال سبحانه وتعالى فى سورة النساء ” بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا” والقلوب عند ورود الحق عليها لها أربعة أحوال، فهى قلب يفتتن به كفرا وجحودا, وقلب يزداد به إيمانا وتصديقا, وقلب يتيقنه فتقوم عليه به الحجة, وقلب يوجب له حيرة وعمى فلا يدرى ما يراد به, وقال سبحانه وتعالى فى سورة المدثر ” وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين فى قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدى من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هى إلا ذكرى للبشر”
وإن هذه الأمة أولى الأمم باتباع الحق، ففوق أنه الحق هو كذلك مجد لها وذكر, فقال سبحانه وتعالى فى سورة الأنبياء ” لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون” وما كان لها لولاه من ذكر في العالمين، وقد ظلت أمة العرب لا ذكر لها في تاريخ العالم حتى جاءها الإسلام وصعد بها إلى القمة الساحقة, وقد ظل ذكرها ومجدها وعزها يدوى في آذان القرون حينما كانت مستمسكة به، إيمان وأمان، وعدل وإحسان، ورحمة وشفقة، وغير ذلك من مكارم الأخلاق، فوا أسفاه وقد تضاءل ذكرها الآن عندما تخلت عنه فى كثير من ديار الإسلام، فأصبحت تؤمر ولا تأمر، وتنصت ولا تتكلم، وترقد في آخر مواطن الذل والهوان، فما لها لا تعود إلى ربها، وقد ملكها الله الدين الذي تصل به إلى مدارج العز والعلا، وإنه يختلف المتخصصون حول مصدر الحق على رأيين اثنين، فيرى جزء إلى أن الحق هو مفهوم فطرى المصدر، مستمد في وجوده من الإنسان نفسه، وأن العقل السليم يكشف عنه، كالحق في الحياة، والحرية، والعمل، والأمن على النفس والأهل والمال، ونحو ذلك، وهم يعدون هذه الحقوق وأمثالها ملازمة للإنسانية، وليس لأحد أن يتعدى على هذه الحقوق أو أن ينهي وجودها، لأنها أشياء تتسم بالمثالية والسمو، تفرضها طبائع الأشياء، أما الجزء الثاني فيذهب إلى أن الله تعالى هو مصدر الحق، وأنه ليس لمخلوق على الله أى حق، وإنما الحق إكرام منه سبحانه وتعالى بمحض إحسانه وتفضله، ويقولون إن الله وحده عز وجل هو الحاكم على الناس، وإليه الحكم بينهم، ولا يصح التشريع إلا منه وحده.
وقد منحهم الحق بسن التشريعات اللازمة لتحقيق هذه المصالح بما لا يخالف أوامره ونواهيه، وبما ينصب على حسن تطبيق هذه الأوامر والنواهي، وأن هذا التشريع الإنساني على تنوعه، قابل للتطور مع الزمن لتحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وأما عن حق الله عز وجل وهو كل ما أمر الله تعالى به عباده من أفعال، أو نهاهم عنه، كفروضه من صلاة وصيام وزكاة وحج ومحرماته من شرك وقتل ونهب وغير ذلك، وأما عن حق العباد، وهو يقسم إلى قسمين حق غير مالي، كالحقوق السياسية مثل حق الانتخاب، وكحقوق الإنسان الأساسية والتي تقوم عليها باقي الحقوق، مثل الحق في الحياة والحرية والعمل، وكالحقوق الأسرية مثل الزواج والطلاق والنفقة والإرث وطاعة الوالد من قبل ولده، والزوج من قبل زوجها بالمعروف، والقسم الثاني هو حق مالي، وينقسم الحق المالي إلى ثلاثة أقسام، هو الحق الشخصى وهو مطلب يقرّه التشريع لشخص على آخر، سواء أكان قياما بعمل أم امتناعا عن عمل، وذلك كحق كل من المتبايعين على الآخر، الحق العينى وهو سلطة يقرّها التشريع لشخص على شيء معين، والحق الذهني وهو الابتكار وهو حق حديث نسبيا، أوجدته أوضاع الحياة الحداثية، ونظمته القوانين المعاصرة، والاتفاقات الدولية، كحق ملكية الاختراع، والمؤلف، وكل قائم على إنتاج لأثر فنى أو صناعي مبتكر، فإن لهؤلاء حقا في تملك ما اخترعوه أو ألفوه أو أنتجوه إليهم من جهة المنفعة المالية أو الأدبية، وإنه يجب معرفة معنى اسم الله الحق، فإنه قد وردت آيات قرآنية كثيرة تذكر اسم الله الحق.

التعليقات