الثلاثاء - الموافق 24 ديسمبر 2024م

فى طريق الهدايه ومع الحلال بيّن والحرام بيّن ” الجزء الخامس ” إعداد / محمــــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع الحلال بيّن والحرام بيّن، فإن البعض ينظر إلى كثير من الأمور على المصلحة الشخصية، لكن لو نظرت نظرة أبعد وأكبر لرأيت أن المصلحة للمجتمع جميعا بامتثال الجميع، ولذلك مثلا قوانين السلامة المرورية هي مرتهنة بامتثالي وامتثالك، أما حينما يحدث أن البعض ينظر ألى الأمر بمسألة شخصية ويفعل ما يفعل من مخالفات تعرض غيره فضلا عن أن تعرضه هو للهلاك أو للحادث أو لكذا فهذا للأسف الشديد تجده إنسانا أنانيا، وهكذا فإن كثير من الأمور التي حرمها الله تعالى لها نفس النظرة منها ما هو فيه ضرر شخصي فحرمه الله علينا كتحريم الخمر والخنزير ومنها ما فيه ضرر مجتمعي كتحريمه أكل أموال الناس بالباطل، وتحريمه السرقة، أوتحريمه الزنا، كل هذا نظرة للمجتمع كله ليبقى مجتمعا امنا سالما معافى، وأيضا هنالك مسألة وهي أن الذى يحلل ويحرم هو الله، والحلال والحرام ليست قضية فوضوية، وأن كل إنسان يرى على أهواءه الشخصية مسألة يحرمها أو يحللها، لا، فنحن كمسلمين نصدر عن أمر الله تعالى ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فأي إنسان يتكلم في حلال وحرام في فتوى ويقول، قال الله، أو قال رسوله، أو قال العلماء، أما الفتاوى اللقيطة التي فيها اعتماد على الكلمات الرنانة دون الرجوع إلى الشرع هذه مسألة خطيرة، ويعني ذلك مثلا إذا امرأة تتكلم عن الحجاب وتقول الحجاب تضييق على حرية المرأة وأنا أرى أن الشعر نعمة من الله، لماذا نغطيها ؟ فيجب هنا أن نقول لها يا أختي الله يبارك فيكي العورة ايضا نعمة من الله لماذا نغطيها؟ فهذا المنطق هو نفس منطق أهل الشرك قديما.
فلما حرم الله تعالى أكل الميتة، قالوا التي أماتها الله بيده لا نأكلها، والتي نميتها بأيدينا نأكلها، ولذلك قال الله عز وجل فى سورة الأنعام ” ولا تأكلوا مما لم يذكر إسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون” وإن المسألة ليست أماتها الله تعالى أم نحن ذبحناها المسألة هنا أن الله عز وجل أحل لنا الذبيحة لأنك حينما تقطع عروق الرقبة من الجانبين يفور الدم فيطيب اللحم، أما التي ماتت فإن الدم انحبس فيها ففسد اللحم حتى الأطباء يقولون إن بقاء اللحم لفترة أطول معتمد على تفريغ الدم من الذبيحة ولذلك من المستحب عدم قطع الرقبة كاملة ليبقى الاتصال يفور الدم جميعا من الذبيحة ويطيب اللحم ويبقى أطول فترة ممكنة، ولا يكون فيه أى خبث أو أذى للإنسان، فليست القضية الله أماتها ونحن ذبحناها، فالقضية هنا أن الله حرم الميتة لأن فيها الضررعلينا حرم الله الميتة لأن فيها الخبث وأحل الله الذبيحة لأنها ذبحت بسم الله وطاب لحمها فهي فيها أمان وصحة على آكليها جميعا، وعند أهل الكتاب عوقبوا بتحريم ما أحلّ الله لهم، فقال تعالى فى سورة الأنعام ” فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا، وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما” إذن عند أهل الكتاب هناك تحريم عقابي، تحريم تأديبي، أما عندنا فالحرام متعلق بالخبائث، يحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، كل شيء تطيب نفسك به حلال، كل شيء تخبث النفس به حرام، يحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، حيثما وجدت أمر الله عز وجل فثمة الخير.
وثمة المصلحة، وثمة الرحمة، وثمة العدالة، وحيثما وجدت النهي فثمة الهلاك، والشقاء، والفساد، والظلم، والقسوة، لذلك الدين الإسلامي كما تفضل الله عز وجل به علينا والله تعالى وصفه فقال تعالى فى سورة الأعراف ” يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر” يأمرهم بما تعرفه النفس بأنه خير بفطرتها، وينهاهم عما تنكره النفس بفطرتها، ويحل لهم الطيبات ما تطيب نفوسهم به، ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم، والأغلال التي كانت عليهم، فأى شيء يثبت أنه خبيث بالدليل القطعى فهو محرم والعكس صحيح ، وفي ديننا الأوامر كلها والنواهي كلها متعلقة بمصلحة العباد، فيها رحمة، وفيها مصلحة، وفيها عدالة، وإذا قلت حرام فمعنى ذلك أنه خبيث، وإذا قلت حلال فمعنى ذلك أنه طيب، تطيب النفس به، وتحلو النفس به، وترتاح النفس له، والحرام تخبث به النفس، في هذا الدين القويم شرع الله التوبة النصوح تكفيرا للذنوب، وشرع الله الحسنات اللاتي تذهبن السيئات، وشرع الله الصدقات، وساق الله المصائب، فمن خلال التوبة، أو من خلال الحسنة، أو من خلال الصدقة، أو من خلال المصيبة، تطهر النفس من ذنوبها، لكن اليهود حرمت عليهم طيبات أحلت لهم تأديبا لهم، لذلك الحقيقة الأساسية واليقينية أن التحريم متعلق بالخبائث، لذلك أي شيء يثبت أنه خبيث بالدليل القطعي فهو محرم، فنقول أن هذا التحريم جاء بالدليل العام، فالخمر محرمة بالدليل العام، أما المخدرات فيقولون ما وردت المخدرات في القرآن الكريم محرمة بالدليل العام، أي شيء تخبث به النفس فهو محرم، وإن عندنا قاعدة، الشيء إذا كان خالص النفع فهو حلال يقينا.
أو أنني أشعر بعطش شديد، وشربت هذا الكأس من الماء البارد، الفرات، العذب، الحلال، هذا حلال خالص، لأنه نافع نفعا خالصا، فالشيء النافع نفعا خالصا هو حلال يقينا، والشيء الضار محض حرام يقينا، والشيء الذى يغلب نفعه على ضره يحتاج إلى شرح، فالخمر مثلا قال تعالى فى سورة البقرة ” يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون” فهل أحد يشك أن الخمر محرمة والله سبحانه وتعالى أثبت لها بعض النفع في التجارة؟ وهل يجوز إذا كان مطعم بأماكن يرتادها سياح أجانب، إذا كان هناك خمور يرتاده عدد أكبر، لكن الخمر محرم لذلك ما غلب شره على نفعه فهو حرام، فإن الحلال هو كل شيء تطيب النفس به، وأما ما كان ضرره أكبر من نفعه فهو حرام، وما كان نفعه أكبر فهو حلال، إذا الإنسان أكل أى طعام وأكثر منه لدرجة قد يضره الطعام هل نقول هذا الطعام محرم؟ لا، كل شيء إذا أسرفت منه فيه ضرر، فقال تعالى فى سورة الأعراف ” وكلوا واشربوا ولا تسرفوا” فكل شيء تطيب النفس به فهو حلال وقال تعالى فى سورة المائدة ” اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم” فإن الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به، إلا أن هناك نقطة ضرورية جدا هو أن الأمر كلما كان واضحا وضوحا شديدا كلما اتضح شره تركه هين على النفس، وتضعف فيه كلمة التعدد، لو أن عدوا لك نصحك بشيء واضح لك، تترك هذا الشيء، وكلما ضعفت الحكمة وغابت عنك الحكمة ارتفع مستوى الأمر تعبديا.
فلذلك النقطة الضرورية جدا أن الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به، أنت لمجرد أن تنفذ الأمر قبضت كل ثماره، انتهى الأمر، غض بصرك دون أن تعلم ما حكمة غض البصر، وماذا يحصل بالنفس حين يغض البصر؟ ولماذا يسعد الرجل بزوجته إذا غض بصره؟ لو لم تعرف كل هذه الحكم، وكل هذه التفصيلات، وكل هذه التحليلات، لمجرد أن تغض البصر تسعد ببيتك، ولو أن معنا تكيبف واسأل شخص ماذا يحصل في داخله لا يعرف، فهل عدم معرفته بما يجري داخل المكيف هل يمنعه من أن يستفيد منه؟ لا، والله نحن عندنا قاعدة الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به، فإذا كنت صدوق سيرفع الله شأنك، كيف؟ لا أعرف، كن أمينا يكثر مالك، الأمانة غنى، كيف؟ لا أعرف، وطبعا الدعاة يجب أن يعرفوا أما آحاد المسلمين فعرفوا أم لم يعرفوا لمجرد أن يطبقوا يقطفون الثمار، أنا لا أدعو إلى عدم معرفة الحكمة، لا، بل لا تعلق تطبيق الأمر على معرفة الحكمة، طبق ولا تخف، وهذا أمر الله عز وجل، وهذه تعليمات الصانع، فقيل أنه مرة حدث شخص عن نقطة دقيقة، قال له وكان يصلح سيارته عند صديق، هناك قطعة معدنية أمسكها هذا المصلح ورماها، قال هذه لا لزوم لها، فقال له شركة عمرها مائة عام، وفيها آلاف المهندسين، أنا لا أقتنع أنك أكثر فهما من هؤلاء، وأنت أيها الإنسان يجب أن تعتقد مهما فلسف لك الشر، وزينت لك المعصية، ومهما جيء بأدلة تبدو منطقية كي تستبيح أمرا نهاك الله عنه، هل معك حجة أقوى من أن الذي خلق الإنسان هو الخبير به؟ فإن البشر لو اجتمعوا لا يعرفون حكمة الأمر والنهى.
طاعة، تشريع، في بعض البلدان الإسلامية الإنسان لمجرد أن يطلق امرأته تتملك نصف ثروته، لأن المرأة نصف المجتمع، ولابد من إنصافها، شيء جميل، ما الذي حصل؟ الذي حصل أن الناس عزفوا عن الزواج، فقال أحدهم في هذا البلد الإسلامى صار والد الفتاة يضع في يد الخاطب سند أمانة بقيمة نصف مليون فيما لو طلقت ابنتنا وطالبناك بنصف ثروتك طالبنا بهذا السند، بلد آخر بشرق أسيا شرع تشريعا خلاف تشريع الخالق، لا يجوز لأسرة أن تنجب إلا ولدا واحدا، وفي هذه البلاد يحبون الذكور، فإذا أنجبت الزوجة أنثى خنقت ودفنت إلى أن تأتي بذكر يسجل، الآن هناك قرى بأكملها ليس فيها إناث، فإن الله خبير، فهو المشرع، لذلك عليك أن تتيقن أن أمر الله خير كله، و أن أى نهي، نهى الله تعالى عنه شر كله، يقول أحد الغربيين المنتمين إلى دولة كبيرة، يوجد بها ثلاث ملايين، يعانون من القمار المرضى وبعد أن ذاق مرارة هذه التجربة وأثرها السيئ على بلدته تصوّرت أن صناعة القمار يمكن أن تنعش الاقتصاد، وتجلب الزوار إليها، ليخرج بنتيجة مخالفة تماما، يقول بأن القمار مغامرة خاسرة ابتداء، لأن كل من يتوجه إلى تلك الصالات الصاخبة، يعتقد أنه سيربح مقابل عشرات الدولارات آلافا، بل مئات الألوف، وإنه جنة الحمقى، حيث يعدهم شياطين القمار أنهم سيربحون شيئا مقابل خسارتهم للاشيء، والأرقام المعلنة، تثبت أنه مقابل كل دولار يُكسب هنا، يخسر المقامرون تسعة دولارات، مما أسهم في شيوع الإفلاس، والطلاق، والفاحشة المرتبطة بهذه الصناعة، التي دمرت مجتمع البلدة الصغيرة.
فإن القمار من أعظم الكبائر التي حرمها شرعنا الحنيف، حيث يقول الله تعالى ” يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون” والميسر هو القمار كيفما كان نوعه، وكيفما كانت تسميته، لأن التلبيس على الناس بتسميته لعبة، أو حظا، أو رهانا، أو ميسرا خيريا، أو غير ذلك، لا يغير من حقيقة تحريمه شيئا، ويقول ابن القيم رحمه الله ” فتغيير صور المحرمات وأسمائها، مع بقاء مقاصدها وحقائقها، زيادة في المفسدة التي حرمت لأجلها” ولذلك قال مجاهد “كل القمار من الميسر، حتى لعب الصبيان بالخرز” ويدخل فى ذلك القمار باللعب بالورق، والمكعبات، ورهان الخيول، ورهان الفرق الرياضية، وألعاب اليانصيب، وما يعرف بالقمار الإلكتروني، ورهان الشطرنج، الذي يسمى في المصطلح الشرعي بالنردشير، الذي جاء في ذمه قول النبي صلى الله عليه وسلم “من لعب بالنردشير، فكأنما صبغ يده في لحم خنزير و دمه” رواه مسلم، وغير ذلك من طرق تحصيل المال الحرام، بل إن مجرد الدعوة إلى القمار أمر محرم يستدعي الكفارة بإعطاء صدقة، فكيف بلعبه؟ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم “من قال لصاحبه تعالى أقامرك فليتصدق” رواه البخارى ومسلم، فأخشي أن يمر بنا زمان ليأتى من يقول الشيخ فلان يرى حرمة الخمر، والشيخ فلان يرى أن الخمر ليست حراما، والشيخ فلان يرى أن الصلوات خمس، والشيخ فلان يقول يكفي اثنين او ثلاثة، الشيخ فلان يرى أن صيام رمضان فريضة، والشيخ فلان يرى انه مستحب للقادر عليه وهكذا نصل الي مرحلة من الحضيض.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك