ونكمل الجزء الرابع والثلاثون مع الخلافة الراشدة، ومن المعروف أن المملكة المعينية قامت في جزء من اليمن في الفترة ما بين ألف وثلاثة مائة وألف وستمائة قبل الميلاد، وقد امتد نفوذها في فترة ازدهارها إلى الحجاز وفلسطين، وعندما ضعف سلطانها كونت مجموعة مستوطنات لحماية طريق التجارة إلى الشمال وكان هذا الطريق يمر بيثرب، ويتفق هذا التاريخ التقريبي أيضا مع تاريخ وجود العماليق وحروبهم مع بني إسرائيل في شمال الجزيرة العربية وسيناء، وقد تعاقب السكان على يثرب منذ إنشائها، فقد سكنها العماليق، ومن بعدهم قبائل المعينيين من اليمن ومن ثم اليهود، وقد وصل اليهود إلى يثرب لأول مرة خلال القرن الثاني الميلادي خلال الحروب الرومانية اليهودية.
في فلسطين، التي كان من نتيجتها نزوح عدة قبائل يهودية إلى الأقاليم المجاورة، وكانت أبرز تلك القبائل التي وصلت المدينة وسكنتها كانت قبائل بني قينقاع، وبني قريظة، وبني النضير، وقد استمروا يقطنونها حتى القرن السابع الميلادى، وقيل أن بني قريظة عملوا في خدمة الفرس كجباة للضرائب خلال عهد السيطرة الفارسية على الحجاز، وحسب كتابات التراث العربي، فإنه وعلى إثر انهيار سد مأرب، نزحت عدة قبائل عربية من مملكة سبأ في اليمن شمالا، ومن هذه القبائل قبيلتا الأوس والخزرج وعندما وصلت القبيلتان إلى يثرب أعجبتا بما فيها من أرض خصبة وينابيع كثيرة فاستقروا فيها مع وجود قبيلتين من اليهود آنذاك، هما قبيلة بنو قريظة وقبيلة بنو قينقاع.
وبعد ذلك عُقد حلف ومعاهدة بين اليهود والقبيلتان تلتزمان فيها بالسلام والتعايش والدفاع عن يثرب ضد الغزاة، فتحالفوا على ذلك والتزموا به مدة من الزمن ازداد خلالها عدد الأوس والخزرج ونمت ثرواتهم إلا أن هناك شواهد أثرية تعود إلى تاريخ اليمن القديم وعدد من النصوص الآشورية، ترجح أن تواجد قبائل سبئية على حدود فلسطين قديم وجزء من سياسة سبئية للسيطرة على الطريق التجارية ولا علاقة له بتصدعات أصابت سد مأرب عدا أنه لا يوجد دليل أن الأوس كانوا سبئيين فالنصوص السبئية وصفتهم بأنهم من أبناء الإله ود وهو أكبر آلهة مملكة معين وليس سبأ، وحسب كتابات ابن إسحاق، فإن نزاعا وقع بين آخر ملوك الحميريين وسكنة يثرب.
فيقول أنه عندما كان ذاك الملك يعبر المدينة، تعرض له بعض السكان وقتلوا ابنه، فهدد الملك بإبادة الناس عن بكرة أبيهم وقطع نخيلهم، وكان أن يفعل ذلك لولا أن تدخل اثنين من رجال الدين اليهود، وأقنعوا الملك بالعدول عن فكرته، لأن هذه المدينة هي مكان “سيهاجر إليه نبي من قريش في الزمن الآتي، وسيقيم فيها، ويُدفن فيها” وبناء على هذا امتنع الملك عن تدمير المدينة، واعتنق اليهودية، وصحب الحاخامان معه إلى اليمن، وفي الطريق مروا بمكة حيث عرفا الكعبة على أنها ذاك البيت الذي شاده الخليل إبراهيم عليه السلام، فنصحا الملك أن يفعل ما يفعله أهل مكة، وهو أن يطوف بالبيت، ويبجله ويوقره، وأن يحلق رأسه ويحرم حتى يُتم الحج.
ويفيد ابن إسحق أنه عند وصول الجمع إلى اليمن، قام الحاخامان بمعجزة اعتنق أهل البلاد اليهودية على أثرها، وذلك بأن سارا في النار دون أن يحترقا، وقد تحول الأوس والخزرج إلى عدوين لدودين بعد سنوات من وصولهم ليثرب، وتنص المصادر بأن اليهود خافوا من اتساع سلطة ونفوذ القبيلتين، فقاموا بالتفريق والإيقاع بينهم، ونجحوا في خططهم واشتعلت الحروب الطاحنة بين الأوس والخزرج، واستمرت قرابة مائة وعشرين عاما، ولم تنته هذه الحرب إلا عند هجرة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى يثرب، وفي القرن السابع الميلادي ظهر الإسلام في مكة على يد النبي الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، الذي بدأ في دعوة الناس إلى الدين الجديد.
التعليقات