ونكمل الجزء الخامس والثلاثون مع الخلافة الراشدة، وفي القرن السابع الميلادي ظهر الإسلام في مكة على يد النبي الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، الذي بدأ في دعوة الناس إلى الدين الجديد، وكانت تلك الدعوة سببا في إغضاب سادة قريش الذين كانوا يسكنون مكة، فأعد المشركون كافة الأساليب لإحباط هذه الدعوة، فلم يجد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وسيلة إلا بالهجرة إلى يثرب، وذلك بعدما اتفق مع وفد قبيلتي الأوس والخزرج على نصرته وحمايته، وبالفعل هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يثرب ومعه صاحبه أبو بكر الصديق، وقبل دخوله ليثرب عرج على قباء لأداء الصلاة وبنى هناك مسجدا كان أول مسجد في الإسلام.
وقد دخل النبى صلى الله عليه وسلم يثرب يوم الجمعة الثانى عشر من شهر ربيع الأول، فى السنة الأولى من الهجرة الموافق يوم السابع والعشرون من شهر سبتمبر سنة ستمائة واثنين وعشرين من الميلاد، ثم قام بعد ذلك ببناء المسجد النبوي الشريف وهو نواة الدولة الإسلامية الجديدة، وآخى بين المهاجرين والأنصار بعد قدومه صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر، في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعون رجلا، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، حتى لم يبق من المهاجرين أحد إلا آخي بينه وبين أنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم “تآخوا في الله أخوين أخوين” ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب وقال “هذا أخي” فكان الأنصار يقتسمون أموالهم وبيوتهم.
مع المهاجرين، وكانوا يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين غزوة بدر، فرد التوارث إلى ذوي الرحم وبقيت الأخوة، وذكر البلاذري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آخى بين المهاجرين أنفسهم في مكة قبل الهجرة، وأيد حدوثها الشيعة، بينما رجح ابن القيم وابن كثير من أهل السنة عدم وقوعها، ثم نظم رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاقات بين سكان المدينة، وكتب في ذلك كتابا اصطلح عليه باسم دستور المدينة أو الصحيفة، واستهدف هذا الكتاب توضيح التزامات جميع الأطراف داخل المدينة من مهاجرين وأنصار ويهود، وتحديد الحقوق والواجبات، كما نص على تحالف القبائل المختلفة في حال حدوث هجوم على المدينة، وعاهد فيها اليهود ووادعهم.
وأقرهم على دينهم وأموالهم، وقام بتغيير اسمها من يثرب إلى المدينة، ونهى الناس عن استخدام اسمها القديم، يقول بعض الباحثين أن اسم المدينة قد يكون مشتقا من الكلمة الآرامية مدينتا، التي يحتمل أن يكون اليهود قد استخدموها كاسم آخر إلى جانب يثرب وقد احتوت الوثيقة على اثنين وخمسون بندا، خمسة وعشرون منها خاصة بأمور المسلمين وسبعة وعشرون مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى، وخصوصا اليهود وعبدة الأوثان، لذلك رجح بعض المؤرخين أن تكون في الأصل وثيقتان وليست وثيقة واحدة، كتبت الأولى وهى معاهدة اليهود في السنة الأولى من الهجرة قبل غزوة بدر، والثانية بين المهاجرين والأنصار خاصة بعد بدر فى السنة الثانية من الهجرة.
وقد انطلقت من المدينة جميع غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت غزوة بدر أولها ومن أهمها وكان ذلك عندما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قافلة تجارية يقودها أبو سفيان بن حرب يرافقه ما بين ثلاثين وأربعين رجل، تتجه من الشام عائدة إلى مكة، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا قوامه حوالي ثلاثة مائة وثلاثة عشر رجلا ليقطع الطريق عليهم، وتنص الكثير من المصادر الإسلامية الأولى، أن المسلمين لم يكونوا يتوقعون حصول معركة كبيرة، ومع اقتراب القافلة من المدينة، بلغت مسامع أبو سفيان ما يخططه المسلمون، فأرسل رسولا إلى مكة ليحذر قريش ويطلب الإمدادات، فأرسل القرشيون جيشا تراوح عدد جنوده ألف رجل، والتقى الجمعان عند آبار بدر حيث دارت معركة طاحنة انتصر فيها المسلمون على قلة عددهم.
التعليقات